إن عالمنا يشقيه الفقر الفظيع في ناحية، ويفسده البذخ والإسراف في ناحية أخرى.
مجتمع جديد أو الكارثة عنوان كتاب يشتمل على بحث علمي اضطلع فيه فريق من الباحثين مستهدفين به وضع الأساس النظري الذي يمكن أن يُقام عليه مجتمع جديد، وقد أشرف على إخراج هذا الكتاب مركز البحوث للتنمية الدولية.
يقول د. زكي نجيب محمود: “مجتمع جديد أو الكارثة” بمثابة الجرس الزاعق الذي تدقُّه سيارات إطفاء الحريق في شارع مزدحم؛ ليخلى لها الطريق.
ولذا كان التصور الذي حاول الباحثون في هذا الكتاب أن يترسموه ليرسموه هو: إذا أراد العالم لنفسه نجاة من أزمته الراهنة، فلا بد له من تصور جديد لمجتمع جديد.
ذلك لأن الكارثة المرتقبة قد أحاقت بثلثي البشر؛ جوع وعُري، وأُميَّة وموت مبكِّر، وإسكان لا يفي الحد الأدنى من ضرورات الحياة، وتصحيح هذا الوضع البائس لهؤلاء الملايين يستحيل أن يتحقق والعالم المتقدم في صمم وعمى؛ لأن هذا العالم المتقدم جزء من علة الكارثة؛ لأنه كلما اطرد به السير السريع في التنمية والإنتاج، ثم الإسراف المجنون في البذخ والتبذير، كانت النتيجة المحتومة هي أن يزداد الفقير فقراً والمتخلف تخلُّفاً، فكما أنه في داخل البلد الواحد لا يتم إصلاح حقيقي إلا إذا تحقق شيء من المساواة بين الأفراد، فكذلك الأمر على مستوى العالم لا أمل في إصلاح ما لم تتحقق تلك المساواة نفسها أو شيء منها بين الأمم.
إذاً فما الأسس الأولية التي يقترح للمجتمع الجديد أن يقوم عليها؟ أولها المساواة مساواة على المستوى الوطني، ومساواة على مستوى العالم بأسره، فلكل إنسان على وجه الأرض – من حيث هو إنسان – حق نابع من فطرته البشرية نفسها في أن يشبع حاجاته الطبيعية الأساسية؛ من تغذية وإسكان، ورعاية صحية وتعليم.
والمجتمع الجديد المقترح ليس مجتمعاً استهلاكياً على الصورة التي نراها اليوم في البلاد المتقدمة والغنية، بل هو مجتمع إنتاج، والإنتاج فيه تحدده الحاجات الطبيعية الضرورية لكل إنسان، لا الربح الذي يجيء أو لا يجيء، فلا ينبغي للاستهلاك أن يكون غاية في ذاته، كما هي الحال الآن؛ إذ تنتج من السلع ما لا تقتضيه الحاجة، ننتجه لا لشيء إلا ليلهو به أصحاب الثراء في القوت الذي نترك فيه ملايين الناس يعوزهم سد حاجاتهم الضرورية.
إن إقامة المجتمع الجديد لا تعتمد على جهود البلاد المتخلفة والفقيرة وحدها؛ لأن ذلك لا يجدي ما لم تدخل البلاد المتقدمة الغنية معها في عملية التغيير، تغيير نفسها أولاً وتغيير الآخرين ثانياً؛ إذ إنه من المفارقات العجيبة في عصرنا أن التقدم والتخلف كليهما كانت له آثاره التي اجتمعت معاً، وكونت الأزمة التي يعانيها المجتمع، فلئن كان التخلُّف قد صحبه كذلك البؤس المادي؛ من جوع وعري، ومرض وجهل، فإن التقدم قد صحبه كذلك مرض خاص به نشأ له عن التفاوت بين الناس.
ومن ثم فإن المصير واحد بالنسبة للعالم المتقدم والمتخلف معاً، ولا خلاص لهما من ذلك المصير إلا أن يتعاونا على إقامة مجتمع جديد لا يكتفي فيه بترميم البناء القديم، بل هو مجتمع يقوم على أسس أخرى غير التي كانت؛ لأنه لا بديل لمثل هذا المجتمع الجيد إلا كارثة تكرِّث أهل الأرض جميعاً.
أخيراً أقول:
لم يعد من مناص من التفكير الجاد في تغيير الأسس التي يقوم عليها المجتمع الإنساني بأسره.
وإلا فالكارثة لاحقة بالجميع!