ماثيو فان روهر
روسيا تشعر بالقوة فقط عندما يكون الغرب ضعيفاً، ولذلك فإن دول أوروبا والولايات المتحدة مطالبة بالرد على السياسات العدائية لبوتين وتدخله في سورية، وعليها وضع إستراتيجية واضحة لمواجهته.
ما لذي تريده روسيا؟ إنها تسعى لتوسيع نطاق هيمنتها في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، وتريد أن تستعيد مرة أخرى توازنها لتكون قوة موازية للولايات المتحدة على الصعيد الدولي، وقد أظهرت التطورات السياسية الأخيرة أن الرئيس فلاديمير بوتين مستعد للقيام بأي شيء من أجل تحقيق هذا الحلم، حتى إن روسيا لا تشعر بالخجل من الغارات الجوية التي تنفذها ضد المدنيين في المناطق السكنية في سورية، والقصف الذي تقوم به ضد المستشفيات، كما أنها تقوم في نفس الوقت بإجبار السكان السُّنة على الهروب من القصف، وبذلك تنجح في زيادة تدفق اللاجئين وتعميق هذه الأزمة التي تواجهها تركيا وأوروبا.
وبعد كل هذه السياسات العدائية بات واضحاً أن أوروبا لا يمكن أن تكون شريكاً لروسيا في أي ملف، ولا حتى في الحرب على “تنظيم الدولة”، بل على العكس من ذلك فإن موسكو أصبحت سبباً في الدمار والفوضى في الساحة الدولية.
شعرت القيادة الروسية بغضب شديد من تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2014م، عندما قال: “إن روسيا لم تعد أكثر من قوة إقليمية”، ومنذ ذلك الحين عمل فلاديمير بوتين بكل عناد من أجل إثبات العكس، وعندما تكلم رئيس الوزراء ديميتري ميدفيديف عن حرب باردة جديدة في الأسبوع الماضي في قمة الأمن في ميونخ، كان يعبر عن نقطة غاية في الخطورة، وهي أن روسيا تريد هذه الحرب الباردة، لأنها تعني لها بكل بساطة وجود دولتين متساويتين في القوة.
لذلك فإنه من المؤكد أن إدلاء ميدفيديف بهذه التصريحات لم يكن من قبيل الصدفة، خاصة في سياق دولي تزايدت فيه الخشية من دخول الغرب في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، فمع اختياره لهذه الكلمات، يواصل رئيس الوزراء البحث عن تحقيق نفس الأهداف التي تريد القوات الروسية تحقيقها من خلال تحليقها بالقرب من طائرات الاستطلاع “تورنيدو” الألمانية، والعمليات التي تقوم بها قرب أجواء دول أعضاء في “حلف الناتو”، مثل تركيا، هذه إشارات تهدف إلى إخافة الغرب وتهديده، في حال فكر في الوقوف ضد مساعي روسيا للهيمنة على الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية.
روسيا تعاني من الضعف الاقتصادي
ولكن روسيا اليوم لم تعد الاتحاد السوفييتي، هذا البلد ربما يكون قد نجح في تعزيز قدراته العسكرية في السنوات الأخيرة، ولكنه لا يزال يعاني من الضعف الاقتصادي، حيث إن العقوبات الغربية وانخفاض أسعار النفط عمقا تدهور الموازنات الاقتصادية في روسيا، ولذلك فإن القلق الغربي من روسيا؛ سببه الوحيد هو تهور القيادة الروسية في مقابل ضعف الغرب وفشلهم في تبني إستراتيجية حازمة.
وفي النهاية؛ فإن روسيا تشعر بأنها قوية مادام الغرب يتصرف بضعف؛ وبالتالي يجب على الولايات المتحدة وأوروبا أن ترد بقوة على السياسات العدائية التي ينفذها فلاديمير بوتين؛ لأن هذه الدول في الوقت الحالي لا تمتلك أي إستراتيجية واضحة، وباتت عاجزة حتى على الاتفاق على أهداف مشتركة.
وأوضح مثال على هذا الضعف والاختلاف هو سورية، حيث إنه قبل سنتين امتنعت الولايات المتحدة عن فرض منطقة حظر طيران في شمال البلاد، وتقاعست عن تقديم الدعم لفصائل المعارضة المعتدلة، التي كانت تقاتل في نفس الوقت ضد قوات النظام السوري وضد مسلحي “تنظيم الدولة”، ولو فعلت هذا في ذلك الوقت لكانت خطواتها أكثر فعالية وحسماً، ولجنبت سورية الفوضى وتعقيدات التدخل الأجنبي الذي تتعرض له الآن.
