بعد مرور أربعة عقود من استقلال بنجلاديش عن باكستان، ونجاح مؤامرة الهند في تقسيم باكستان وإضعافها، وبعد سيطرة ابنة مطيع الرحمان على الحكم مند عام 2009م، وتمكنها من التحكم في قوات الجيش والمخابرات وقيادة القوى المدنية المختلفة، شرعت في عملية تطهير بنجلاديش من الجماعات التي وقفت إلى جانب باكستان عام 1972م، ورفضت انفصال بنجلاديش وتحولها إلى دولة، واعتبرت ذلك مجرد مخطط هندي لا غير.
وكانت أبرز الجماعات التي قادت حملة لمنع الانفصال بالطرق السياسية والعسكرية حزب الرابطة الإسلامي، والجماعة الإسلامية التي شكلت كتائب جهادية للدفاع عن وحدة باكستان من التمزق.
وبعد مرور 40 عاماً من الانفصال، وتحوله إلى مشروع دولة في بنجلاديش؛ شرعت حكومة حسينة واجد في تأسيس لجان قضائية للنظر فيما يسمى بجرائم الحرب، وأعطت أولوية لمن وقفوا مؤيدين تصفية جميع أفراد أسرتها بمن فيهم والدها وأشقاؤها وغيرهم، وقررت الانتقام لهم بعد أن باتت تبسط سيطرتها الكاملة على قوات الجيش والأمن ومفاصل الدولة اليوم.
ومنذ إعلانها عن تشكيل لجنة جرائم الحرب، ألقت القبض على أكثر من 3 آلاف شخص اتهمتهم بأنهم مارسوا أدواراً مباشرة وغير مباشرة في تصفية أسرتها وفي محاربة الانفصال.
وأغلب هؤلاء تقلدوا مناصب في الحكومة أيام الانفصال، وبعضهم قاد عمليات لمنع ذلك الانفصال، وتقلد مسؤوليات في الدولة، وبات في رأي الحكومة الحالية مشاركاً في الجريمة ومتورطاً فيها، وأغلب هؤلاء المعتقلين ينتمون إلى حزب الرابطة في السبعينيات والجماعة الإسلامية التي كان يقودها يومها مولانا أبو الأعلى مودودي.
وجرى إصدار أحكام مختلفة في حق المعتقلين بين الإعدام والمؤبد والسجن الطويل، وما زالت تلاحق في حق أشخاص آخرين وضعتهم في قائمة مجرمي الحرب كما تسمى في بنجلاديش اليوم.
لماذا استهداف الجماعة الإسلامية؟
ويأتي السؤال هنا: لماذا تحرص حكومة حسينة واجد اليوم على استهداف الجماعة الإسلامية وتطارد قادتها وأفرادها وتزج بهم في السجون؟
ومنذ سيطرة حسينة واجد على الحكم عام 2009م، ثم نجاحها في الفوز بانتخابات عام 2014م، وهي الانتخابات التي اعتبرت الأسوأ في تاريخ البلاد بعد أن قاطعتها أغلب المكونات السياسية، راحت تصعِّد مع الجماعة الإسلامية بالدرجة الأولى من خلال ما يلي:
– إعدام قادتها دون تردد:
وكانت حكومة واجد قد أعلنت عن تشكيلها لجنة جرائم الحرب بعد وصولها إلى الحكم عام 2009م، وقدمت قائمة من الشخصيات المطلوب القبض عليها ومحاكمتها، وبعد مضي سنوات تبين أن المكون السياسي الوحيد المستهدف في هذه الحملة كانت الجماعة الإسلامية التي جرى القبض على أغلب قادتها الذين ما زالوا على قيد الحياة بمن فيهم أمراؤها وقادتها المختلفون، وحتى لا تتهم الحكومة بأنها تستهدف مكوناً واحداً أخذت تلقي القبض على مسؤولين سابقين في حزب الرابطة قبل أن يحل في بنجلاديش ثم القبض على قيادات سياسية في حزب بنجلاديش الوطني التابع لخالدة ضياء على أساس أنه امتداد لحزب الرابطة السابق لا غير.
وجرى إعدام بعض قادة حزب الرابطة وزعمائه السابقين تحت دعوى قمعهم انتفاضة البنجاليين في السبعينيات من القرن الماضي، لكن حينما نتحدث بلغة الأرقام نجد أنه من بين 50 شخصاً جرى إعدامهم منذ الشروع في محاكمة المتهمين بجرائم الحرب، حسب رأي الحكومة، أن 30 شخصاً كانوا ينتمون إلى الجماعة الإسلامية، والبقية ينتمون إلى حزب بنجلاديش، وحزب الرابطة، وجماعات طلابية أخرى.
– إعلان حظرها في البلاد:
ولم تكتفِ السلطات البنجالية بقيادة واجد بإعدام قادة الجماعة الإسلامية، وإصدار أحكام قاسية بحق مئات من قادتها ونشطائها، بل قررت حظر الجماعة الإسلامية وإغلاق مكاتبها والاستيلاء على ممتلكاتها واعتبار أي شخص منتمٍ إليها متهماً يتم القبض عليه.
