“قضية جيوليو ريجيني ستدخل في طي النسيان”.. كان هذا فحوى المقالة التي نشرتها صحيفة “هفنجتون بوست” الأمريكية على نسختها الإنجليزية للكاتب الصحفي أندريا برجاتوري والذي ألقى فيها باللائمة في لغز قضية الباحث الإيطالي الذي لم يتكشف بعد، على ساسة الغرب الذين يعطون مصالح بلدانهم أولوية تفوق حتى احترام حقوق الإنسان الأساسية.
وإلى نص المقالة:
جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التي قام بها مؤخراً إلى مصر على النحو التالي: ابتسامات عريضة مرتسمة على الوجوه والتقاط الصور الفوتوغرافية للذكرى ثم إعلان عن دعم واشنطن لـ مصر- التي وُصفت بأنّها محور السلام – وعقد مؤتمر صحفي تم إلغاؤه على نحو لم يثر الدهشة.
زيارة خاطفة بها إغفال خطير: هذا هو التوصيف الأمثل لزيارة كيري، واجتماعه مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والتي جاءت تحت عنوان السلام والأمن في المنطقة، ولم ينطق كيري ببنت شفة في قضية القتل الوحشي لـ جيوليو ريجيني.
ولننتظر لنرى إذا ما كان لدى صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية النية في وصف صمت كيري بـ”المخزي،” تماماً مثلما فعلت بخصوص موقف فرنسا قبل زيارة رئيسها الاشتراكي فرانسوا أولاند لمصر الأسبوع الماضي.
وفي عالم الدبلوماسية، يمكن أن يكون الصمت مفعماً بالمعاني، وقد اتخذت الولايات المتحدة قراراً بألا تتفوّه ولو حتى بكلمة واحدة في قضية ريجيني، إلى حد أصيب معه الرأي العام في أوروبا ومناطق أخرى من العالم بخيبة أمل، ويتعيّن علينا إذن أن نخلص من ذلك إلى نتيجة مؤداها أن التركيز في واشنطن، كما هي الحال في كل من باريس وبرلين، يكون منصباً على أولويات أخرى: النفط والسلاح و”داعش”، على سبيل المثال لا الحصر.
وحقًا إن أولاند حاول لاحقاً تصحيح موقفه عبر الكشف عن حديث خاص مع نظيره المصري حول واقعة ريجيني البشعة، وقال أولاند أيضاً: إن زيجمار جابريال نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد وصف في وقت لاحق جريمة الباحث الإيطالي بالمروعة.
لكن ما يثير قلقنا حقاً هم هؤلاء السياسيون: اللامبالاة الواضحة والهوة المتسعة بين “البزنس” واحترام حقوق الإنسان الأساسية، ولعل هذا هو المنطق ذاته الذي يسوقه الرئيس السيسي وهو يدير دفة الخلاف مع إيطاليا حول قضية ريجيني المزعجة: تقديم وعود وإطالة الوقت والتهديد بفرض عقوبات اقتصادية والانتقام.
ومن الواضح أنَّ إيطاليا تخاطر بوضع نفسها في موضع الطرف المحاصر إذا ما ظلت تعمل بمفردها دون مساعدة أقرانها الأوروبيين في تلك المسألة، لكن إذا ما هب الاتحاد الأوروبي وبدأ يظهر اهتماماً حقيقياً بتلك المشكلة، سيتغير المسار تماماً في تلك القضية، ولن تكون الإجراءات هائلة، لكنها ستبعث برسالة سياسية قوية.
وبات واضحاً الآن أنّ كلمة السر في قضية ريحينيى هي “السياسة”، فرئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينيزي ووزير خارجيته باولو جينتلوني يستطيعان الاعتماد بالفعل على حلفاء روما في القارة العجوز، في مقدمتهم بريطانيا، ممن لديهم قناعة أكيدة بأن مقتل الباحث الإيطالي كان “جريمة سياسية”.