كثير هو ما يقال في يوم المرأة من كل عام، لدرجة تحوّله إلى مقولات نمطية مكرورة يُعاد إنتاجها كل مرة، متمحورةً حول مفردات العدالة والمساواة والتمكين، وغير ذلك من مصطلحات تحوّلت مع الوقت إلى مجرد (كليشيهات) لابد من حضورها في كل تنظير يتعلّق بالمرأة وحقوقها.
وقد بتنا نجد أن من يريد إثبات احترامه لحقوق المرأة يتخذ قضايا المشاركة السياسية ووصولها إلى مراكز صنع القرار مدخلًا لذلك، مع إضافة بهارات متعلقة بلزوم رفع درجة تمثيلها في المؤسسات الرسمية المختلفة، فهل هذا ما تحتاج إليه المرأة حقًّا؟، وعلى النطاق الفلسطيني هل لدينا نظام سياسي مستقر أو حياة مدنية سليمة لكي نبذل وقتًا في هذه المطالبات التي ستذروها الرياح بمجرد انتهاء الحديث عنها، نظرًا إلى الظروف الخاصة التي يعاني منها المجتمع بأسره الرجال والنساء على حد سواء وهو تحت الاحتلال؟
إن فهم حاجات المرأة الأساسية سينطلق قبل كل شيء من فهم وجوه معاناتها الجوهرية، وهي تكاد تنحصر في جانبين: الأول ما يفرزه وجود الاحتلال من معاناة عامة وخاصة، لأن هذه المعاناة حين تطال الرجل يكون انعكاسها على المرأة في محيطه واضحًا ومباشرًا، كأن يطاله الأسر أو الشهادة أو الإعاقة، وهو ما يعني ضرورة الالتفات إلى تبعات هذه القضية ومدى تأثيرها على المرأة، أما الجانب الآخر لمعاناتها فهو الإفرازات الاجتماعية للعادات والتقاليد الجائرة، وهيمنتها على وضع المرأة وانتقاصها من حريتها، وكرامتها أحيانًا، حين يمنح بموجبها الرجل وصاية مطلقة على كل متعلقات المرأة وقراراتها وحريتها في اختيار ما يناسبها، وحين تظل في عرف المجتمع كائنًا منقوص الأهلية، وملحقًا برغبات الرجل، ومفروضًا عليها أن تتحمل ما تعانيه في ظلّه، وأن تكون مجرّد آلة لإرضائه على جميع المستويات، وإن لم يبذل لها ما يقابل صنيعها.
وهنا، وبعيدًا عن ذمّ تلك الأعراف التي نازعت الشريعة الإسلامية مكانها ومكانتها، وأسقطت ما أقره الإسلام من حقوق أساسية للمرأة أو تصورات لوضعها، حين قرّر أنها كيان كامل الأهلية، إن هناك قضية مهمة ينبغي الالتفات إليها، إذا ما كانت هناك رغبة حقيقية بتغيير واقع المرأة في المجتمعات العربية، وإنصافها كما يجب، وهي ضرورة أن يتحول الأمر إلى ثقافة مجتمعية لا مجرّد شعارات تردد في المواعظ واللقاءات الإعلامية ثم تُحيّد عند الممارسة.
ولاشك أن بداية الطريق تبدأ من عند المرأة نفسها، وخصوصًا الأم داخل الأسرة، لأن الأم التي تربي أبناءها على واقع التفرقة بين الذكر والأنثى منذ لحظة الولادة سينشأ في ظلّها رجال يحملون مفاهيم مشوّهة عن المرأة، ونساء تلاحقهن دائمًا عقدة النقص والدونية والضعف، والأم التي تصرف جلّ اهتمامها على أبنائها الذكور وتجعل شقيقاتهم خادمات لهم، وتعطيهم وصايةً مطلقةً عليهن؛ ستساهم عمليًّا في إبقاء حال المرأة متراجعًا وحقوقها مغيّبة واحترامها ناقصًا، وعلى العكس من ذلك نتاج المرأة التي تحسن تنشئة أبنائها وبناتها، وتمنحهم فرصًا متساوية للتميز والحضور والإبداع، وتعزز فيهم مفاهيم سويّة عن علاقة الرجل بالمرأة، وحقوق وواجبات الجانبين.
ووعي المرأة مركزية دورها في الإحسان إلى ذاتها وإنصافها سيختصر الكثير من مراحل تحسين أوضاعها ورفع الظلم الاجتماعي الواقع عليها، لأنها هي المربي الأول والغارس الأول للمفاهيم والتصورات في عقول الناشئة، فلا يُنتظر منها ممارسة الازدواجية فيما يتعلق بقضيتها.
ومع ذلك إن قضية المرأة ليست بجعلها حزبًا أو طائفةً أو أقليةً مضطهدة، وإن كانت هناك جوانب من الظلم الاجتماعي البيّن الواقعة عليها؛ فهذه تنتهي حين تُبصر المرأة مكامن قوّتها وحقيقة حقوقها، وحين يتخلى الرجل التقليدي عن عبادته لموروثات الغطرسة التي تبيح له امتهان إرادة المرأة في محيطه أو تكييفها على مقاسه وهواه.
لا تحتاج المرأة إلى أكثر من أن تُمكّن من الوقوف في مكانها الصحيح والملائم طاقتَها وحدود إبداعها، دون أن توصدَ في وجهها الأبواب، ومثلما عليها أن تناضلَ على هذه الجبهة ينبغي لها في المقابل أن ترفضَ إقحامها في مواقع وأماكن لا تُضيف لها ولقضيتها أو رسالتها شيئًا، بل تُدفع إليها أحيانًا دون امتلاكها خبرة أو كفاءة، لمجرد رغبة بعض مهووسي مجاراة الحداثة بتزيين مشهدهم بـ(ديكور) اسمه “المرأة“.
موقع “بصائر تربوية”