رفضت القوات الباكستانية أي رضوخ للتهديدات الأفغانية، وأكدت أنها ستواصل عملية بناء الجدار على طول خط الحدود مع أفغانستان المسمى خط “ديورند” والبالغ 2000 كيلومتر، حيث أكد المسؤولون العسكريون أن عملية بناء الجدار لن تمنعها تهديدات الأفغان، ولا قصفهم على مناطق الحدود بينهم، وأنها ستحتفظ بحق الرد على مصدر نيران العدو ولن تتهاون معهم.
وكان مستشار الخارجية في الحكومة طارق فاطمي أكد أن بلاده لن تنجر إلى الحرب الأهلية في أفغانستان، ولن تتحول إلى جزء من الحرب أو طرف فيها بعد أن أخذ الجيش الأفغاني ومن خلفه مستشارون أجانب يعملون على توريطها فيها، وذلك من خلال عمليات القصف المتواصلة التي يقوم بها الجيش الأفغاني الجاثم على مقربة من منطقة “طورخم” الحدودية بين البلدين.
وأضاف طارق فاطمي القول: إن مصالح بلاده قد كشفت عن تورط مستشارين هنود و”إسرائيليين” في تحريض القوات الأفغانية وتوجيهها إلى الاستمرار في التصعيد، وإن هناك عشرات المستشارين من “إسرائيل” والهند يقومون بتوجيه الجيش الأفغاني في خوض معركته مع القوات الباكستانية وتوسيع رقعة المواجهات وتحويل المنطقة إلى ساحة حرب حقيقية.
تفجير المنطقة
تقول الحكومة الباكستانية: إنها تعرفت على هوية الضباط من “الموساد” والجيش الهندي، ولديها معلومات مؤكدة على دورهم في تفجير الوضع الأمني على الحدود.
وتقول إسلام آباد: إنها تعرفت على الضباط “الإسرائيليين” وأغلبهم يحملون الجنسية الأمريكية إلى جانب هويتهم الأصلية، ويحملون الشارات الأمريكية، لكنهم يتحدثون بالعبرية مع قيادتهم في “إسرائيل” وعواصم غربية، وإنهم ظلوا يعملون في العاصمة كابول وفي مناطق أخرى من أفغانستان، لكنهم اليوم يتواجدون بكثافة على خط طورخم الحدودي، ويقومون بمهمة الضباط المستشارين للجيش الأفغاني، ويمدونه بالتوجيهات لمواجهة الوضع على الحدود وطريقة التعامل مع باكستان، ويعمل إلى جانبهم وفي صفوف الجيش الأفغاني العشرات من الضباط التابعين لجهاز “راو” الهندي، ويقومون بدور الموجه للجيش الأفغاني في كيفية التعاطي مع الوضع الحدودي والتعامل مع القوات الأفغانية، وتتحدث المصادر الباكستانية أن الضباط “الإسرائيليين” والهنود قد شكلوا مع ضباط أفغان خلية أزمة ولجنة للتشاور بينهم والتخطيط لطريقة التعامل مع التصعيد الحدودي الذي يبدو أنه سيطول أكثر، وسيتمدد ليتحول إلى أزمة حقيقية قد تنسف بالاستقرار في المنطقة، خاصة بعد أن أعلن الجيش الباكستاني أنه سيصعد مع الأفغان وسيلقنهم درساً لن ينسوه.
ويقول متابعون: إن البداية الحقيقية لتواجد هؤلاء المستشارين كانت بعد تشكيل أول حكومة أفغانية بقيادة حامد كرزاي في عام 2002م، فبعد أن وصل أكثر من 160 ألف جندي أجنبي إلى أفغانستان يمثلون دول الحلف الأطلسي، كانت “إسرائيل” حاضرة بكل قوتها عبر عشرات المستشارين العسكريين، ووصلت بها الحال أن عينت ضباطاً من “الموساد” ليعملون إلى جانب القوات التي كانت ترافق الرئيس حامد كرزاي وتقدم له النصح والتوجيه في خططه العسكرية والأمنية ضد خصومه من “طالبان” وغيرها، وكان أول اعتراف بوجود هؤلاء الضباط في عام 2004م بعد تفجير تعرض له فندق سرينا في وسط العاصمة كابول، وقتل وجرح فيه عدد من الضباط من جهاز “الموساد الإسرائيلي” بعد أن ظهرت أسماؤهم في وسائل الإعلام، وتبين أنهم كانوا مزدوجي الجنسية، وكان أغلبهم يحملون الجنسية الأمريكية إلى جانب جنسيتهم، بينما كان آخرون يحملون جنسيات دنماركية وسويسرية وبريطانية.
