أصدر المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية تقريراً يتناول فيه الثورة المصرية بعد عامين على المشهد الجديد الذي أطاح بأول رئيس منتخب، وتربع قائد الجيش في عهده على الحكم، ودخول البلاد في حالة من التدهور والتراجع على مختلف المستويات، التقرير الذي تجاوز الثمانين صفحة، تم تقسيمه إلى أربعة أبواب، تناولت بالتفصيل النقاط والمراحل والمواقف الملتهبة التي شهدتها الساحة السياسية خلال الفترة من 1 يناير 2015 وحتى 30 ديسمبر 2015م، ليكمل ما عرض في التقرير الأول الذي صدر في 2014م.
سنقوم عبر هذا المقال بتقديم عرض نقدي للتقرير من حيث المنهاجية والبنية العلمية له، بجانب المرور على المحتوى الذي تضمنه التقرير.
استعراض التقرير
كما أشرنا فإن تقسيم التقرير جاء في عدة محاور تناولت التالي:
نظام العسكر وخارطة التقرير: وقد تم في هذا المحور الحديث عن الإطار التشريعي الذي مضى فيه النظام الحاكم بقيادة الجنرال عبدالفتاح السيسي منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، حيث تم اعتماد خارطة طريق أعلن عنها في 3 يوليو، شملت إعطاء صلاحية للرئيس لإصدار تشريعات لحين انعقاد البرلمان، وقد أصدر السيسي أكثر من 300 قانون، والأخطر أن هذه القوانين، بحسب التقرير أثرت بالسلب في الحد من الدخول للمجال العام، بجانب أن الخارطة تضمنت وضع قانون لانتخابات مجلس النواب، وهو القانون الذي شابه الكثير من اللغط، فبحسب التقرير فإن القانون لم ينص على تقسيم الدوائر والذي جاء في قانون منفصل، وهو ما لم يعلن له عن تفسير مقنع حتى الآن، فيما كان البند الثاني لخارطة الطريق هو دعم الشباب ودمجهم، وهو ما لم يتحقق، مثل ذلك تضمنت خارطة الطريق تأكيداً على ميثاق الشرف الإعلامي، وهو الميثاق الذي لم يرَ النور حتى الآن.
العسكر وقانون الإرهاب: تحت هذا العنوان أكد التقرير أن النظام العسكري استخدم الإرهاب كفزاعة بداعي إعطاء تفويضي لمحاربته؛ وهو ما استغله النظام في ممارسة القتل والتهجير والعزل، ليس فقط لأفراد من الشعب بل لمناطق ومحافظات كاملة كسيناء والعريش والشيخ زويد، وقد أضاف التقرير أن النظام بدا واضحاً اعتماده على المعالجة الأمنية في قضايا الداخل، وهو ما ثبت فشله مع استمرار التفجيرات وأحداث العنف المتكررة وعدم الاستقرار.
وقد استعرض التقرير أرقاماً بشأن الوضع في سيناء كالتالي:
– القتل خارج إطار القانون: 481 حالة.
– الاعتقال التعسفي: 1481 حالة اعتقال.
– اعتقال تحت بند الاشتباه: 5442 حالة.
– حرق عشش للبدو: 1241 عشة.
– تدمير وحرق منقولات مادية خاصة بالمدنيين: 1802 سيارة، 1521 دراجة بخارية.
– المنازل المهدمة: 5184 منزلاً.
– عدد الأسر المهجرة: 1240 أسرة.
– عدد الأفراد المهجرين: 51 ألفاً و590 فرداً ما بين طفل وشاب وامرأة وشيخ.
– مساحة المنطقة المهجرة: 1111م عرضاً × 10.2 كم طولاً.
فيما جاء المحور الثاني للتقرير بعنوان محددات التحولات في الثورة المصرية، وهي التي قسمها التقرير إلى داخلية تمثلت في:
– ممارسات النظام وآليات عمله التي أحيت روح الثورة وجعلت السخط العام مرتفعاً.
– عوامل مرتبطة بالصف الثوري.
