أكد د. علي بن حمزة العمري، رئيس «منظمة فور شباب العالمية»، ورئيس جامعة مكة المكرمة المفتوحة؛ أن الإعلام هو الذي يشـكِّل حياتنا داخل البيت وخارجه، وهو أحد المحركات في الأسرة سواء إلى الأمام أو إلى الخلف.
ويرى العمري في حواره مع «المجتمع» ضرورة الإنفاق على الإعلام الهادف من أموال الزكاة؛ بحيث تدخل في سهم «في سبيل الله»، مؤكداً أن هناك قنوات استطاعت أن تخترق عالم «الميديا»، وأن تجذب مجموعة من كبار المعلنين، من خلال بدائل إيجابية وأفكار إبداعية، مؤكداً في هذا السياق أن إنفاق أموال كبيرة على برنامج قوي في قناة لها جمهور أفضل من إنفاقه على قنوات ضعيفة.
وأشار العمري إلى أن التلفزيون ما زال له صداه في البيوت؛ ولذا يجب أن تكون الصبغة في العرض الإعلامي متواكبة مع طلب الجمهور، بعيدة عن أسلوب المنابر والخطب، مثنياً على دور مجلة «المجتمع» في توجيهه في اختيار بعض الموضوعات، باعتبارها أحد الأعمدة الفكرية والتربوية والسياسية، التي ساعدت في نضجه الفكري.
هل تلاحظون قصوراً فيما يتعلق بالجانب الإعلامي الإسلامي في الآونة الأخيرة في ظل التطورات العالمية المتعلقة بهذا الجانب؟
– في البداية، أنا ممنون جداً بهذا اللقاء، لأن مجلة «المجتمع» هي أحد الأعمدة الفكرية، والتربوية، والسياسية، التي ساعدت في نضجي الفكري على مدى عقود من الزمان، وما زلت وإلى وقتنا هذا أحرص على اقتنائها بالرغم من تحويلها من عدد أسبوعي إلى شهري، فأنا دائماً حريص على شرائها، وأسأل الله تعالى أن يجزي خيراً من ساعد في تأسيسها وعمل على نشرها وتوزيعها.
أما ما يتعلق بالجانب الإعلامي السياسي، فأنا أعتبره ركناً أساسياً من أركان الوجود في الحياة، وهو ركن من أركان الحياة المعاصرة؛ لأن الإعلام السياسي يؤثر على حياة الناس، والتطورات السياسية التي تحدث وتتطور باستمرار مرتبطة بالإعلام، كما أن الأفكار والعقائد ترتبط بالإعلام أيضاً، وكذلك الجوانب الترفيهية وعوامل التسلية والترويح عن الناس يرتبط بالإعلام.
إذن عندما نخوض في الجانب الإعلامي، فإننا نتحدث عن وسيلة من الوسائل الأساسية المؤثرة، ونستطيع القول: إن وسائل الإعلام تؤدي دوراً كبيراً في البداية والنهاية في كثير من التغيرات.
وهناك دراسات حديثة تتحدث عن تقدم وسائل الإعلام بشتى أنواعها على المدرسة، وعلى البيت.
ولو تساءلنا: لماذا يتقدم الإعلام على المدرسة وعلى البيت، لكان الجواب: لأن الإعلام يصف ما يحدث داخل البيت، وما يحدث داخل المدرسة، وداخل الشارع، والإعلام هو الذي يشكّل حياتنا داخل البيت، ويشكّلها في الشارع.
ونحن لا ننكر دور الأسرة، وهذا الدور سيبقى أساسياً وجوهرياً، ويبقى الإعلام أحد المحركات سواء كان هذا التحرك إلى الأمام أو إلى الخلف.
