اقرأ بعينيك، وتأمل بعقلك الواعي واللاواعي هذه الكلمات الراقية والمنثورة عبر الإنترنت، للدكتور مصطفى محمود يرحمه الله:
قد لا تصدقني إذا قلت لك: إنك تعيش حياةً أكثر بذخاً من حياة كسرى، وإنك أكثر ترفاً من إمبراطور فارس وقيصر الرومان، وفرعون مصر.. ولكنها الحقيقة!
إن أقصى ما استطاع “فرعون” مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة يجرها حصان! وأنت عندك سيارةً خاصة وتستطيع أن تركب قطاراً، وتحجز مقعداً في طائرة!
وإمبراطور فارس كان يُضِيء قصره بالشموع وقناديل الزيت! وأنت تضيء بيتك بالكهرباء، وقيصر الرومان كان يشرب من السقا ويُحمَل إليه الماء في القِرب، وأنت تشرب مياهاً نظيفة معقمة ويجري إليك الماء في أنابيب!
والإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز، وأنت عندك تلفزيون يسليك بمليون أراجوز، ولويس الرابع عشر كان عنده طباخ يقدم أفخر أصناف المطبخ الفرنسي، وأنت تحت بيتك مطعم فرنسي، ومطعم صيني، ومطعم ألماني، ومصنع مخللات ومعلبات وحلويات!
ومراوح ريش النعام التي كان يروح بها الخدم على وجه الخليفة في قيظ الصيف واللهيب، عندك الآن مكانها مكيفات هواء تحول بيتك إلى جنةٍ بلمسة سحرية بزرٍ كهربائي!
وكمعلومة فمصطفى محمود من المفكرين المعاصرين ونتيجة إصابته بالمرض اعتزل الناس من عام 2003م إلى أن توفي عام 2009م، وهو هنا لم يذكر نعمة “الإنترنت” التي حولت العالم إلى غرفة صغيرة، فالصحف والمجلات والمواقع بين يديك بضغطة زر، والحدث الذي يحدث في أقاصي الشرق والغرب يأتيك في ثوانٍ معدودات! بينما كان الملوك السابقون يتعاملون بالحمام الزاجل، وسُعاة البريد، فالخبر يأتيهم بعد أسابيع وأشهر!
لا تنسَ أيضاً أن “المعلومة” التي كان العلماء السابقون يقطعون الأميال والفيافي للتنقيب عنها والعثور عليها، تتناولها اليوم وأنت متربع ومتكئ على أريكتك!
هل رأيت فارق السنين الضوئية بين عصرنا، وبين عصور الفراعنة والفرس والروم؟ هل تأملت حجم المعرفة الذي يقتحم عليك غرفتك؟ وهل لاحظت أن أدنى شخص يتمتع اليوم بأنعم ما كان عليه ملوك الدنيا السابقون؟
إذن أنت إمبراطور، لكنك قد تكون فقيراً ومعدماً من داخلك بأفكارك وعقلك الباطن؛ فالسعادة والغنى فيما بين أيدينا وفيما نملك، وليست فيما لا نملك، ينقصنا فقط أن نكون من الشاكرين، قال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ {13}) (سبأ)، وقال تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (إراهيم:7).