يحيي الفلسطينيون في هذه الأيام ذكرى مؤلمة، بل شديدة الألم، هي الذكرى السنوية العاشرة للحصار “الإسرائيلي” على قطاع غزة، والذي لا يزال مستمراً إلى اليوم، بأشكال مختلفة، والذي تسبّب في معاناة إنسانية واقتصادية صعبة.
بدأت قصة هذا الحصار في أعقاب فوز حركة “حماس” بمعظم الانتخابات البلدية والتشريعية التي أجريت أواخر عام 2005 وأوائل عام 2006م، بتوافق فلسطيني داخلي وتشجيع إقليمي وقبول دولي، بهدف إشراك القوى الإسلامية في السلطة القائمة، على قاعدة أن مشاركة القوى الإسلامية في الانتخابات العامة والبلدية سيؤدي إلى دمج الإسلاميين مستقبلاً في النظام القائم، واحتوائهم، وتوفير الدعم لمسيرة السلام في المستقبل.
وكان الاعتقاد، لا بل كانت المعلومات التي توافرت لأجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية العاملة في الوسط الفلسطيني، أن “حماس” ستحصل على نسبة من 20% إلى 25% كحد أقصى، وأن هذه النسبة يمكن احتواؤها تدريجياً.
المفاجأة كانت أن “حماس” حصلت على حوالي 70% من المقاعد البلدية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلى حوالي 65% من مقاعد المجلس التشريعي، وهو ما شكّل صدمة كبيرة للعواصم الإقليمية والدولية وللكيان الصهيوني وللسلطة الفلسطينية، للأسباب الآتية:
1- إن هذا الانتصار كبير جداً، وهو أشبه باستفتاء سياسي شعبي يؤشر إلى مرجعية حقيقية.
2- إن “حماس” دخلت الانتخابات ببرنامج سياسي عنوانه المقاومة، ورفض الاعتراف بالكيان الصهيوني، والإصلاح والتغيير.
3- إن تطبيق نتائج الانتخابات سيؤدي إلى إشراك قوة سياسية شعبية فلسطينية ملتزمة بخيار المقاومة، في جميع مؤسسات السلطة الفلسطينية، ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها دولياً، وهذا يعني أن “حماس” ستدير المجلس التشريعي والحكومة والبلديات، والسفارات، وستدخل في تركيبة السلطة، ومؤسساتها الأمنية والمالية؛ وهو يعني إنهاء منظمة التحرير الفلسطينية (والسلطة الفلسطينية) التي اعترفت بـ”إسرائيل”، ووقعت معها “اتفاقيات سلام”، وأدانت “الإرهاب”، وقبلت بالتنسيق الأمني مع الاحتلال.
لذلك جاء الرد الدولي – الإقليمي – “الإسرائيلي” سريعاً بإجهاض نتائج الانتخابات، وإسقاط العملية الديمقراطية، وإغلاق المجلس التشريعي أمام “حماس” ورئيسه عزيز دويك، ومنع القوى الأخرى من المشاركة مع “حماس” في أي حكومة، وعدم الاعتراف بحكومة تشكّلها “حماس”، وفرض حصار على قطاع غزة، وضرب حركة “حماس” في الضفة.
وأعلنت الجهات الإقليمية والدولية المتابعة أن أي اعتراف بدور “حماس” سيكون مرتبطاً باعترافها بالكيان الصهيوني، والقبول بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال والتخلّي عن العنف (المقاومة).
ومنذ ذلك الوقت، فُرض حصار خانق على قطاع غزة، مخالف للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، تمّ بموجبه إغلاق معبر رفح، وإغلاق معظم المعابر مع الكيان الصهيوني، ومنع تحويل الأموال، ورفض الاعتراف بالموظفين في غزة، ومنع سلطة رام الله من تقديم الدعم لغزة، ومنع إدخال معظم المستلزمات الطبية، ومنع إدخال مواد البناء ومستلزمات التصنيع، ومنع التنقّل، وتعرّض قطاع غزة لثلاث حروب مدمّرة، تعرّضت فيها بنية القطاع لتدمير ممنهج.. كل ذلك بهدف تطويع إرادة الشعب الفلسطيني، وكسر مشروع المقاومة.
وللأسف، فإن سلطة محمود عباس ساهمت بشكل كبير جداً في هذا الحصار، ومارست ما هو أبشع منه، وأجهضت كل محاولات المصالحة.
خلال هذه السنوات العشر من الحصار، الذي كانت نتائجه كارثية على قطاع غزة وأبنائه، عانى قطاع غزة معاناة شديدة (مرفق ملف حول نتائج الحصار خلال عشر سنوات)، لكنه استطاع الصمود والصبر، وتحمّل الجوع، وصمد في معركة الحصار، وانتصر في المعارك العسكرية، كما استطاعت غزة أن تنتصر على المستوى الإستراتيجي، رغم كل الخسائر المعروفة، ويكفي أنها أفشلت خطة القضاء على إرادة الشعب وحقوقه ومشروع المقاومة.