لن تتعب كثيراً في معرفة من يعملون لغيرهم، قد أكون أنا وأنت منهم، هم موجودون حولنا وفي مجتمعنا، ونقابلهم يومياً، ونقرأ لهم على مواقع التواصل.
الغيبة التي صارت “فاكهة” يتلذذ الناس بإتيانها ليست مجرد مسألة فردية فقط، بل هي قضية اجتماعية، وسيئة متعدٍ أثرها.
يقول شيخنا في الأدب مصطفى المنفلوطي: الغيبة رسول الشر بين البشر، فالغيبة لها علاقة بالدين؛ فالمغتاب شخص يأتي بالحسنات والطاعات، ثم يقتص من اغتابهم منه يوم القيامة بالأخذ من حسناته، فالمغتاب بهذا ينثر حسناته، كالشخص الذي يجمع النقود في كيس مثقوب!
ولها علاقة بالأخلاق؛ فالمغتاب صاحب وجهين، يضاحكك في وجهك، ويجعلك مادة ساخرة أمام الملأ في غيابك، ولها علاقة بالمجتمع؛ فهي المولّد الرئيس للتنافر والكراهية ونشر الأحقاد، ولها علاقة بالنفس؛ فالمغتاب مولع ومهتم بتقويم الآخرين وانتقادهم، فيما هو عاجز عن إصلاح نفسه وتقويمها!
والحقيقة المرة أن الغيبة لا يكاد يسلم منها أحد، كلنا نقع فيها، والناس تجاهها ما بين مقل ومستكثر، بعضهم يخيّل إليك أن الغيبة تجري على ألسنتهم مجرى النَفَس، وبعضهم قد أشربها ويحتاج وقتاً وجهداً كبيرين كي يتخلص منها.
أحياناً أقول في شأن الغيبة: يا حظ ويا بخت من يغتابه الناس!
صدقوني لو تفكر – من يُحَش فيه – في مآلاتها لسُر ولفرح بغيبة الناس له، وربما قدم لهم الشكر، كما فعل الحسن البصري لما بلغه أن شخصاً اغتابه، فبعث إليه بهدية وكتب له: أهديت إليَّ بعض حسناتك؛ فأحببت مكافأتك! ويقول إمامنا في الفقه والشعر الإمام الشافعي: لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أمي؛ فهي أحق الناس بحسناتي.
وللإمام الغزالي ما معناه: الغيبة هي الصاعقة المهلكة للطاعات، ومثل من يغتاب كمن ينصب منجنيقاً يرمي به حسناته شرقاً وغرباً ويميناً وشمالاً، وسئل عالم عن إنسان كثير الطاعات، لكنه يغتاب، فقال: لعل الله سخره ليعمل لغيره!
لذا فثق تماماً أن عملاء الغيبة هم أحسن العملاء على وجه الأرض، يودعون الحسنات في حساباتنا دون مقابل، فشكراً لهم!
قال أبو البندري غفر الله عنه: النجاح الحقيقي أن تعمل على ما فيه صلاح لنفسك، وما فيه إصلاح لسلبياتها، وترميم لأخطائها، وفي موضوع الغيبة جاهد نفسك بكل ما أوتيت من قوة ومن وسيلة، اسحب نفسك سريعاً حينما يتحول الحديث إلى الأعراض، وإلا فأنت الخاسر يوم لا ينفع مال ولا بنون، فالمغتابون قوم يعملون الطاعات ويأتون بالحسنات ثم تذهب لغيرهم.
أحد السلف له تجربة جيدة في التخلص من الغيبة، حيث قرر كل ما اغتاب أحداً يصوم، فلم يفلح في الإقلاع عن الغيبة، ثم قرر كل ما اغتاب أحداً أن يتصدق بدرهم، يقول عن نفسه: غلبني حب الدراهم فتركت الغيبة!