– عوامل مرتبطة بالحراك الثوري.
– تطور الملف الاقتصادي.
– تطور الملف الاجتماعي.
– تطور الملف الإعلامي.
– تطورات الملف الحقوقي والقضائي.
أما عن المحددات الخارجية، فقد استعرضها التقرير في نقاط أساسية شملت:
– الدور الإقليمي للمملكة العربية السعودية.
– تطور الوضع في اليمن وسورية وتونس.
– تطور الوضع التركي وخاصة تجاه سورية.
– الاتفاق النووي الإيراني.
الاصطفاف الوطني.. المبادرات والتحديات
تحت هذا العنوان، استعرض التقرير المبادرات التي تم طرحها من أفراد وتنظيمات وقوى من أجل إيجاد مخرج للأزمة، إلا أن التقرير أكد أن أي مبادرة لابد لكي تنجح فهي بحاجة إلى:
– تكوين فريق عمل مختص.
– عدم الدخول في معارك جانبية بين القوى السياسية.
– الانفتاح الدائم وعدم استعجال النتائج.
– التركيز على الاصطفاف المجتمعي والبعد عن النبرات الشامتة.
– عدم الإفصاح عن المبادرات غير المكتملة.
كما تناول التقرير آليات وأسس للاصطفاف الوطني بين القوى الثورية، مع وضع بدائل وسياسات مقترحة للاصطفاف.
إدارة الصراع.. السيناريوهات والبدائل
وهو المحور قبل الأخير الذي استعرض فيه التقرير السيناريوهات المحتملة للمشهد، وأوجزها في:
– تطور الصراع.
– بدائل عن النظام القائم (بدائل من داخله).
– الحوار والتفاوض بين الطرفين.
– رفض الحوار والتفاوض.
الخلاف داخل جماعة الإخوان المسلمين
لأن التقرير اعتمد على مخاطبة مكونات الثورة، فقد أفرد التقرير هذا المحور للحديث عن مكون رئيس من مكونات الثورة وهم الإخوان المسلمون في محنتهم الحالية، وقد استعرض التقرير بشيء من التفصيل ملامح الأزمة ومحدداتها وأبعادها، ووضع ما يشبه النقاط التوجيهية للخروج منها عبر لجنة حكماء، ووضع أطر جديدة للعمل التنظيمي والهيكلي داخل الجماعة.
وختم التقرير بخلاصات تنفيذية يمكن البناء عليها في المستقبل.
التقرير ما له وما عليه
نقاط القوة التي حواها التقرير: النسخة الثانية للتقرير الإستراتيجي للثورة المصرية حوى العديد من نقاط القوى والتي كان أهمها السرد التاريخي للوقائع والأحداث المهمة، وشمولية التقرير في عرض المواقف التي نتجت عن مكونات الثورة بل واهتمامه بثوابت الفاعلين، كما استطاع التقرير أن يقدم نقاطاً إيجابية بشأن الملامح التنفيذية في جميع الإشكاليات التي طرحها، مثل إشكالية الصراع بين القوى، وسياسة التخوين وتبادل التهم، بجانب طرحه لخطوات تنفيذية لإعادة زخم الثورة، والبحث عن الظهير المجتمعي والاصطفاف عبره ليكون الداعم والمحرك.
نقاط الضعف والقصور: إن القارئ للتقرير يجد أن البنية البحثية له ضعيفة لغياب المنهج الذي استخدم في العرض، بجانب ضعف البنية الهيكلية للبحث بكثرة التفريعات وتنوع السياقات التي تطرح الرؤى.
كما أن التقرير استعرض مشكلة فصيل الإخوان بشيء من التفصيل، في حين أن هناك قوى وفصائل أخرى تحتاج لمثل هذا التشريح لتكتمل الصورة كحركة السادس من أبريل وغيرها، وقد غاب عن العرض قطاع مهم من قوى الثورة مثل القوى الطلابية تحديداً والتحركات العمالية وغيرها.
إلا أن التقرير في مجملة يمكن البناء عليه.
للاطلاع على التقرير كامل اضغط هنا