يقول ابن الجوزي رحمه الله في كتابه “رياض السامعين” الله الله عباده الله صوموا جوارحكم عن المنكرات، واستعملوها في الطاعات، تفوزوا بنعيم الأبد في قرار الجنات، والتمتع بالنظر إلى جبار الأرض والسموات.
وشهـر الـصـوم شاهـده عـلينا بأعمال القبائح والذنوبِ
فـيا رباه عـفـواً مـنك وألطف بفضلك للمجير والكئيب
وهذا الصوم لا تجعله صوماً يُصيِّرنا إلى نـار اللهيب
وقد قيل: ليس في العبادات أفضل من الصيام، لأنه باب العبادة. وقد جعل الله تبارك وتعالى هذا الشهر العظيم كفارة للذنب العظيم وليس في الذنوب إلا عظيم، لأننا إنما نعصي بها الرب العظيم. وقد قالوا لا تنظر إلى صِغر ذنبك ولكن انظر إلى من عصيت!!.
والحكمة في فرض شهر رمضان، أنَّ الله تعالى أمرنا أن نصوم فيه ونجوع، لأن الجوع ملاك السلامة في باب الأديان والأبدان عند الحكماء والأطباء. فما ملأ ابن آدم وعاءً شرّاً من بطنه، والحكمة ملك لا يسكن إلا في بيت خال.
وقد قيل شعراً:
تجوّع فإن الجـوعَ يُورث أهله عواقب خير عمّها الدهرُ دائمُ
ولا تكُ ذا بطن رغيب وشهوة فـتصبح في الدنيا وقلبُك هائمُ
مَرَّ الحسن البصري رحمه الله بقوم يضحكون فوقف عليهم وقال: إن الله تعالى قد جعل شهر رمضان مضماراً لخلقِه يستبقون فيه بطاعته، فسبق أقوام ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون وخاب فيه الباطلون.
أتى شهر رمضان، شهر الرحمة والغفران شهر البر والإحسان، شهر مغفرة الديّان، شهر العتق من النيران.
قـل لأهـل الذنـوبِ والآثـام قابلوا بالمتابِ شهر الصيام
إنه في الشهور شهرٌ جـليلٌ واجــبٌ حــقه وكـيدُ الزِّمام
شهر فيه جزيل الثواب، وهو شهر المتاب، لياليه أنور من الأيام، وأيامه مطهرة من دنس الآثام، وصيامه أفضل الصيام، وقيامه أجل القيام.
قال ابن الجوزي رحمه الله في كتابه “بستان الواعظين” عن شهر رمضان: شهرٌ فضّل الله به أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، شهرٌ جعله الله مصباح العام، وواسطة النظام، وأشرف قواعد الإسلام، المشرق بنور الصلاة والصيام والقيام.
في شهر رمضان أنزل الله كتابه، وفتح للتائبين أبوابه، فلا دعاء فيه إلا مسموع، ولا عمل إلا مرفوع، ولا خير إلا مجموع، شهرٌ السيئات فيه مغفورة، والأعمال الحسنة فيه موفورة، والمساجد معمورة، وقلوب المؤمنين مسرورة.
أيـن أهـلُ القـيـام لله دأبـاً بذلوا الجهدَ في رضا الجبار
أنتم الآن في ليال عـظام قدرُهـا زائــدٌ عــلى الأقــدار
إن الصوم ثلاثة: صوم الروح وهو قصر الأمل، وصوم العقل وهو مخالفة الهوى، وصوم الجوارح وهو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع.
الـصـوم جــنـة أقــوام مــن الـنـار
والصوم حصنٌ لمن يخشى من النار
والصومُ سترٌ لأهل الخـيـر كـلهم
الـخــائــفــيـن مـن الأوزار والـعـــار
فـصـام فـيه رجــالٌ يـربـحـون به
ثــوابــهــم مـن عــظيـم الشأن غـفار
فأصبحوا في جنان الخلد قد نزلوا
مـن بـيــن حــور وأشــجـار وأنهـار