وبموجب قانون حظرها، باتت تطارد أفرادها والمشتبه في انتمائهم إليها ومداهمة بيوتهم وانتهاك أعراضهم وممتلكاتهم.
وسارعت حتى تقطع الطريق على الجماعة الإسلامية حتى لا تعود إلى العمل السياسي باسم آخر إلى اعتبار أن تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو عرقي أو مناطقي محظور في دستور بنجلاديش.
– تحويل البلاد إلى دولة علمانية:
وفي إطار محاربة الحكومة الحالية للجماعات الدينية، قررت تغيير اسم الدولة وحذف الإشارة إلى بنجلاديش الإسلامية كما هو معمول به في دستور البلاد.
وقررت إلغاء مادة الإسلام دين الدولة المشار إليه في المادة الأولى من دستور بنجلاديش، ونقلت الفصل إلى المحكمة العليا حيث جعلتها تحذف هذه المواد من الدستور، وإعلان بنجلاديش دولة علمانية تفصل بين الدين والسياسة، ولا تلزم نفسها على موافقة قوانينها الدين الإسلامي، أو أن يكون مصدراً للتشريع، أو أن توافق القوانين البنجالية الإسلام ولا تنافيه وفق فصل الدين عن السياسة.
إعدام أمير الجماعة وتداعياته على مستقبل بنجلاديش
ويبقى السؤال اليوم: إلى أين ستتجه بنجلاديش في حالة أعدمت أمير الجماعة الإسلامية الحالي والمعتقل منذ سنوات بنفس التهم السابقة؟
وكانت الحكومة قد أعلنت عن حكم الإعدام في حق أمير الجماعة الإسلامية مطيع الرحمان نظامي، وهو أميرها الحالي؛ بتهمة تهديد أمن الدولة والضلوع في عمليات إرهابية وغيرها من التهم.
وكانت المحكمة قد أعلنت عن إعدام أمير الجماعة في بداية عام 2016م، وطالبت أسرة الأمير باستئناف الحكم، وطعنت فيه، لكن الحكومة مصرة على أن يتم معاقبته بالإعدام بسبب قيادته جماعة محظورة، وبسبب ضلوعه في ارتكاب جرائم حرب تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وكانت الجماعة الإسلامية قد حذرت الحكومة من اللعب بالنار، واعتبرت إقدام الحكومة على إعدام مطيع الرحمان نظامي بمثابة الشرارة الكبرى، وبمثابة صب الزيت في النار قائلة: إن أنصار الجماعة سيخرجون على بكرة أبيهم للاحتجاج ومواجهة الحكومة.
وفي عملية استباقية، شرعت حكومة واجد منذ شهر فبراير 2016م تاريخ إعلان الحكم النهائي في حق مطيع الرحمان نظامي في سلسلة من الاعتقالات والمداهمات لأنصار الجماعة والمشتبه في انتمائهم إليها، وقبض على أكثر من 1500 شخص بينهم 150 من القيادات البارزة في الجماعة؛ حتى تمنع أي رد فعل عنيف على إعدام قائدهم.
وحسب التجارب السابقة، فإنه لا يتوقع أن تتراجع حسينة واجد عن إعدام أمير الجماعة الإسلامية، خاصة وأنها لم تجد أي رد فعل شعبي أو تحرك جماهيري في بنجلاديش يرفض العملية، كما أنها لم تواجه أي ضغوط إقليمية أو إسلامية أو دولية لوقف العملية، وهو ما سيشجعها على المضي إلى الأمام رغم نداءات محلية وتحذيرات من قبل جماعته.
ويقول الخبراء: إن ما يحدث اليوم في بنجلاديش يحدث برضا غربي، وموافقة دول صديقة لبنجلاديش، وعلى رأسها أمريكا والهند، حيث يرون في إجراءات الحكومة أفضل وسيلة لتطهير بنجلاديش من الإسلاميين المتشددين، ومن الجماعات المتعاطفة مع فلسطين وكشمير، وجماعات تعتبر أمريكا والهند الشيطان الأكبر.
ويبدو أن حسينة واجد متجهة اليوم إلى تحويل هذا البلد المسلم إلى دولة علمانية، لا تؤمن بأهمية الدين في المجتمع، ويبدو أن هذه الخطوات جميعها تلبية لمطالب المنظمات الغربية والتنصيرية التي تصرف سنوياً على أعمالها في بنجلاديش مصاريف تفوق ميزانية بنجلاديش السنوية نفسها.
ويبقى السؤال مطروحاً: هل ستنجح حسينة واجد فيما تخطط إلى تحقيقه في بنجلاديش؟ وهل ستنقل هذا البلد ليتحول إلى دولة لا دينية؟ وهل ستمكنها سلسلة الإعدامات لقادة الجماعة الإسلامية من الاطمئنان على مستقبل حكم لا مكانة للدين فيه؟