ذات يوم اقترحت لطبيب من آراكان بورما يسكن في الإمارات؛ تكوين تكتّل لنخبة من الأطباء الآراكانيين والتنسيق مع جهات دولية لإرسال قافلة طبية لمعالجة المرضى المحتاجين في مخيمات اللاجئين الروهينجيين في بلاد المهجر.
أوقفني الطبيب الفاضل، بأنه لن يتحرّك إلا إن أصدرت وزارة الصحة في الإمارات أو الهلال الأحمر الإماراتي تصريحاً له بالتحرّك تجاه قضيته! المحادثة نفسها كررتها مع إعلاميّ قابلته في السودان، وسألته لمَ لا تنشر أخبار قضية بورما في الصحف السودانية مع أن السودان حكومة وشعباً متعاطفون جداً مع قضايا المسلمين؟ فأخبرني أنه لا يملك تصريحاً رسمياً لممارسة هذا النشاط الذي هو عبارة عن نقل الأخبار عبر الإيميلات!
هل كان أمير المؤمنين يحمل الدقيق على كتفه إلى الفقراء بخطاب غير خطاب الله: “وأطعموا البائس الفقير”؟! هل تحرّك الشهم عبدالرحمن السميط يرحمه الله لإغاثة ونشر رسالة الإسلام إلى أدغال أفريقيا، كان بخطاب رسميّ من أمير الكويت؟! بعضنا ينتظر موافقة خطّية من الملك مباشرة، لأجل أن يتحرك نحو مجتمعه، بشرط أن يكون الخطاب مضمّناً باسمه الثلاثي واسم أمه وإخوته وجيرانه، مشفوعاً برقم المعاملة وتاريخها، موقعاً من وزير الداخلية والخارجية وشؤون الوافدين والجوازات والمرور والشرطة والدفاع المدني! أوه.. نسيت.. العمدة كذلك لابد أن يرقّع في الخطاب!
حينما ورَد موسى عليه السلام ماء مدين، ووجد هناك أمة من الناس يسقون، ووجد من بينهم امرأتين تحتاجان للمساعدة، هل انتظر قراراً من صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (UNIFEM) حتى يبدأ بمساعدتهما؟ على الفور بدون تقاعس.. “فسقى لهما.. ثم تولّى إلى الظل”، أنهى مهمّته وانتهى دوره هنا، وسحَب نفسه بهدوء، ومباشرة تولّى إلى ظلّ شجرة يدعو ربه دون انتظار مقابل.
إن الذي ينتظر عشرين سنة مؤسسة مصرحة حتى يعمل تحتها لن يعمل، والمتوقف الذي ينتظر زوجته المصونة تسعة أشهر حتى تضع حملها، لن يعمل، والذي ينتظر الانتهاء من الدكتوراه ويبلغ سنّ الأربعين “سنّ اكتمال العقل” حتى يعمل، لن يعمل، إنني على يقين أن تقهقر أمتنا وشقاءها بمقدار ما يتناسل فيها من مثل هؤلاء.
إن الذي يترقب تذكرة جاهزة، وفندقاً فخماً، واستقبالاً حاراً، وطقساً معتدلاً، وفريق تصوير يغطي جولته؛ لن يعمل، الذي يعمَل سيعمل منذ نعومة أظفاره بما لديه من إمكانيات وقدرات مستعيناً بالأدوات التي تؤهله للعمل الميداني؛ غير مبالٍ بأراجيف المتربصين وأعداء النجاح، مستشعراً حاجة الآخرين له ودوره الفعلي في بناء الأمة الواحدة.
هذا الذي تعود على العطاء وسط الظروف الصعبة، ستجده دائماً مبادراً في كل الأحوال، شجاعاً في كل المواقف، مقداماً في كل الأزمات.
مَن لم يُقَد ويُدسّ في خيشومه رَهْجُ الخميس فلن يقود خميسا
إن الذي يرغبُ أن يكون راكضاً بلا ظلّ، محترفاً للشغف، محبّاً للعمل الخيريّ، باذلاً نفسه لخدمة الآخرين، يجب أن يصنع في نفسه أركان الطموح الثلاثة:
الانتصار على النفس أولاً، تذكّر بالبند العريض: كلما اتسعت دائرة الاهتمامات لديك، ضاقت دائرة التوافه، حاول أن تتذكر كذلك أن المهمات الصعبة متلهفة لك لتستلم زمامها أنت لا غيرك.
الركن الثاني: امتلاك روح المواجهة وعدم الخوف من الانتقادات، هنا حاول أن تتذكر أن كل مواجهة هي كالجرعة التي تتجرعها لتقوى، ولن تتملك هذه الروح إلا بهذه الجرعات.
الركن الثالث: لا تيأس ولا تتردد، حاول أن تتحدث بإيجابياتك فأنت رائع وعظيم لا تقع نظرتك البعيدة إلا على الأشياء الرائعة والعظيمة، لا تشك في خياراتك، بل اقطع شكك بخطْوك الخطوة الأولى وانطلق ومعك (ذاتك العظيمة وربّ عظيم يرعاك) ولكَ حياة طيبة في العاجل، وعطاءٌ غير مجذوذ في الآجل.