أما روسيا في الجانب الآخر؛ فقد كانت تسعى وراء هدف واضح، وهو حماية نظام الدكتاتور بشار الأسد وإبقاؤه في السلطة، رغم أنه تورط في مجازر ضد شعبه، وقد نجحت موسكو في التركيز على تحقيق هذا الهدف ولم تهتم كثيراً بالجوانب الأخلاقية أو الإنسانية.
الغرب من جانبه أصبح الآن في حالة تردد وحيرة، ولم تعد لديه أوراق قوية ليلعبها في هذه المعركة من أجل الضغط على بوتين، ولذلك سوف يحاول اتخاذ موقف ضعيف، وهو الرضا بالأمر الواقع وقبول أن سورية سوف تكون دولة فاشلة ومنهارة ومقسمة بقيادة الدكتاتور بشار الأسد.
أمام هذه التهديدات الصادرة عن الكرملين، والهزيمة الإستراتيجية التي مني بها الغرب أمام فلاديمير بوتين، وتزايد المخاوف من اندلاع مواجهة مسلحة بين المعسكرين، ظهرت أصوات في الدول الغربية تنادي بالبحث عن تسوية مع روسيا وإصلاح العلاقات معها مهما كلف الأمر.
حتى إن بعض السياسيين الألمان أعلنوا أنهم يرغبون في رفع العقوبات عن موسكو دون الحصول على أي مكاسب في المقابل، وآخر زيارة قام بها السياسي الألماني هورست سيهوفر من بافاريا، وهو من أكبر المعارضين لسياسة ميركل في استقبال اللاجئين، خلقت انطباعاً خاطئاً بأن كل هذه الخلافات يمكن حلها فقط عبر الجلوس والتحاور مع روسيا والحد من النقد الموجه لها، متجاهلاً حقيقة أن غياب التواصل بين الطرفين ليس هو المشكل، وخلال هذه الزيارة التي حاول خلالها التملق لبوتين، سمح سيهوفر لنفسه بأن يكون دمية تحركها آلة الدعاية الروسية مثلما تشاء.
ولكن الدروس المستفادة من الأزمة السورية والأوكرانية تخبرنا بالعكس، حيث إن كل المحاولات الساعية لإقناع روسيا عبر التقرب والمجاملات والحوار فشلت، والطريقة الوحيدة التي ستؤثر على بوتين وتجبره على إظهار قدر أكبر من التعاون والانضباط هي الضغط الحقيقي الذي يمكن أن يمارسه الغرب عليه.
ففي أوكرانيا مثلاً لم يتوقع بوتين أن تسلط عليه عقوبات قاسية من الغرب، ولكن عبر هذه الإجراءات العقابية فقط تم منع تواصل الاعتداء الروسي على الأراضي الأوكرانية، هذا الوضوح في الرؤية والسياسة كان غائباً في الملف السوري، حيث إنه على العكس تماماً، بعض السياسيين الغربيين وللأسف الشديد وصل بهم الأمر إلى حد الترحيب بتدخل بوتين في الأراضي السورية.
هذا الدرس مهم جداً، حيث إن الغرب على ما يبدو قلل من شأن روسيا، ولهذا فإنه في المستقبل سوف يواجه المزيد من مغامراتها المتهورة وتعنتها في الساحة الدولية، سواء كان ذلك في أوروبا الشرقية أو في خضم الأزمة الحادة التي تعيشها مع تركيا، في وقت يحتاج فيه بوتين لهذه المغامرات الخطيرة من أجل المحافظة على شعبيته، رغم أن شعبه يعاني في الحقيقة من تدهور الظروف الاجتماعية وتزايد نسبة الفقر.
وإذا كان الغرب يريد أن يتجنب الفشل والهزيمة أمام بوتين في الصراعات المستقبلية في العالم، فيجب عليه ألا يقبل بالتهديد وألا يركض وراء وهم السلام والتفاهم المخادع وسياسات حسن النوايا، بل يجب على الغرب أن يواجه السياسات العدائية الروسية بالوحدة والقوة.
الرابط:
http://www.spiegel.de/international/world/why-the-west-must-stand-up-against-russian-aggression-a-1078662.html