مازال شعب الروهينجيا المسلم يعاني الاضطهاد والظلم، فبرغم أن الانتخابات شُرعت لتكون صوت الشعب، ومعبرة عن إرادة لا يتم فيها تسفيه رأي أو اختيار، مهما كان صاحبه ضعيفاً أو مستضعفاً، القول فيها لصندوق يسمح للجميع أن يصل إليه، وتقوم الدولة بتحمل مسؤوليتها في تأمين الخائف وتسهيل العقبات من أجل أن تتم الانتخابات.. فإن الانتخابات التي جرت في ميانمار مؤخراً كانت مبتورة؛ حيث اقتصرت على جزء من الشعب، قرر أن يستحقر جزءاً آخر ولا يعترف له بحقوق، لتقف الدولة معهم ضد الأقلية المسلمة التي حرمت من أقل الحقوق، وهو حقها في المواطنة والعيش بأمان.
ففي الخامس عشر من مارس الماضي بدأت عملية الانتخابات الرئاسية الجديدة في ميانمار، في برلمان موحد ضم مجلسي النواب والشيوخ لانتخاب رئيس جديد للبلاد من بين المرشحين الثلاثة الذين يشغلون مناصب نائب الرئيس، وقد فاز في هذه الانتخابات «يو هتين كياو»، المرشح من قبل حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الذي تقوده المعارضة «أونغ سان سو تشي»، وحصل «كياو» على 360 صوتاً من أصل 652.
الرئيس الصوري!
لقد جاءت الانتخابات البرلمانية الميانمارية التي جرت في الثامن من نوفمبر 2015م بعد أشهر من إجراء إحصاء سكاني؛ كان الهدف منه تأكيد نهج الحكومة الميانمارية بشأن انتهاك حقوق الأقلية المسلمة الروهينجية؛ حيث أقر الإحصاء بعدم وجود الروهينجيا كمواطنين ميانماريين، بل اعتبرهم دخلاء، وأغلبهم من النبجال؛ وهو الأمر الذي اعترضت عليه مؤسسات حقوقية وأممية، ومنها الأمم المتحدة التي قالت: إنها دعت السلطات الميانمارية لمنح السكان إمكانية اختيار إثنيتهم، لكن المسؤولين رفضوا، وأصرت الحكومة على أن مسلمي الروهينجيا هم مهاجرون غير شرعيين من بنجلاديش، وسجلتهم تحت مسمى بنجاليين.
انتخاب البرلمان الميانماري للمرشح «يو هتين كياو» اعتبره المتابعون انتخاباً صورياً لا يتعدى كون الرجل الذراع التي ستحركها «أونغ سان سو تشي» التي كانت تأمل الدخول في السباق نيابة عن حزبها، لكن قانوناً كان قد وضع سابقاً -ربما وضع خصيصاً لها – منعها من ذلك، وهو القانون الذي يقضي بمنع أي شخص أفراد أسرته المباشرون أجانب من تقلد المنصب، حيث إن ابني «سو تشي» بريطانيان.
وقد نقلت تصريحات عن «أونغ سان سو تشي» بأنها ستقود البلاد ولو بالوكالة، ولذلك جاء اختيارها لـ «يو هتين كياو» الذي يعتبر أحد أقرب السياسيين لها منذ التسعينيات، وهو يدير جمعية خيرية أسستها «سو تشي»، ويعتبره البعض سائقها الخاص من كثرة قربه منها وملازمته لها، وزعيمة المعارضة «أونغ سان سو تشي» البالغة من العمر 70 عاماً قالت في مؤتمر صحفي قبل بدء الانتخابات البرلمانية بأيام ونقلت «واشنطن بوست» عنها قولها: إذا فاز حزبي بأغلبية في البرلمان فسوف أهيمن على البلاد في جميع الأحوال.. سوف أكون فوق الرئيس.
العسكر لم يبتعدوا
إن نهج الحكم في ميانمار يصطبغ بالديمقراطية، لكن الكثير من الشوائب والمنغصات لا يخلو منها، فمنذ سنوات بدأت ميانمار وضع قدمها على مضمار العمل الديمقراطي المتمثل في نقل السلطة من العسكر إلى المدنيين، ولكن على ما يبدو فإن العسكر يديرون العملية بطريقة لا تخرجهم من المشهد والتحكم فيه، مع ترك مساحات للمعارضة المدنية تتحرك فيها تحت عين وسمع الجنرالات الذين حكموا البلاد لعقود.
فوفقاً للوضع الحالي، تم انتخاب رئيس مدني، وفاز حزب الرئيس بأغلبية كبيرة، لكن ما زال العسكر يحتفظون بـ42 مقعداً برلمانياً باسم حزب التضامن والتنمية الذي شكله المجلس العسكري الذي ظل يحكم ميانمار 25 عاماً.
«سو تشي» تلاعبت بالأقلية المسلمة
برغم الحفاوة التي قوبلت بها الانتخابات النيابية، وبعدها الانتخابات الرئاسية التي بدا أنها استبعدت العسكر ورسخت لحكم مدني، وتناسى المحتفون أن أساس هذه الانتخابات قام على استبعاد جزء من الشعب – كما أوضحنا سلفاً – فإن التساؤل المطروح هو: هل ستستمر زعيمة المعارضة سابقاً وزعيمة الحزب الحاكم حالياً «سو تشي» في اتخاذ قضية الأقلية الروهينجية واجهة لها لتحقيق غايات سياسية وحقوقية، أم أن ما أعلنت عنه من كون الموضوع لا يخرج عن عنف متبادل بين البوذيين والروهينجيا المسلمين سيكون نقطة لصفحات من استمرار اضطهاد المسلمين؟
فـ «سو تشي» التي دعمها المسلمون في عام 1990م، عندما ترشحت لأول مرة للانتخابات – وقد فاز حزبها بالأغلبية الساحقة، ولكن الدكتاتورية العسكرية في البلاد حينها تجاهلت النتائج ووضعتها رهن الإقامة الجبرية – مؤملين أنها ستقف بجوارهم كما وعدت؛ صرحت أثناء زيارتها للولايات المتحدة ولقائها بالرئيس الأمريكي «أوباما» بأن تبادل العنف بين الروهينجيا والبوذيين يدعوها لعدم أخذ موقف تجاه الأحداث، فقط السعي للمصالحة، وفي الوقت الذي تطالب فيه بوقف الهجرة غير الشرعية من بنجلاديش لبلادها، على حد وصفها، فإنها لم تتحدث عن التهجير القسري والمعاملة السيئة التي يتعرض لها أبناء آراكان.