هل إقناع المشاهد بواسطة الإعلام الإسلامي والبرامج الإسلامية يحتاج إلى دراسات من أجل نجاحه في ذلك؟
– لكي نكون منصفين في هذا الأمر، فإن الإعلام الهادف الذي لا يتعدى حدود الشرع فيه جوانب إيجابية، ووصل إلى الملايين من المشاهدين، وهناك برامج ارتقت وارتفعت، وهناك مسلسلات متطورة وناجحة وهادفة، ولكن هذا ليس على مستوى الكتلة للإعلام الهادف، ويرجع السبب إلى التوجه من ناحية المعلنين، ومن ناحية الفتوى الشرعية لدعم الأعمال الإعلامية على مستوى الزكاة، بحيث يكون في باب «وفي سبيل الله»، هذا الأمر انتقل، وبدأ يهتم به مجموعة من أهل العلم والفكر، لتحريك المال في هذا السبيل؛ لأن الإعلام الهادف مصرف من مصارف الزكاة «وفي سبيل الله».
وهناك نماذج إيجابية حققت نتائج عالية وأقنعت الجمهور بأن هناك بديلاً هادفاً، ولكن لم نحصل البرامج التي نطلق عليها «برامج الكتلة»؛ فلم نستطع أن نقول: إن هناك قناة للمسلسلات أو الأفلام الهادفة.
ونحن في «فور شباب» كنا نخطط لسنتين من أجل تأسيس قناة تسمى «فور شباب دراما»، ولكن للأسف هذا الأمر لم يكتمل بعد، نظراً للحاجة إلى نضج أكبر، وإلى أموال كبيرة، أضعاف أضعاف ما صرفناه على «فور شباب».
هل هناك مشكلة تواجه التسويق للإعلام الهادف؟
– من باب الإنصاف، توجد قنوات استطاعت أن تخترق عالم «الميديا» وعالم الإعلام، واستطاعت أن تجذب مجموعة من كبار المعلنين لها، ولكنها تفننت وأتت ببدائل إيجابية وبأفكار إبداعية.
وهذا ملاحظ، وميزانياتها الإعلانية عالية جداً، وتوجد أكثر من 95 – 97% من القنوات الهادفة لم تحقق المستوى المأمول في المضمون، فضلاً عن أن تجذب دعايات أو رعايات، فعندنا تجارب نجحت وتقدمت وتطورت، حتى إن القنوات الكبرى غير الهادفة أصبحت تتساءل: كيف وصلتم إلى هذا المستوى؟
وإذا انتقلنا من عالم الإعلام الفضائي إلى عالم الإعلام الموازي (التواصل الاجتماعي)، فسنجد بالعشرات من يقدمون أنشطة هادفة ومفيدة، ويكسبون الإعلانات بالدرجة الأولى في عالم التواصل الاجتماعي، أكثر مما عليه وسائل الإعلام غير الهادفة؛ لأن الجمهور أصبح على مستوى عالٍ من الوعي والقدرة على الفرز والتفرقة بين ما هو لصالحه وما هو ضده.
وأستطيع القول: إن مجموعة من أصحاب الإعلانات أصبحوا يدركون أيضاً أن دعمهم للأشياء غير الهادفة سيؤثر على أجيالهم وعلى الأجيال من بعدهم، فأصبحوا يخشون من هذه القضية، وهذه من المبشرات الموجودة.
هل يوجد نوع من الشراكة بين القنوات الهادفة لإنتاج عمل درامي ضخم؟
– هذا السؤال هادف ومنهجي، فعلى مستوى الشكل، قبل بضع سنين تم إنشاء رابطة أُطلق عليها «رابطة الإعلام الهادف»؛ بهدف تنسيق الجهود فيما بينها، وأنشأت بنكاً لتبادل البرامج، وأقامت دورات تطويرية في كبرى المؤسسات الإعلامية، على مستوى التقديم وعلى مستوى الإنتاج، وعلى مستوى التسويق، وعلى مستوى نقل الخبرات في البرامج، ولكنها رغم ذلك لم تصل إلى ما نطمح إليه.
