يعتبر نعوم تشومسكي من أشهر الكتاب السياسيين في العالم، ولد في بنسيلفانيا عام 1928م، رغم أن تخصصه الاصلي في اللسانيات وعلوم الفلسفة، حيث عمله الاصلي في معهد ماساتشوتس للتكنولجيا، و له عدة نظريات في هذا المجال تدرس في الجامعات العالمية.
و تشومسكي ينحدر من اصول يهودية اوكرانية و يجيد اللغة العبرية_الديشيه، و قد وضعته الكاتبة البريطانية ماياجاغي في جريدة الغارديان كواحد من اهم المصادر التي يقتبس منها في مجال الانسانيات في العالم.
اشتهر تشومسكي بنقده الحاد للسياسة الخارجية الامريكية و الرأسمالية المنفرطة للدولة و قد احدث دويا هائلا بادانته لقرار المحكمة العليا الامريكية عام 2010 عندما قررت الغاء القيود على تمويل الحملات الانتخابية، و قال ” بأن ذلك يعني هيمنة الشركات على الديمقراطية” كما ادان سياسة الاستيطان المنفلته التي تتبعها الحكومة الاسرائيلية، و قال “بان انصار” “ اسرائيل “ “هم في الحقيقة انصار لانحطاطها الاخلاقي و دمارها النهائي المحتمل” ثم قال في مكان اخر بان ” اختيار “ اسرائيل “ الواضح للتوسع اكثر من البحث عن الامن سيؤدي الى تلك العواقب” و هو من المعارضين الاشداء لتاسيس الدولة على اساس ديني.
من يمتلك العالم
بعد هذه الفكرة، فان اراءه المستقاة هنا هي ما ورد بشان الموقف الامريكي تجاه الديمقراطية في الشرق مستقاة من كتابه ” من يمتلك العالم؟ ، و هو مجموعة من المقالات و الندوات كانت متزامنة مع احداث الربيع العربي، فالفسيفساء الدولي الحالي في الشرق الاوسط هو نتاج صراع الامبراطوريات الاستعمارية بعد الحرب العالمية الاولى و ما تلاها من تقسيم و صراع و نشوء دولة اسرائيل، و كانت هذه العوامل كلها عوامل بؤس و ضرر على شعوب المنطقة .
بالاضافة الى ان الادارة الامريكية و خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية عندما افل نجم الامبراطوريات السابقة و صارت كأكبر قوة عظمى في التاريخ ، لم تنظر للمنطقة الا كواحدة من اهم الجوائز المادية في تاريخ العالم و مصدر مذهل للطاقة و موقع استراتيجي، و عليه فبنظر تشومسكي بان السيطرة على طاقة الشرق الاوسط يعني السيطرة على العالم، و لذلك فامريكا ترعى الانظمة التي توفر لها هذا المسار و تبذل الغالي و النفيس لسحق الديمقراطيات التي تحيد عن هذا الخط.
مع انها لا تفتأ تردد بانها ترعى الديمقراطية و تضعها كهدف و عقيدة و لكنها لا تسير الا على خطوات بيرنارد لويس الذي يقول بان الديمقراطية نبتة غريبة و ذابلة في ارض المسلمين.
و الافكار الواردة كما ذكرنا كانت متزامنة مع احداث الربيع العربي، و قد جاءت الاحداث بعدها مصداقية لافكار تشومسكي في هذا المجال.
مواقف أمريكا ضد الديمقراطية
و يعتبر تشومسكي بان “ اسرائيل “ تشارك الولايات المتحدة في معارضتها لنشوء ديمقراطيات حقيقية بالقرب منها و كذلك تشاركها في معنى الاستقرار الذي لا يعني الا الانصياع لهيمنة الولايات المتحدة ، و ياخذ نموذج اجهاض الثورة المصرية كمثال واضح لا لبس فيه في هذا المجال رغم ان مصر لا تحتوي على مخزونات هائلة من الطاقة و لكنها الجسر الثقافي و التاريخي بين جناحي الشرق الاوسط و الجار الخطير لاسرائيل.
فعندما نزل الاخوان المسلمون للانتخابات لم تتوقع الولايات المتحدة فوزهم، حيث ان اعدادهم ليست كبيرة جدا، و لكن ما لم تدركه الولايات المتحدة بان اعداد المتعاطفين معهم كبيرة جدا ! و انهم اكبر مجموعة منظمة تنظيما جيدا و بافكار تواكب العصر مع الاسلام.
ففي انتخابات نوفمبر 2005 برز الاخوان كأكبركتلة معارضة في مجلس الشعب المصري , تبعها فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006م.
