حماة تشكو من سوء معاملة زوجة ابنها، وزوجة تشكو من حماتها، والزوج مذبذب بين هذه وتلك.. ليس نفاقاً، ولكنه يحاول إيجاد حلول لهذه المعادلة الصعبة التي وضع فيها، ومطلوب منه التعامل معها بكل حنكة وتوازن؛ فرِضا الأم واجب عليه، وراحة الزوجة من أهم مسؤولياته.. هذه بعض مظاهر الخلل وعدم الاستقرار التي تعاني منها بعض الأسر.
وفي السطور التالية نتناول بعض مظاهر الخلل في العلاقة بين الحماة وزوجة ابنها، وكيفية تحقيق التوازن بينهما.
أسباب عقوق الزوجة لأم زوجها
الأصل أن الزوجة تسعى للاستقرار والسكينة في بيت الزوجية؛ فهي تتزوج لتعيش في أسرة سعيدة يكتنف أفرادها الحب والمودة والرحمة والتعاون، ولكن هناك من يحدث منها عكس هذا؛ فهي لا تقبل لحماتها كلمة، وتعاملها معاملة فيها من الشدة والندية ما يحول الحياة بينهما لجحيم لا يطاق.
وهذه بعض الأسباب التي ربما تقف وراء هذه الطبيعة غير السوية من هذه الزوجة:
1- أن تكون هذه الزوجة صاحبة شخصية متسلطة وغير سوية، ولا تقبل التدخل في حياتها ولو تدخلاً طبيعياً.
2- أن يعاملها أهل الزوج معاملة قاسية؛ فتنقلب عليهم وتقابل المعاملة بالمثل.
3- أن يكون الزوج كثير الحديث عن أهله ولا يعجبه شيء مما تفعله له زوجته؛ لأنه لا يرقى لما كانت تفعله له أمه؛ فتدب الغيرة من أمه في نفسها؛ وهو ما ينعكس على معاملتها لها.
4- معاملة الزوج لزوجته معاملة سيئة؛ فهي لا تشعر بالأمان والاطمئنان معه؛ وهو ما يؤثر على علاقتها بأهله؛ ففاقد الشيء لا يعطيه.
5- عدم التكافؤ في الحياة الاجتماعية؛ فتكون الزوجة مثلاً أغنى من أهل زوجها أو ذات تعليم أعلى منهم.
6- اختلاف البيئات والثقافات؛ فلكل بيئة أعرافها وتقاليدها التي تختلف عن البيئة الأخرى، وإذا لم يكن كل طرف يدرك ذلك جيداً فإنه سيحدث صدام لا محالة.
أسباب قسوة الحماة على زوجة ابنها
الأصل أن الأم تحرص على رضا ابنها وسعادته، ولكن من الحموات ما تقسو على زوجة ابنها وتعاملها معاملة لا ترضاها لابنتها؛ ووراء تلك المعاملة أسباب، ربما يشترك بعضها مع ما ذكرناه آنفاً في أثناء الحديث عن الزوجة، ويمكن أن نضيف عليها أيضاً:
1- أن تكون هذه الحماة عندها حب التملك الزائد حتى لأبنائها؛ فلا تريد أن يشاركها أحد في أبنائها (وهذا الأمر فطري في كل الحموات، لكن نسبته تختلف حسب شخصية كل حماة، وطريقة تعبيرها عنه).
2- أن تكون هذه الحماة قد عوملت معاملة قاسية من حماتها في الماضي (كزوجة)؛ فيكون انطباعها عن العلاقة بين الزوجة والحماة هي هذه المعاملة التي لاقتها هي.
3- أن تكون الحماة غير راضية عن هذه الزوجة من البداية، وأن ابنها هو الذي أصر على موقفه؛ فتعاملها الحماة على أنها شخص غير مرغوب فيه في البيت.
4- أن يُشعر الزوج أهله بأنه يحب زوجته أكثر منهم ويقدمها عليهم.
5- أن يكون هذا الزوج هو الوحيد لأمه؛ فتشعر الأم أن هذه الزوجة ستأخذ منها فلذة كبدها.
نماذج من الواقع
تقول إحدى الزوجات: حماتي بمثابة أم ثانية لي، ولها مني الاحترام والتقدير وهي تعيش في بلدة أخرى بعيدة عنا، ونزورها في المناسبات، فأحاول أن تكون الزيارة سعيدة على العلم أن حماتي سيدة طيبة وتحبني.
أما الشيء الذي لا أقبله منها فهو التدخل في الأمور الشخصية، وهذا لا يمنع أن أستشيرها وأنال من خبرتها وأحترم رأيها، ولكن لا بد أن تكون هناك خطوط حمراء يجب احترامها.
وتقول أخرى: حماتي ست طيبة جداً وزوجي يحبها وأنا سعيدة بهذا، إلا أني أشعر بأنها عقبة أمام أحلامي وطموحي، فإذا جاءت فرصة للسفر للخارج – مثلاً – يرفض زوجي لأجل أمه.
