قد يبدو هذا المنشور غريبًا على طبيعة صفحتي وما أنشره فيها، لكنني قد تأثرتُ في إقدامي عليه بصديق مقرب إلى نفسي، وهو لن يحب أن أسميَه، فمع إغراق علاقتنا في العلمية والدراسية والفكرية كان بين الحين والحين يفاجئني بل يذهلني بنصيحة بعيدة كل البعد، وقال ذات مرة: إذا كنتُ أرى أن شيئًا سيضرك وأرى أنني أملك معلومةً لرفع هذا الضرر، فكيف لا أنصحك؟! فما وجدتُ غضاضة من تقديم نصحٍ لإخوتي يكون لي الأجر فيه وإن لم يتوقعوه مني.من الثلاثين إلى الأربعين، هذه السن -كما هو معروف- نمر فيها بتحولات يشعرها المرءُ ولا يتحدث فيها غالبًا، فهي مرحلة الانتقال من قابلية التغير السريع والسهل إلى الاستقرار، ويندر من يتجاوز الأربعين على حال من نفسٍ أو هيئة ثم يتغير، والكلام على تلك السن وتلك الانتقالات يطول ولا يُحتوَى في في مقالات طوال فضلًا عن منشور لطيف.. لكن من أكثر التغيرات جذرية هي ثبات هيئة الجسم وحصول زيادة الوزن، وهذا ربما لا يؤثر نفسيًّا في قطاع كبير من الناس نظرًا إلى خمول النفس وعدم استشعار الفرق بين نشاط الشباب وما حصل لهم من ثقل وصعوبة حركة.
أما عند من يستشعرون الفرقَ ولا يتنازلون عن فَوْرتهم وقوتهم الشبابية ويضيرهم ويغضبهم أن يلاحظوا أثر المرحلة فإنهم لن تطيق نفوسُهم! ويمكن تحويل هذا الغضب والضيق إلى عمل إيجابي.. وهذا ما قمتُ به كسرًا لتلك التغيرات، وغضبًا عليها، وألزمتُ نفسي بساعاتٍ من قيادة الدراجة في كل يوم، وتنظيم الغذاء، وتجنب ما لا يفيد منه، وكذلك وجبات المطاعم فهي شديدة الدسامة، وأكثرتُ من الخضروات والنبات بشكل عام، وأحضكم على فعلِ مثل ذلك فقد ظهر أثرُهُ في أقل من شهر، وانعكس الأثر الإيجابي لذلك على كافة الأركان النفسية والبدنية الأخرى دون استثناء.. والحمد لله على نعمته..
كان والدي رحمه الله من المعتنين بالطب الطبيعي والصحة البدنية من باب الهواية، ومما تعلمتُه من بعض كتبه وانحفر في نفسي منذ صغري، أن الإنسان لا يشعر في فورة شبابه أو مراهقته بما يستهلكه من جسده لأن قوته الوافرة تغطي كل نقص، لكنه سيتفاجأ عند الأربعين بكل ما استهلكه وأتلفه، وسيبدأ الانهيار.
تذكر : في الغالب ستثبت عاداتُك بعد الأربعين، فأقبل عليها بما ترتضيه، وأي انهيار عندها فهو لن يتوقف، فما تغتنمه من العادة قبلَها فقد ربحتَه.