وتحت نظرية التجربة الطويلة لـ”الإسرائيليين” في مواجهتهم الوضع في فلسطين ومواجهتهم للمقاومة الفلسطينية؛ قدموا تجاربهم للحكومة الأفغانية في طريقة القضاء على المقاومة “الطالبانية”، وإفشالها عبر دورات تدريبية خاصة للضباط الأفغان، خاصة قوات النخبة، وكان التواجد” الإسرائيلي” قد تم التعرف عليه بشكل أكبر في منطقة جبل السراج بالقرب من العاصمة كابول هي مقر للمخابرات السوفييتية في عهد احتلال السوفييت لأفغانستان، وتحول بعدها إلى مقر للمجموعات المناوئة لـ”طالبان”، ثم جرى تحويله بعد الغزو الأمريكي إلى أفغانستان إلى معقل رئيس للمخابرات الأمريكية لحصانته وموقعه الإستراتيجي ليتحول فيما بعد إلى مقر عام لقادة المخابرات الغربية المشاركة في الحرب بأفغانستان منذ احتلالها عام 2001م، وما زال يؤدي دوره وإن تراجع اليوم، ونسق فيه ضباط من “الموساد” مع نظرائهم في وكالة المخابرات المركزية وأجهزة بريطانية وفرنسية، وظلوا يقدمون التوجيه للحكومة الأفغانية ولقواتها الوليدة للتعامل مع المسلحين ومع أنصارهم في طريقة إضعاف المقاومة وتجنيد عملاء لهم بين المقاومين.
هذا إلى جانب استغلال خط “ديورند” بين البلدين لتحويله تحت نظرية “فرق تسد” وإبقاء البلدين؛ بالتالي في حالة حرب على الدوام وغيرها من الوسائل الاستخبارية التي ظهر في الأخير وبعد مرور 14 عاماً أنها لم تستطع النيل من إصرار المقاتلين الأفغان في تحرير بلادهم وإخراج المحتلين منها وتركهم يديرون شؤونهم بأنفسهم.
أما الجانب الهندي، فهو ليس بالأمر الجديد على الأفغان وعلى المنطقة وعلى باكستان فقد كانوا سباقين في كل شيء ورافقوا القوات الدولية وهي تدخل أفغانستان وتحتلها في نهاية عام 2001م، وقررت الهند منذ تنصيب حكومة حامد كرزاي في ولايته الأولى فتح قنصليات في مختلف أقاليم أفغانستان والمدن الكبرى تحديداً وحولتها إلى مقرات لضباط المخابرات الهندية التي استغلتها في منع الأفغان من تبني أفكار “طالبان” وقامت تحرضهم على كراهية المشروع الديني لـ”طالبان”.
ثم تحولت هذه المهمة إلى النيل من باكستان الجارة التي اتهمتها بأنها تقف وراء المقاتلين “الطالبانيين”، وسخرت كل وسائلها لتجنيد عملاء بها يعملون في باكستان ويشاركون في هجمات إرهابية ويعرضون الاستقرار في باكستان لخطر كبير.
ومارس الهنود دوراً رئيساً في تفجر ثورة الانفصاليين في عام 2006م في بلوشستان الباكستانية، حيث تحولت قنصلية الهند في قندهار إلى معسكر تدريبي ولوجستي للانفصاليين، يتم تجنيدهم وتدريبهم وتمويلهم ثم إرسالهم في مجموعات إلى بلوشستان الباكستانية من أجل إكمال مشروعهم الانفصالي وتعريض التراب الباكستاني للخطر، وأدى المستشارون الهنود من رجال المخابرات دوراً مهماً في منع أي تقارب بين القبائل الأفغانية وحركة “طالبان”، واستخدموا المال كسلاح رئيس مع زعماء القبائل وقادتها مقابل محاربة “طالبان”، والتحريض عليها وعلى كراهية باكستان، واعتبارها العدو الأخطر على أمن أفغانستان واستقرارها ووحدتها.
ويقول المراقبون: إن الدور الذي قام به كل من المستشارين “الإسرائيليين” والهنود في تحريض الجيش الأفغاني على إطلاق النار تحت حجة محاربة الإرهاب ومنع ترسيم حدود متنازع عليها قائلين لهم: إن خط “ديورند” الشهير قد يكون مهدداً إن هم تسامحوا مع الباكستانيين وتركوهم يبنون جدارهم الفاصل.
ويقول الباكستانيون: إنهم اتفقوا مع نظرائهم الأفغان في شهر مارس 2016م على بناء الجدار بعد استمرار الهجمات على الجامعات الباكستانية ومقتل الطلاب وتعاطف الأفغان في هذه المسألة، وقرروا السماح ببناء جدار في المناطق التي يسلكها المسلحون ويتنقلون بينها لتعريض أمن باكستان للخطر، واتفقوا على أن يبنى الجدار في المنطقة الحدودية على أن يعود البلدان للحديث عن حدودهما ورسمها بعد أن يستقر الوضع في المنطقة.