من المعلوم أن الأنظمة والحركات التي تمارس دور المقاومة يعتبر أمنها وأفرادها هو العصب الرئيس لمواجهة عدوها، ولا يمكن تخيل مقاومة تكون مكشوفة للعدو تستطيع أن تحقق أي مكاسب على الأرض خاصة إن كان عمر المعركة يستمر لأجيال.
حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي فصيل أساسي مقاوم له بيئة مجتمعية تعيش فيها، دوائر هذه البيئة منوعة، تبدأ من الداخل المنقسم، ثم الإقليمي المتآمر والمتحامل أكثر منه مساند، إلى الدولي الأشد مؤامرة، وبين هذه البيئة استطاعت حركة “حماس” أن تُوجد لها جناحاً مقاوماً عسكرياً ينافس في رؤيته وخططه الجيوش المنظمة، ولكن عدته وعتاده تجعلها أقل، حقق هذه المعادلة بعد سنوات من العمل وأخطار لا تخفى على أحد، واقع يعيشه الشعب الفلسطيني يجعل وصف أحد قادة المخابرات الصهيونية له أدق تعبير عندما قال: “الفلسطينيون هم قطعة اللحم بين فكي أسدين”؛ يقصد هنا بين الكيان الصهيوني والمقاومة في دلالة على استيعاب الكيان لأهمية اختراق الحاضنة الشعبية للمقاومة عبر الضغط والإغراء الذي لا يعدم الاحتلال أن يجد وسائله في ظل حصار مطبق وواقع اجتماعي مؤلم خاصة غزة المحاصرة.
اغتيال القادة
دائماً ما يفتح ملف الاختراق مع حوادث الاغتيال المتكررة ومع استرجاع التاريخ، فإن أبرز حوادث تلك الاغتيالات كانت للأب الروحي للحركة الشيخ المجاهد أحمد يسين، وكانت حادثة اغتياله ربما لم تتعلق باختراق أمني، فلم يكن الرجل يتنقل في سرية بل كان تحركه معلوماً، وقد استشهد وهو خارج من المسجد، فيما كانت حادثة اغتيال القائد الرنتيسي توحي بقصور أمني أكثر من كونها اختراقاً، فأيضاً لم يكن الرجل يتحرك بتلك السرية التي نراها مع قادة كالضيف مثلاً والزهار وغيرهما الآن.
إلا أن حوادث الاغتيال الأخيرة للقادة مثل أحمد الجعبري، والثلاثة الميدانيين أبو شمالة، وبرهوم، والعطار، في الحرب الأخيرة على غزة كان باباً للحديث عن أن وجود اختراق أمني لا يشترط ربما أن يكون من داخل المقاومة لكن ربما من البيئة المحيطة لها.
محمود أشتيوي وأيمن طه
قادة في أعلى هرم العمل في “حماس” أشتيوي في الجناح العسكري، وطه في الجناح السياسي، كلاهما ذو أسر عريقة تاريخياً في المقاومة، إلا أن النهاية لم تكن كما هو مقدر ومأمول، فأحدهما نفذ فيه حكم عسكري وهو أشتيوي، والثاني قتل خلال الحرب في فترة التحقيق معه في ملفات قيل: إنها فساد مالي وإداري.
أشتيوي الذي يقال: إنه شغل عدة مناصب منها الإشراف على الأنفاق، أورد الموقع الرسمي لـ”كتائب عز الدين القسام” أن إعدامه جاء بعدما اعترف بارتكاب “انتهاكات سلوكية وأخلاقية”.
هل الحركة مخترقة؟
سؤال ربما الإجابة عنه تحتاج لخبراء كي يجيبوا عنه، فالحديث عن “القسام” هو حديث عن تاريخ ومواقف وتخطيط وإستراتيجية، وإذ كانت الجيوش والدول تخترق فلا يمكن تصور “القسام” أو أي مقاومة بدون عثرات من هذا النوع، إلا أن التاريخ يثبت أن “حماس” قدمت تجارب رائدة في عمليات أمنية معقدة تفوقت فيها على العدو الصهيوني الذي قل أن يتوافر لمثله هذا القدر من الدعم المالي والعسكري والسياسي عالمياً وإقليمياً.
ومن هذه العمليات ما نشر عنه نمر عامر في مقال له عام 2010م سرد فيه: من أهم هذه الضربات التي تمت في سنوات الانتفاضة الأولي اختراق المجاهد الشهيد القسامي ماهر أبو سرور للدوائر الأمنية الضيقة لجهاز “الشين بت”، واستدراجه للضابط حاييم نحماني، مسؤول مدينة القدس، وقتله والاستيلاء علي حقيبة ملفات أمنية حساسة، فضلاً عن سلاحه الشخصي، وكذلك عملية المجاهد الشهيد عبدالمنعم أبو حميد الذي قام باستدراج الضابط كوهين الملقب بأبي المجد، المسؤول عن مدينة بيت لحم، واثنين من معاونيه، والذين تم قتلهم بعد استدراجهم في عملية استخباراتية معقدة، قامت بها “كتائب القسام”.
وما أدل على قدرة “حماس” في اختراق الدوائر الأمنية الضيقة للاحتلال من العمليات الفدائية والاستشهادية التي ينفذها المجاهدون داخل فلسطين المحتلة عام 1948م، واقتحام المستوطنات المحصنة، فوصول المجاهدون لأهدافهم المنتقاة بعناية حسب أهميتها الأمنية والإستراتيجية يمثل قمة الاختراق للدائرة الأمنية الصهيونية، ويظهر عجز الأجهزة الأمنية التي بنت شهرتها على أنها الأفضل والأقوى في جميع أنحاء العالم.