وقد طالبت في رابطة الإعلام الهادف الذي أقيم في قطر، برعاية مؤسسة «راف» الخيرية بأن تتحد جهود كل القنوات بعمل برنامج درامي (فيلم) يكون على مدار 30 حلقة من أجل أن يؤثر في المجتمع، وعمل مسابقة جماهيرية ضخمة تتحد فيها كل القنوات الهادفة في تمويلها، بحيث تكون ضربة الموسم، وهذه هي طريقة تفكير وعمل القنوات غير الهادفة اليوم، التي تتحالف على تدمير الأخلاق، برغم اختلافها في التوجهات، ورغم المنافسة بينها، ومع ذلك أصبحوا يتَّحدون في البرامج الكبرى لأنها مهلكة مالياً، ونحن من باب أولى علينا أن نقدم برامج أفضل، والجمهور بفضل الله يسمع لنا ويحضر لنا، والجمهور يحبنا، ولكن جاء دورنا اليوم لنقدم هذه الأفكار على المستوى الذي يطلبه الجمهور.
الشباب يريد أن يرفِّه عن نفسه، بواسطة برامج خاصة على القنوات الهادفة كبديل عن برامج القنوات غير الهادفة، وأحد وزراء الإعلام في دول مجلس التعاون، تساءل بالقول: أعطوني البديل الإعلامي لديكم، وأجاب عن نفسه، بأنه لا يوجد البديل.. فما رأيكم؟
– التلفزيون أحد عوامل الترفيه، والتلفزيون لم يتم إنشاؤه لكي يكون منبراً للجمعة، ولا لإقامة الندوات، بل أنشئ للترفيه، وقوة التلفزيون هي اللغة المتحركة، وتوجد دراسات حديثة فحواها: هل سيفقد التلفزيون دوره أم لا؟ هل سينتهي ويتجه إلى عالم التواصل الاجتماعي؟ هذه المسألة تتم مناقشتها في الأوساط الإعلامية، وتم إعداد دراسات وأبحاث عنها.
فما زال للتلفزيون صداه؛ لأن الأسرة ما زالت موجودة، وعوائل كثيرة تجلس في البيوت، ويظل لشهر رمضان نكهته، حينما تتجمع حول التلفزيون، لذلك 70% من الميزانيات يتم إنفاقها في شهر رمضان.
والسؤال المهم هنا هو: كيف نقدم برامجنا الهادفة والتوعوية والتثقيفية؟ فيجب أن تكون الصبغة في العرض الإعلامي متواكبة مع طلب الجمهور، حتى إن كانت فيها مجموعة من المحاضرات والندوات، فلا إشكال في ذلك، ونحن لسنا أمام موعظة منبر جمعة، تستمر ربع ساعة أو أكثر، وتحضرها الملائكة، وينصت الناس حتى يزيد الإيمان.
نحن نتحدث عن كيان حياة، فيها الحركة، وفيها المشهد، وفيها الكلمة، وفيها لغة الصمت؛ فأنت تلعب لغة عيون وليست لعبة آذان.
وهذا الآن فهمه كثير من الشباب العربي والإسلامي، وأصبح البعض منهم يدرس دراسات خارجية في أمريكا وهوليود، من أجل التطوير.
نحن نسير في خطوات صحيحة، وقدمنا نماذج إيجابية، وهذه تحسب لنا والحمد لله، وما زال الطريق أمامنا طويلاً جداً حتى نصل إلى ما وصل إليه الآخرون.
بخصوص القنوات غير الهادفة، يدفعون المليارات على البرامج في شهر رمضان، فماذا قدمتم من برامج في قنواتكم الهادفة كبديل عن هذه القنوات؟
– نحن لسنا قنوات حكومية، ولسنا قنوات لنا تحالفات حكومية، بأطرها وسياساتها، نحن أشبه بمؤسسات شبابية، وبعضها عبارة عن اجتهادات، وأنا شخصياً لا أوافق على الاجتهادات التي تخلو من المضمون الهادف، أو يكون عرضها بطريقة غير فنية ومميزة في العرض، حتى لو كانت أهدافها نبيلة؛ لأن ذلك سوف يؤدي إلى ابتعاد الجمهور عنا، وهذا يعتبر صرف أموال في غير محلها.