في بداية الربيع العربي كانت مواقف الغرب عموما و أمريكا خصوصا مدحا بالنموذج التركي ذو المسحة الاسلامية, و لكن السياسة تتبدل حسب التعليمات و النصائح و المصالح , فكان الموقف التركي من ثورات الربيع العربي واضحا جدا لا نفاق فيه عكس الموقف الغربي عموما و الامريكي خصوصا, الداعم لديكتاتوريات لا غبار عليها و التي لا تعترف بديمقراطيات حقيقية, فهم يحبون الديمقراطية التي تخدم مصالحهم و يعارضونها لاسباب براغماتية، وانقلب الترحيب بالنموذج التركي الى خوف وهلع من تعمق الاتجاهات الاسلامية الراضية عن الديمقراطيةخصوصا بعد تبدل سياسة تركيا تجاه “ اسرائيل “ الى حد ما.
ضمن هذا الاطار يقول تشومسكي رغم كونه ملحدا “لكن ما ينبغي فعله هو ما يفعله اردوغان , فتركيا اصبحت الدولة الاهم في المنطقة و هذا مسلم به, فأردوغان الاكثر شعبية بشكل لا يضاهى, و هو الشخصية الشعبية الوحيدة الذي كان صريحا و واضحا و مباشرا بشأن الثورة في مصر و ان اوربا و امريكا خصوصا كان ضد هذه الثورة تماما”.
ويتوسع تشومسكي في هذا المجال و في نقده للديمقراطية الامريكية, فهو يرى ان الفائز في الانتخابات الامريكية كانت المؤسسات المالية النافذة, فقد كانت هذه المؤسسات هي قلب التمويل لحملة اوباماو قد خرجوا اقوى و اكثر نفوذا و ثراءا من ذي قبل، ونظرا للصعود الاقتصادي التركي السريع بعد عام 2002م وتبوء تركيا مقعدا في مجموعة العشرين, فقد صارت هذه الشركات في موقف مختلف من القوة الاقتصادية التي قد تشكلها تركيا فيما لو فازت القوى الاسلامية المعتدلة في مصر و سوريا و ليبيا!.
فالنموذج التركي لم يعد مرحبا به و صارت امريكا في حيرة من هذه التجربة.\و في هذا المجال يقول تشومسكي بان الانتخابات التي تريدها الولايات المتحدة هي التي تلتحم فيها جماعات من المستثمرين للسيطرة على الدولة باختيار بعض محترفي السياسة الذين يستخدمون مصالحهم.
لقد نجحت الولايات المتحدة بوقف المد الديمقراطي بالتعاون مع حلفائها النفطيين في مصر و تركته في سوريا و ليبيا بمواقف مائعة و غير جادة تتناسب مع كونها اكبر قوة عظمى في التاريخ تتخذ من الديمقراطية و الحرية مبادئ اساسية لها.
وصار الانطباع لدى قطاع عريض من المثقفين في العالم عموما و الشرق خصوصا بان الشؤون الدولية تدار كما تدار المافيا الى حد كبير، فالذي يريده العراب الذي لا يسمح بالتمرد هو الذي يجب ان يتحقق و لو على حساب الاف الجثث، هكذا هو انطباع تشومسكي عن الفوضى التي تعم الشرق.
لقد اثبتت الايام بان التجربة التركية غير مرحب بها اساسا في عموم الغرب رغم كون ان تركيا عضوا فاعلا و رئيسيا في حلف الناتو الاخذ بالتوسع شرقا، و هذا ما عقد الامور في الشرق و على تخوم تركيا خصوصا.
نقد النموذج الإنتخابي الامريكي
وتشومسكي في نظرته الشمولية يؤيد رأي الكاتب البريطاني روبرت فيسك بشان موقف اوباما الذي مد يده للعالم الاسلامي لكنه اطبق قبضته حين قاتل هذا العالم الديكتاتورية و طالب بالديمقراطية.
و لعل من اطرف الاراء التي يوردها تشومسكي عن ديمقراطية الولايات المتحدة قوله عن الانتخابات الامريكية بالسعار الذي يتكرر كل اربع سنوات و الدعاية بالنسبة لهذه الديمقراطية هي العنف و السيطرة بالنسبة للشمولية، فحتى ستالين صرح يوما بحبه للديمقراطية رغم قتله لملايين البشر حين رفضوا ما سماه بالديمقراطية الشعبية.
و على كل حال فان اراء تشومسكي لا تخلو من تطرف، نظرا لعمقه الثقافي الذي يميل لليسار، و لكنه يقول بالاستناد الى حسه الثقافي السياسي، بان مستقبل المنطقة غامض و مشكوك فيه، لكن خطر الديمقراطية تم احتواؤه حتى الان و هو بالنسبة لامريكا خطر حقيقي لا جدال حوله!