يبدو أن السلطات الجزائرية أدركت أخيراً الخطر الداهم جراء المخططات الطائفية وحملات التشيع “الناعمة” التي تجري بعيداً عن الأضواء ورقابة الدولة، تحت قيادة ورعاية دبلوماسيين ومتشيعين يعملون في سفارات أجنبية ويتسترون وراء جوازهم الرسمي الأحمر، حتى باتت ممارساتهم اليوم تصب في سياق يهدد الوحدة المذهبية السُّنية للشعب الجزائري، الذي لم يألف مثل هذه العقائد الوافدة إلا في السنوات القليلة الماضية، ويقف الآن في وجهها مستميتاً في الدفاع عن مذهب أهل السُّنة والجماعة، الذي تدين به الغالبية الساحقة من الجزائريين منذ الفتح الإسلامي للجزائر.
ففي خطوة جديدة لصد هذه الحملات المشبوهة، أعلن وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، لدى مثوله أول أمس الإثنين أمام أعضاء مجلس الأمة الجزائري، أن وزارته تنسق مع مصالح وزارة العدل، من أجل إصدار قانون جديد يجرم نشر التشيع والتشدد الديني وأي عقيدة أخرى خارج المرجعية الدينية المالكية المتبعة في الجزائر، بهدف حماية الوحدة الدينية للجزائريين من الانحرافات النحلية، موجهاً في ذات الوقت تحذيرات شديدة اللهجة لكل من يمارس التشييع بالإغراء أو تكوين جماعات لها ولاءات للخارج بهدف المساس بالأمن القومي.
وقال محمد عيسى للصحفيين الذين طرحوا عليه أسئلة تتعلق بحملات التشيع التي تستهدف البلاد وتهدد أمنها: الحكومة تتوجه نحو إنشاء مرصد وطني للانحراف الفكري والتشدد الديني، بالتنسيق مع وزارة العدل، كما أضاف بأن قطاعه سيحارب ويجرم ويقترح إجراءات ردعية لكل من تسول له نفسه تضليل الجزائريين بأفكار دخيلة.
وبخصوص الخطوة الغريبة التي اتخذتها السفارة العراقية بالجزائر، بعد نشرها إعلاناً على موقعها الإلكتروني الأسبوع الماضي، دعت فيه الجزائريين إلى زيارة كربلاء والنجف، في إطار زيارات سياحية دينية تتضمن تسهيلات مغرية تقدمها السفارة لكل من يرغب في الزيارة وإقامة طقوس الشيعة، قال وزير الأوقاف الجزائري: إنه سيسأل السفير العراقي حول الموضوع ومعرفة المزيد عن خلفيات هذه الخطوة، خصوصاً وأن نشطاء جزائريين شنوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تندد بالإعلان وتهدد بالتظاهر أمام السفارة العراقية؛ مما اضطر هذه الأخيرة إلى سحب الإعلان على وجه السرعة.
ويتهم علماء وأئمة وإعلاميون جزائريون سفارة إيران بسعيها لنشر التشيع في أوساط الجزائريين، من خلال ملحقها الثقافي أمير موسوي، الذي سبق له وأن أعلن رغبة إيران في فتح مراكز ثقافية إيرانية في المدن الجزائرية الكبرى لاستقبال مثقفيها ومفكريها وفنانيها، إضافة إلى نشاطاته المشبوهة لرعاية التشيع من خلال ضخ أموال كبيرة لتمويل هذه النشاطات وتوزيع المنح والتأشيرات لزيارة إيران والدراسة في حسينياتها؛ ما أدى إلى اندلاع موجة غضب شديدة وإطلاق حملة إلكترونية تطالب السلطة الجزائرية بطرده من البلاد.
كما سبق أيضاً لمقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري في العراق، أن وجه رسالة إلى شيعة الجزائر العام الماضي، دعاهم فيها إلى الجهاد وعدم التقوقع والخوف من الثلة الضالة في الجزائر، التي يقصد بها أهل السُّنة، وهو ما يؤشر على وجود تحالف قوي بين الأطياف الشيعية المختلفة، خصوصاً العراقية والإيرانية، يهدف إلى نشر مذهبهم وتقويته في الجزائر خدمة لمخططات التوسع والتغيير الديمجرافي على أساس مذهبي ولاؤه لسلطة الفقيه في إيران.
وبحسب تقديرات غير رسمية، فإن عدد المتشيعين في الجزائر لا يتجاوز 3 آلاف شخص (عدد سكان الجزائر 40 مليون نسمة)، ينحصرون في مناطق معينة، ويتم تشييعهم غالباً بمخاطبة عواطفهم ونزواتهم وتقديم الإغراءات المادية وتزويجهم على أساس طائفي لتقوية مذهبهم، وكذلك عن طريق الفضائيات الشيعية التي لا تكف عن بث سمومها وتحريضهم على الخروج للنشاط العلني، تحت مظلة الدعم الدبلوماسي والإعلامي، وهو ما لمسه الجزائريون في عديد المرات، من خلال ظهور بعض المتشيعين منهم على فضائيات شيعية إيرانية وعراقية، وتفكيك مصالح الأمن لمجوعات منهم قامت بإنشاء حسينيات وبث طقوسهم على مواقع التواصل الاجتماعي لاستمالة القصر وضعاف الإيمان، فيما يذهب بعض المحللين إلى الاعتقاد بوجود حالات تجنيد لبعض المتشيعين الجزائريين للقتال في صفوف المليشيات الشيعية في العراق وسورية واليمن.