الثقة بالنفس هي: إيمان الإنسان واطمئنانه المدروس إلى قدراته وإمكاناته على تحقيق أهدافه، واتخاذ قراراته، والتحكم في أقواله وأفعاله وقناعاته، ومواجهة المواقف الحياتية الصعبة. وهي مفتاح النجاح في جميع مجالات الحياة المختلفة، وأساس في تكوين الشخصية السوية البعيدة عن المرض والاضطراب النفسي.
والشخص الواثق بنفسه حقيقة يتميز بالسمات التالية:
1- يتقبل نفسه كما هي بإيجابياتها وسلبياتها: فلا ينزعج من سلبياتها لدرجة تجعله يكره نفسه، ولا يعجب بإيجابياتها لدرجة تجعله يغتر بنفسه ويعطيها فوق حجمها.
2- يعرف حدود قدراته وطاقاته وإمكاناته: فلا يغالي فيها، أو يحط من شأنها. وتتوازن طموحاته مع قدراته وإمكاناته وطاقاته، فلا تهبط إلى القاع، ولا تطير مع الأحلام.
3- يتقبل النقد من الآخرين ولا يضيق بهم، ويسعى دوما للاستفادة من النقد البناء لتطوير ذاته باستمرار.
4- يتجنب التسويف ولا يهرب من المسؤولية: فهو يقوم بواجباته ويتحمل مسؤولية قراراته وأفعاله، يجتهد في عمله، ويثابر عليه، ويتقنه لتحقيق الإنجاز الذي يرضيه.
5- مستقر نفسيا وناجح في علاقته مع الآخرين: فهو مطمئن النفس، يتصرف باتزان ويتجنب الغضب والتعصب، يتفاهم مع الآخرين من حوله، ويقدر ظروفهم وينصح لهم ويحب لهم ما يحب لنفسه.
6- يتحمل نتائج أفعاله واختياراته بشجاعة: فيفخر بما ينجزه، ويشكر ربه على توفيقه، ولا يغتر بعمله، وكذلك لا يصاب باليأس إذا واجهته حالات الفشل، وإنما يستأنف الكفاح لتحقيق النجاح.
والثقة بالنفس ليست فطرية، وإنما يكتسبها الإنسان أثناء حياته من خلال عملية التنشئة الاجتماعية المستمرة عبر مراحل العمر المختلفة، وإن كان لمرحلة الطفولة تأثير خاص على هذه العملية، فالتنشئة الاجتماعية السليمة هي التي تغرس في نفوس أبنائها الثقة بالنفس والاعتداد بالذات وتقديرها، بينما تؤدي التنشئة غير السليمة إلى فقدان الطفل لثقته بنفسه وبالآخرين، فينشأ سلبيا اتكاليا، لا يستطيع الاعتماد على نفسه، ولا يستطيع أحد الاعتماد عليه. وكما قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه
فإذا تم بناء قاعدة سليمة وصحية لتقدير الذات واحترام قدراتها ومواهبها وإمكاناتها خلال مرحلة الطفولة، تصبح للفرد قدرة أكبر بعد ذلك على الحفاظ على ثقته بنفسه. ولكن إذا امتلأت سنوات الطفولة بالكثير من النقد والقسوة وعدم التشجيع، فمن المؤكد أن يقل تقدير المرء لنفسه ويصبح شديد الحساسية لردود الأفعال السلبية من الآخرين، وتقل ثقته بنفسه وقدراته.
ولكن هذا لا يعني أن يقف الفرد مستسلما لهذه الحالة، على اعتبار أنها مفروضة عليه وجزء من تركيبة شخصيته التي تكونت منذ طفولته، وإنما يمكنه -إذا أراد- أن يغير من طريقة فهمه وتعامله السلبي مع نفسه، إلى طريقة أخرى أكثر إيجابية، تمكنه من تحسين تقديره واحترامه لذاته وتقوي ثقته بنفسه.
