بلغني خبر اعتقال الداعية الأردني الشاب د. أمجد قورشة لدى وصولي لمرحلة نهائية من دراسة حول أولويات واهتمامات الشباب، وممَا أثاره من تساؤلات: كيف غدت النظرة إلى الشباب على أنهم أزمة؟ بعدما أصبح البحث عما يرتبط بمشكلات الشباب أكثر عشرين مرة من إنجازاتهم، كما بيّنت دراسة «الشباب في المملكة العربية السعودية» إصدار مركز قراءات لبحوث الشباب، بالإضافة إلى ربطهم بالتطرف والإرهاب، وقد عُقد مؤخراً مؤتمرٌ حمل عنوان «الشباب والتطرف»، ونفذت عشرات الدراسات والبرامج والأنشطة التي جعلت أكبر أهدافها الحيلولة بين الشباب والتطرف!
ولما كان الوصول للشباب والتأثير فيهم من أبرز مجالات التأثير التي لم يتقنها إلا قلة من الدعاة، ومنهم د. قورشة – والذي لا أعرفه شخصياً – تبرز العملة النادرة لأولئك الذين سدُّوا هذه الفجوة مع الشباب وجعلوا الاستماع إليهم من أولويات واهتمامات الشباب الذين تميل طبيعتهم إلى الترفيه وحرق أوقات فراغهم بشتى الأدوات والوسائل.
ولا يخفى أن بعض الدعاة الذين عرفوا لغة الشباب وزاد تعلقهم الافتراضي بهم عبر وسائل التواصل المتنوعة اكتسبوا قوةً وتأثيراً وأتباعاً تعادل ما حظيت به مؤسسات شبابية رسمية قائمة بذاتها وبميزانياتها الضخمة، فتجد المتفاعلين مع دعاة الشباب غير الرسميين والمستقلين أضعافاً مقارنة بغيرهم من وزراء الأوقاف ودعاة التلفزيونات الرسمية، ولذا غدت بعض الجهات الحكومية الواعية تستخدم أو تستثمر –بحسن أو سوء نية- أمثال هؤلاء من دعاة الشباب في برامجها ونشاطاتها، والنظر إليهم كمكمل لدورها في ضبط حماس الشباب، ومسك العصا من المنتصف بدل مواجهتهم ومحاولات صد الشباب عنهم بتشويه سمعتهم.
للأسف، فإن الذين يقررون سياسات المواجهة مع الدعاة بحجة تحصين الشباب من التطرف لا يدركون طبيعة الشباب المتمردة والهاوية والميًالة لمن يتمسك بمواقفه ومبادئه ثم يتوِّجها بتضحياته! ولا يدركون أن السجن فيه من المنح بقدر ما فيه من المحن للداعية، ولكنه يترك أثراً وألماً قد يصنع متطرفاً ممن اعتقل، ومتطرفين صامتين أو فاعلين من الشباب هنا وهناك!
لم يعد من السهل إقناع الشباب بأن اعتقال فلان أو علان هو من أجل موقف بسيط مناهض لقرار أو سياسة حكومية، إذ يوجد الآلاف ممَن يشتركون مع الداعية في الموقف نفسه؛ ولكن يبدو أن الرسالة المؤلمة التي يراد إيصالها لأعماق نفوسنا مع اعتقال كل داعية: إيّاك أن تصبح قائداً مؤثراً دون أن تسير في فلك الحكومات وتسبح بحمدها.