وتقول ثالثة: حماتي تحبني وأنا أحبها ولكنها أجمل مني، وزوجي دائماً يقول لي: “إن أمي هي أجمل ست في العالم”، وزوجي كثير المزاح غير المقبول أمامها وإهانتي؛ فأنا لا أعيب على حماتي إلا أنها تتدخل في شؤون تربية الأولاد.
وتقول رابعة (توفيت حماتها قبل زواجها): يا ليت لي حماة وكنت أبرها حباً فيها وفي ابنها، أرجو أن آخذ الأجر بالنية.
وتقول إحدى الحموات: عندما كنت زوجة ابن كانت حماتي سامحها الله شديدة عليَّ، ولا تعتبرني إلا خادمة، وكانت كثيرة التدخل في حياتنا، حتى العلاقة بيني وبين زوجي، وكنت جميلة، وهي تقول لي: لا تعتمدي على جمالك، وتغار من علاقتنا أنا وزوجي.
ولكن على الجانب الآخر كان زوجي رجلاً بمعنى الكلمة؛ فكان يطيب خاطري سراً بيننا، ويكثر لي الهدايا، ويوضح أهمية الصبر وبر الوالدين، ويطيب خاطرها أمامي، ويطلب مني أن أطيب خاطرها، وأنا أعلم أنه إرضاء لله.
اقتراحات علاجية
الأصل أن الأسرة شركة تتكون من أفرادها جميعاً، وكلهم مسؤولون عن استقرارها وبث روح التفاهم فيها، والأنماط الشخصية تختلف من فرد لآخر، وما لا يقبله هذا ربما يقبله ذاك، والأصل أن يكون هناك رصيد إيماني في قلوب هؤلاء الأفراد، يكون مرجعاً لهم عند بوادر أي مشكلة.
فالزوج لا بد أن يضع في اعتباره رضا أمه وليعلم أن رضاها مقدم على كل رضا، وليسعَ إلا ذلك ما استطاع سبيلاً، ولكن في الوقت نفسه لا يكون ذلك على حساب زوجته ومعاملتها وإشعارها بمكانتها في مملكتها التي كانت تحلم بها منذ أن كانت طفلة.
والزوجة من ناحيتها تضع في اعتبارها إرضاءها لزوجها وأنه أحق الناس بطاعته، ولتعلم أن إكرام أهله ووالدته بصورة خاصة وتحملها من أهم أسباب إرضاء الزوج وانشراح صدره؛ وهو ما ينعكس على تعامله معها؛ فإذا وجد سوء معاملة من والدته فإنه سيكون حريصاً على إصلاحه وعلى جبر خاطر زوجته.
ولتضع هذه الزوجة في اعتبارها نفسية أم الزوج وفارق السن والمكانة وشعورها أنها أخذت منها فلذة كبدها.. كل هذا يدفعها للتحمل والصفح عن بعض ما يواجهها من مشكلات. ولتعلم هذه الزوجة أنها في يوم من الأيام ستكون حماة لزوجة ابن، الله أعلم بها وبأخلاقها؛ فلتتق الله في حماتها، ولتعلم أنها كما تدين تدان.
وهذه همسة في أذن الأم أن تراعي ظروف ابنها وزوجته، وأن تعمل على إسعادهما واستقرارهما، وأن تستوعب زوجة ابنها بعقلها وقلبها الكبير، ولتتقي الله فيها حتى يرزق الله ابنتها بحماة تتقي الله فيها.
وهذه بعض المقترحات نقدمها للزوج لأنه يقع عليه العبء الأكبر في استقرار المنظومة الأسرية:
1- على الزوج أن يراعي اختيار الزوجة المناسبة لوسطه الاجتماعي، وأن يحاول تحبيب أهله في زوجته منذ البداية.
2- الزوج هو همزة الوصل بين أهله وزوجته؛ فليكن فطناً في هذا الأمر؛ وليحرص على إظهار حسنات زوجته أمام أهله، وحسنات أهله أمام زوجته، وليستوعب أي مشكلة ويئدها في مهدها.
3- إذا شعر الزوج بسوء معاملة من أهله لزوجته ولم يستطع التأثير عليهم؛ فليعوض هو زوجته بأن يغدق عليها مشاعر العطف والحب والحنان التي تشعر معها باطمئنان، وأن لها من تركن إليه إذا ضاقت بها الدنيا والناس جميعاً.
4- ليحذر الزوج من كثرة حديثه عن زوجته وحبه لها وأهميتها في حياته أمام أمه، وكذلك ليحذر من فعل ذلك عن أمه أمام زوجته؛ حتى لا يوغر صدر هذه على تلك، وليضبط العلاقة بينهما بحيث يظهر أمام كل منهما أنها أحب الناس إليه، ويا حبذا لو أهدى لكل منهما هدايا تؤلف قلبها وتزيد حبه لها.
5- إذا وجد الزوج أن علاقة زوجته بأمه أصبحت متوترة ولا سبيل لتحسينها فليحرص حينئذ على إبعاد زوجته عن أمه والفصل في العلاقة بينهما إلا في الضرورات.