أشاد الكاتب “مالكوم داش” في مقال نُشر بصحيفة “جيروزاليم بوست” اﻹسرائيلية بإعلان مصر مؤخراً التوصل لاتفاق مبدئي مع إثيوبيا على تقاسم مياه النيل عن طريق التفاوض، وهو ما فسّره البعض “بتخلّي القاهرة عن حقوقها التاريخية في نهر النيل” بحسب مصر العربية.
وفيما يلي نص المقال:
عندما قال الرئيس المصري محمد مرسي في يونيو 2013: إن “كل الخيارات” بما في ذلك التدخل العسكري مطروحة، إذا واصلت إثيوبيا بناء السدود على نهر النيل، رفض الكثيرون هذه التصريحات، لكن خبراء يدعون القاهرة للقتال دفاعاً عن حقوقها التاريخية في مياه النيل، وإذا واصلت إثيوبيا بناء ما سوف يصبح أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، فإن الحل العسكري، خيار لا يجب إغفاله.
مصر تخشى من أن السد الجديد – المقرر أن يبدأ العمل عام 2017- سوف يقلل من تدفق نهر النيل، الذي يعتمد عليه أكثر من 90 مليون مصري في جميع احتياجاتهم المائية.
مسؤولون في وزارة الري يقولون: إن مصر سوف تفقد من 20 لـ 30٪ من حصتها من مياه النيل، ونحو ثلث الطاقة الكهربائية المولّدة من السد العالي، في حال عمل سد النهضة.
وقال ريتشارد توتويلر، الخبير في إدارة الموارد المائية في الجامعة الأميركية في القاهرة: “أحد أسباب قلق القاهرة، هو أن لا أحد يعرف كيف سيؤثر السد على حصتها من المياه.. القاهرة تعتمد اعتماداً كلياً على النيل، وبدونه لا يوجد مصر”.
إثيوبيا – التي كانت خارج الاهتمام الدولي لعدة عقود، أصبحت فجأة محط اهتمام، فالبلاد – منبع 80٪ من مياه النيل – تعتزم فرض رؤيتها الخاصة للنهر، وتقسيم مختلف للمياه.
مصر بعد أن كانت القوة المهيمنة في المنطقة لمدة 200 سنة، لا تزال تعاني من الاضطرابات السياسية الأخيرة، من بنيها ضعف الاقتصاد، ومشاكل في التنمية، وغيرها، مما ترك الدولة النيلية عاجزة عن العمل.
وتعتمد مصر بالكامل على الدول الأخرى في الحصول على المياه، وكلها تقريبا تأتي من النيل – الذي ينبع من أربع مصادر تبعد عن مصر مئات الكيلومترات – وهي النيل الأزرق، والسوباط، وعطبرة، وكل روافده تقع في إثيوبيا، بجانب النيل الأبيض الذي ينبع من أوغندا.
وحتى الآن، حصة مصر من مياه النيل تحصل عليها بموجب اتفاقية عام 1959 مع السودان، والتي بموجبها تحصل على 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، والسودان 18.5 مليار، وهذا الاتفاق لا يلزم إثيوبيا أو دول المنبع الأخرى.
وفي عام 2010 حصلت إثيوبيا على معاهدة إعادة تنظيم مشاريع إدارة المياه والبناء على النيل، واتفاقية “عنتيني” التي وقعتها بوروندي، وكينيا، وأوغندا، ورواندا، وتنزانيا.
و”اتفاقية عنتيني” تحرم مصر من الحصول على حصتها من النيل، ومن حق الاعتراض على إقامة السدود على النيل.
هذا التحالف المكوّن من 6 دول من أصل 9 أعضاء في مبادرة حوض النيل، حركت الأمور في المنطقة.
مصر رفضت التوقيع دون تعهد من الموقّعين على عدم تغيير التقسيم الحالي للمياه، والاعتراف بـ”الحقوق التاريخية” لدول المصب، السودان، ومصر، التي وجدت نفسها ﻷول مرة في تاريخها دون أي حق في الاعتراض على مشروع سد النهضة.
نهضة إثيوبيا كقوة إقليمية تجري على قدم وساق، ونحن نشهد حالياً ظهور أديس أبابا كقوى قادرة على لعب دور جيوسياسي رئيسي في مناطق نفوذها (حوض النيل، وشرق أفريقيا).
مصر ناشدت الهيئات الدولية لإجبار إثيوبيا على وقف بناء السد حتى يمكنها تحديد تأثيره على دول المصب، وبينما يأمل مسؤولون في حل دبلوماسي لنزع فتيل الأزمة، تقول مصادر أمنية إن القيادة العسكرية المصرية مستعدة لاستخدام القوة لحماية حصتها في النهر.
طرح الرئيس السابق حسني مبارك خطط لهجوم جوي على أي سد يتم بناؤه في إثيوبيا يحرم مصر من حصتها على النيل، وأنشئت عام 2010 قاعدة جوية جنوب شرق السودان، لتكون نقطة انطلاق لمثل هذه العملية، بحسب رسائل إلكترونية حصلت عليها “ستراتفور” -منظمة استخباراتية – ونشرها ويكيليكس.
ومع ذلك، فقد انتقل صراع المياه المشتعل منذ فترة طويلة بين إثيوبيا ومصر، إلى خطوة أقرب للقرار، بعد إعلان وزراء خارجية البلدين أنهما توصلا إلى اتفاق مبدئي على تقاسم مياه النيل.
الاتفاق الذي لا يزال يحتاج لموافقة رؤساء مصر وإثيوبيا والسودان مجتمعين، يبدو خطوة هامة، كما يقول المراقبون، رغم أن تفاصيله لم تعلن.
وقال “موانجي كيميني” عضو بمعهد بروكينجز – الذي شارك في كتاب عن الحاجة لوجود نظام قانوني جديد بشأن تقاسم مياه النيل – : “هذا الاتفاق أمر مهم من وجهة نظري.. أي تطوير في تقاسم مياه النيل يعتمد على المفاوضات بين الأطراف، تطور إيجابي”.
الاتفاق المرتقب مهم، لأنه يمثل خطوة بعيداً عن إصرار مصر التاريخي على الحفاظ على اتفاقيات الحقبة الاستعمارية بشأن حقوقها في المياه.