ومن أهم الوسائل والطرق التي تساعد الفرد على زيادة تقديره لذاته، وثقته بنفسه، ما يلي:
أولا – تقوية الثقة بالله عز وجل:
فالثقة بالله هي المنبع الأصيل للثقة بالنفس، فمنه -عز وجل- يستمد المرء القوة والعون والسند، فلا يخشى سواه ولا يرجو غيره. والمؤمن الواثق بربه شعاره دوما: {حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (التوبة: 129)، {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (هود: 56). وهو واثق من نفسه في كل أعماله؛ لأنه متوكل على خالقه، واثق من توفيقه {مَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88).
ثانيا – إعادة برمجة الذات:
معرفة النفس هي أول الطريق لتغييرها وإصلاحها، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11). فالإنسان يجب أن يعرف سلبياته وإيجابياته بحجمها الحقيقي، وأن يعترف بالسلبيات ويتقبلها ويسعى إلى علاجها.
ويجب عليه أن يواجه مخاوفه ويتغلب عليها، وأن يكون متزنا في توقعاته وطموحاته، ويتجنب الخضوع أو الذوبان في الآخرين والانقياد إليهم في كل شيء، فإن ذلك دليل على ضعف الشخصية وفقدان الثقة بالنفس وعدم التمييز، وهو أمر مهلك ومدمر أن يصير الإنسان ذيلا لغيره يتبعه في حقه وباطله، وهذا ما عابه الله تعالى على المشركين، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (البقرة:170).
ثالثا – تحسين صورته عن نفسه ومعاملتها باحترام:
فإذا كان مفهوم الإنسان عن نفسه أنه شخص جدير باحترام الناس وحبهم وتقديرهم، وأنه ناجح وكفء، كان سلوكه في العادة متفقا مع هذا المفهوم. أما إذا كان مفهومه عن نفسه أنه غير جدير بحب الناس وتقديرهم، وأنه شخص فاشل غير كفء، كان سلوكه أيضا متفقا مع ذلك، فيفقد ثقته بنفسه، ويشعر بعدم القدرة على جذب اهتمام الناس وتقديرهم، كما يتردد في القيام بأي عمل مهم؛ خوفا من الإخفاق والفشل. فيجب عليه أن يصنع لنفسه صورة إيجابية عن ذاته، وأن يعمل على تأصيلها وتعميقها بداخله، حتى تكون نبراسا له في سلوكه، وقائدا له نحو المعالي.
رابعا – اكتشاف القوى الكامنة:
ففي داخل كل منا قوى خفية وطاقات هائلة لا يعلم سرها إلا الخالق سبحانه وتعالى، وتؤكد الدراسات أن أكثر أهل الأرض ذكاء لم يستغل سوى 40% فقط من قواه العقلية، ولو استطاع الإنسان استخراج بعض قواه الداخلية لتغير الكون من حوله ولرأينا منه العجائب. والعقل الباطن يقوم على أن الإنسان لديه قوة كامنة فيه منذ ولادته وحتى آخر يوم في حياته تتحكم بشكل كبير في تصرفاته، وبإمكان الإنسان أن يبرمج هذا العقل بشكل إيجابي أو سلبي.
والإيحاءات الإيجابية التي يبثها الفرد في نفسه تعتبر وسيلة فعالة لتقوية ثقته بنفسه وتغيير شخصيته إلى الأفضل، ومن خلالها يستطيع غرس المعاني الفاضلة والأخلاق النبيلة في نفسه، ويجب عليه أن يتأكد من أنه يرسل إلى عقله الباطن باستمرار بإيحاءات إيجابية تعزز قدراته وصفاته الجيدة وتضعف صفاته التي لا يحبها.
