إن السيارة التي تسير بسرعة مفرطة في حي سكني يعج بالأطفال والشيوخ، تعرض الناس للتلف حيث لا ينفع فيما بعد ما يصدره صاحبها من الاعتذار والأسف، وكلما اتضحت معالم هذا الطريق لدى السائق المتيقظ وامتلك الرخصة تمكن من تجاوز الحوادث الخطيرة.
ما أشبه الحياة التي نعيشها بالسيارة في انتقالها بنا من مكان إلى مكان، إذ طبعها الحركة والنشاط، وفي فصولها أفراح وأتراح وداوم الحال من المحال، وقد تمر بالإنسان ظروف ينكر الواحد منا نفسه! لما طرأ عليه من التبديل، لكنه الزمان له بصمته على الفرد وأثره على نسيج المجتمع، فليست الطفولة كالشباب ولا الكهولة كالشيخوخة، فلكل طور خصوصيته ومشكلاته، والأساس هنا هو الانتقال والتحول، فلنعش حياتنا ولنتمتع بكل لحظاتها ولنتكيف مع ثوابتها ومتغيراتها ولنعط كل مرحلة حقها ومستحقها ما قدر الله –سبحانه وتعالى – أن نعيش على ظهر هذه البسيطة.
وليكن شعارنا دائماً “طفولة بريئة مرحة، شباب طموح وحيوي، كهولة ناضجة ومؤثرة، شيخوخة حكيمة ومثمرة”.
أصل مشكلاتنا في جميع مناحي الحياة تنبع من التسرع والعجلة، فالتأني من الله والعجلة من الشيطان وقد امتدح رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أشج بن عبدالقيس بقوله: “إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة”، ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة، فلو أن زيداً تريث ما طلق زوجته، ولو أن عمراً لم يستعجل – وخلق الإنسان عجولاً – لكان لم يسب زميله في العمل، وإن كان التريث والتؤدة طبعاً لكن مجاهدة النفس ورياضتها تعلمنا أن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتصبر يصبره الله، وقد قال الأحنف بن قيس: “لست بحليم لكنني أتحلم”.
من هو السائق من دون رخصة؟
سائق من دون رخصة هو إنسان بلا معرفة، فالفاضل والمفضول عنده سواء لأنه يجهلهما، لا فرق عنده بين الأحكام التكليفية والوضعية! إنه ليست له دراية بالفكر ولا وسائله، ولا يملك التميز بين العقل ومسائله، فأنى له أن يحقق مناه أو أن يصل إلى مبتغاه!
سائق من دون رخصة يمثل حياة عشوائية بلا أهداف مسطرة في خطة زمنية، فهل تستطيع أن تسافر إلى دولة بعيدة من دون تحديد وجهتك بالضبط!
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
سائق من دون رخصة آدمي لا يملك المهارات التي تؤهله لهندسة الحياة وصناعة الـتأثير، ليس عنده مهارات لحل المشكلات وفهم أبعاد الأزمات فهو يقضي الأعوام لينجز ما أتمه غيره في أيام، فيا للخيبة والخسار وضيعة الأعمار!
سائق من دون رخصة إما يعاني الخمول وقلة الحركة أو التهور وضعف الحكمة فهو يحتاج إلى نشاط.
أيها الإنسان، لا تكن كهمج رعاع، سقطوا في القاع! فأثقلتهم الأسقام والأوجاع!
أناديك بكل لغة فأقول: كن سائقاً لحياتك غير مسوق، كن قائداً رائداً لا تابعاً أسيراً، ولا تنس حروف كلمة السر “مأمن”، فهي توصلك إلى بر الأمان وتزيل عنك الغربة والأحزان فتحيا بسكينة واطمئنان!
فالميم تعني المعرفة فهي تبسط لك خارطة الطريق حتى لكأنك تراها رأي عين.
الألف هي أهدافك التي تشكل دوافع بقائك ومصدر رجائك، وليكن نشاطك بالتخطيط الإستراتيجي، وعمل الفريق حتى تستخرج الدرر والجواهر من بحرك العميق!
الميم الثانية هي المهارة بها تعبر البلاد بقليل النصب والإجهاد، والنون هي النشاط فالحركة ولود والسكون عقيم.
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
* أستاذ بجامعة الشهيد حمه لخضر الوادي بالجزائر.