وعلى سبيل المثال، يتم إنفاق أموال طائلة على برنامج مُشاهد في قناة لها جمهورها أفضل ألف مرة من بذل الجهود وبذل النفقات على قنوات ضعيفة جداً.
هناك بعض الخطوات وبعض المؤسسات الشبابية التي أصبحت تنتج البرامج بنفسها، فهذه الخطوة ممتازة، علينا أن ننتج برنامجاً ونعطيه للقنوات كبديل عن إنشاء القنوات؛ لأننا لا نستطيع، وبفضل الله تعالى أصبحنا ننجح ونؤثر من خلال إنتاج برامج وليس بشرط إنشاء قنوات لتعرض البرامج.
هل نجح التيار الإسلامي في القنوات الفضائية؟
– التيار الإسلامي كان يعاني من إشكاليتين خاصتين بالفتوى؛ الإشكالية الأولى خاصة بالفتوى في بعض البرامج والآراء التي فيها أحكام مسبقة؛ فيجب أن يراجع المشايخ والعلماء الفتوى في بعض المسائل الفرعية لكي يواكبوا العصر.
والإشكالية الثانية خاصة بالفتوى في الجانب المالي؛ وهي حكم إنفاق زكاة المال على برامج حقيقية تكون في سبيل الله تغير من حياة الناس.
وماذا عن مخاطبة الطفل المسلم؟
– الطفل موجود في «فور شباب» ضمن قناة «كناري»، حيث يحقق فيه بعض الجوانب وتوجد قنوات جيدة، بعضها حكومي مثل قناة «براعم» التابعة لقناة «الجزيرة»، وبعضها خاص، وبتناغمها مع بعضها بعضاً تؤدي دوراً إيجابياً يجب ألا نقلل من شأنه، ولكنه في حاجة أكبر في مستوى الأفلام الكرتونية وإنشائها، وهذه تحتاج إلى تكلفة أكبر.
ولقد قدمنا نموذجاً وهو «مسلسل أحمد ياسين»، وقد كلفنا مليون دولار، وهو يتكون من 30 حلقة، وكل حلقة 10 دقائق، فما بالنا لو أنشأنا قناة يكون بثها 24 ساعة، سيكون فيها 4 ساعات تقريباً أفلام كارتون؟
هل توافقون على الشراكة الحكومية فيما يخص إنشاء القنوات الفضائية؟
– نحن مع الشراكة الحكومية، ومع القناة الخاصة في الوقت نفسه، فالقناة الخاصة لها استقلاليتها ولها تأثيرها الأكبر، وهذا بناء على إحصاء رسمي، فالقنوات الخاصة متفوقة بعشرات المرات على القنوات الحكومية.
كلمة لمجلة «المجتمع»؟
– مجلة «المجتمع» كانت أحد الموجهات وما زالت في نوعية اختيار الموضوعات، ولذلك أقول في نفسي أحياناً، حين أتصفح بعض أعداد المجلة: كيف وُفّقوا لإعداد هذا الكم من المقالات التي تنطق بإحصاءات ودراسات، وبأبحاث مختصرة، ولكنها تلخص لنا تحليلاً لما يجري في الواقع.
فلتستمر مجلة «المجتمع» على هذا التحليل الخاص، الذي به تتفرد عن غيرها من وسائل الإعلام المختلفة، كما أنني أريد منها أن تتطور – كما قامت بتطويرنا – في الجانب التربوي من أجل أن تقوم بتكثيف العطاءات مع أهل الخير والفضل.