خامسا – التغلب على النقائص والشعور بالنقص والعجز والخوف من الفشل من ألد أعداء الثقة بالنفس، فكم من أشخاص كانت نقائصهم دافعا قويا لتحقيق ذواتهم والنجاح في حياتهم، كما أن الشخص الواثق من نفسه يعلم أن الفشل هو بداية الطريق إلى النجاح، وأن الإنسان الوحيد الذي لا يفشل أبدا هو الإنسان الذي لا يفعل شيئا أبدا.
فعلى الفرد أن يحول نقائصه وفشله إلى طاقة يبدأ بها من جديد لتحقيق النجاح، وأن يتعلم من أخطائه ويستمد منها زادا وخبرة لمواجهة ما يقابله في حياته من صعاب. فالثقة بالنفس تعتمد على قوة الإرادة والصبر وتحمل الشدائد والصعاب، وهذه من صفات المؤمنين الصالحين، الواثقين بما عند الله تعالى من خير وأجر. وسر النجاح هو أن يتعلم كيف يتحكم في حياته، فليس المهم أن يستثمر الفرد مكاسبه، لكن المهم حقا أن يحيل خسائره إلى مكاسب.
سادسا – المثابرة وعلو الهمة:
هناك ارتباط وثيق بين الثقة بالنفس والهمة العالية، وما أجمل قول المتنبي:
على قدر أهـل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكـارم
وتعظم فـي عيـن الصغير صغارها *** وتصغر فـي عيـن العظيـم العظـائم
لذلك على الفرد أن يطلب النجاح بإلحاح، وأن يحاول أن يصبح خبيرا في شيء ما، سواء عن طريق الدراسة المتخصصة المتعمقة، أو عن طريق القراءة والاطلاع والتثقيف الذاتي، وعند ذلك سيأتي الناس إليه ليستفيدوا من علمه وخبرته، ويستنيروا برأيه وذكائه. وكما قال الإمام علي “رضي الله عنه” :
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهمو *** على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففـز بعلم تعش حيا بـه أبدا *** الناس موتى وأهل العلم أحياء
سابعا – حسن التخطيط:
فمن العوامل المهمة التي تساعد على تدعيم الثقة بالنفس، معرفة الأهداف المستقبلية وتحديدها بأولوياتها الشخصية والاجتماعية والوظيفية، ووضع الخطط التنفيذية للوصول إلى الأهداف في الوقت المناسب والطريقة المناسبة. ويتطلب ذلك التحلي بالحكمة في التعامل مع الوقت، وحسن إدارته، واستثماره، وتجنب تضييعه وهدره.
وقد دلت كل التجارب البشرية للمفكرين والعباقرة والعلماء على أن تنظيم الوقت وحسن استخدامه مع التخطيط الجيد للأهداف والأولويات، كانت هي الركيزة الأساسية لما حققوه من إنجازات ونتائج باهرة؛ فحسن استغلال الوقت وتنظيمه وتخطيطه، يضمن للفرد إنجازات متتالية مطردة بشكل يومي أو شهري أو سنوي، ينتهي به إلى تحقيق كل ما يصبو إليه من آمال وطموحات، ويقوي ثقته بإمكاناته وتقديره لذاته.
المراجع:
1- إبراهيم الفقي، حياة بلا توتر، إبداع للإعلام والنشر، القاهرة، 2009م.
2- أرنولد كارول، قوة الثقة بالنفس، ترجمة: إيهاب كمال، مكتبة الهلال للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009م.
3- ألكسيس كارليل، الإنسان ذلك المجهول، ترجمة: عادل شفيق، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1973م.
4- جمال ماضي أبو العزايم، القرآن والصحة النفسية، د.ن، القاهرة، 1994م.
5- سيد صبحي، الإنسان وصحته النفسية، الدار المصرية اللبنانية، طبعة خاصة بمكتبة الأسرة، القاهرة، 2003م.
6- محمد عبدالله الصغير، مادة صوتية بعنوان: الثقة بالنفس سبيل النجاح.
—-
* المصدر: الوعي الإسلامي.