لم تكن ساحة التحرير في قلب العاصمة بغداد يوم أمس الجمعة تمتلئ بالمتظاهرين كعادتها، وفجأة تحركت تلك المئات من الجماهير عبر جسر الجمهورية مُتجهة للمنطقة الخضراء مُقتحمة أسوارها وصولاً إلى مبنى رئاسة الوزراء الذي دخلوه عنوة، هكذا كان المشهد، ولأول مرة قامت القوات الأمنية باعتراض المتظاهرين (الذين يمثلون التيار الصدري) بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع، وإطلاق الأعيرة النارية في الهواء!
وأفادت مصادر طبية بأن مستشفيات العاصمة استقبلت أكثر من 600 جريح من الذين سقطوا في عملية اقتحام المنطقة الخضراء، كانت أغلبها ناجمة عن اختناق بغاز المسيل للدموع، كما أفادت بوجود جرحى من القوات الأمنية تلقوا طعنات بالسكاكين من قبل المتظاهرين!
وقد انتشرت مليشيات التيار الصدري المسلحة حول مستشفيات الشيخ زايد والصدر وبالقرب من مستشفى اليرموك لحماية الجرحى والمصابين من الاعتقال من قبل القوات الأمنية بعد اقتحامهم لمبنى رئاسة الوزراء والمواجهات التي حصلت بينهم وبين القوات الأمنية داخل المنطقة الخضراء.
وبعد ساعات من عملية الاقتحام أعلن “التلفزيون العراقي” الرسمي استعادة الجيش العراقي السيطرة على المنطقة الخضراء، وإعلان حظر التجوال في كل مناطق بغداد، ثم عاد الإعلام الرسمي ليعلن رفع الحظر عن مدينة بغداد بعد اجتماع لرئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة بالقوات الأمنية.
وبعيداً عن بغداد، التهبت المحافظات الجنوبية بعد اقتحام المنطقة الخضراء وضرب المتظاهرين، حيث تمكن المتظاهرون في محافظة ذي قار من تجاوز الحواجز الأمنية والدخول إلى مبنى مجلس المحافظة، دون وقوع اشتباكات مع القوات الأمنية، وفي محافظة بابل تحشد المتظاهرون بشكل واسع أمام مبنى مجلس المحافظة معلنين اعتصاماً مفتوحاً، كما شهدت محافظتا ميسان والديوانية احتجاجات شعبية عارمة منددين بتعامل السلطات الأمنية مع المتظاهرين الذين اقتحموا المنطقة الخضراء للمرة الثانية خلال أسابيع.
من جهته، أبدى رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر دعمه للمحتجين والمتظاهرين الذين اقتحموا المنطقة الخضراء الحصينة ببغداد، وأدان استخدام القوة ضد أتباعه من قبل قوات الأمن العراقية، وقال الصدر في بيان له: إني لأحترم خياركم وثورتكم العفوية السلمية، تعساً لحكومة تقتل أبناءها بدم بارد، وأعلن الاستمرار في الاحتجاجات السلمية، محذراً من أنه لا يحق لأي جهة منع ذلك، وإلا فإن الثورة ستتحول إلى وجه آخر!
لقد بات العراق بعاصمته بغداد في وضع مهين تسقط كل جمعة بيد المتظاهرين الصدريين، لتستيقظ يوم غدها السبت وهي تدعي أنها دولة كاملة الهيبة، وما بين دولة مهلهلة تتصارع أحزابها على البقاء في الحكم، وتيار صدري هو الأبعد عن الإصلاح والأقرب للاستحواذ على المغانم، يعيش العراقيون وهم يرتقبون الغد المجهول.