لم يفكِّر أحدٌ في أجواء هذه المحنة الرهيبة التي تُحيط بالإسلام في غزة ممن جاورها وسكن في البلدان المحيطة بها، أن يسترجع وفاءً لله سبحانه ولكتابه العزيز ما لغزة من فضلٍ غامرٍ على بقاء الجزيرة العربية وبقاء مكة المكرمة، وبقاء قريش وبقاء الحياة كلها في أصلاب الأجداد.
لم يفكِّر أحدٌ في أجواء هذه الأزمة الرهيبة أن يتوقف أمام قوله تعالى: ﴿لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)﴾ (قريش)، وأن يتوقف أمام عطاء هذا النص، لا سيما في ختامه وهو يجلِّي نعمة الله الكبرى في استنقاذ العرب بسببٍ من الطعام الذي يسَّر السبل إلى الحصول عليه، وقريش يومئذٍ أرض غير ذي زرع، وكان أمر أمنها الغذائي توفِّره رحلة الصيف إلى غزة.
ولم يراجع أحدٌ في هذه الفتنة العمياء ما كان لغزة من فضل حماية العرب وحماية الأمة من جوعٍ مُهلِكٍ مُضْنٍ.
لقد كانت غزة سببًا في استبقاء الحياة في هذه الديار التي احتضنت الدعوة الإسلامية، تقول أدبيات السيرة النبوية المشرفة في غير ما موضع: إن غزة كانت مخزن طعام أهل مكة، وكان ساداتها يمارسون التجارة برؤوس أموال مرتفعة جدًّا مع هذا الإقليم الذي يتعرَّض لأكبر جريمة إبادة في التاريخ، وأكبر عملية تجويع تهدف إلى استئصال أبنائها من الوجود.
يقول الواقدي في كتاب “المغازي” (تحقيق مارسون جونس، عالم الكتب، بيروت 1404هـ/ 1984م، ج 1، ص 28) في سياق الحديث عن بدر: كان لبني عبد مناف فيها عشرة آلاف مثقال، وكان متجرهم إلى غزة من أرض الشام.
وفي هذا النص الذي يتوافر في أدبيات التاريخ العربي القديم شاهد عدل على فضل غزة على الأمة على امتداد التاريخ، وهو ما سطَّره الكتاب الكريم، وعلى الأجيال المعاصرة اليوم أن تعرف هذه المناقب لغزة معرفةً عمليةً تُعين على الحفاظ عليها، والدفاع عنها، وحماية المرابطين فيها.
لقد كانت غزة مطعم قريش؛ من خيرها نبتت أجسام الكرام من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يجوع أصحاب هذا الفضل السابغ على الأمة اليوم؟! كيف جاز لأحد أن يغفل عن هذا التاريخ النبيل لغزة ويشارك بلا مسوِّغ من دين أو قانون أو أخلاق في تجويع قوم طالما أشبعوا الأمة وحنوا على حياتها فيما يذكره الله تعالى لها؟! كيف جاز لأحدٍ أن يجوِّع المرابطين والمجاهدين الذي طالما امتدَّت أيدي أجدادهم بالحياة إلى أجداد الأمة كلها؟!
امنعوا الشيطان من أن يسكن غزة؛ حتى يديم الله سبحانه على الأمة نعمة حفظ حياتها.
امنعوا الشيطان من أن يسكن غزة؛ حتى يتيسر السبيل إلى حياة آمنة كما كانت فيما عرفه القرآن الكريم لغزة قديمًا، فيما جاء من أخبار فضلها بما كانت تحقِّقه لمكة وللأمة عبر رحلة الصيف.
امنعوا الشيطان أن يسكن غزة؛ حتى لا يتهدد أمن أمتنا بما يجنيه من خيرها إن هو غلب عليها.
امنعوا غزة واحموا أرضها، وباركوا جهاد أبنائها المجاهدين المرابطين المقاومين الذين يقدمون لكم الحياة بما يبذلونه من دمائهم الطاهرة.
امنعوا الشيطان من أن يسكن غزة باسم مناقبها التي خلَّدها القرآن الكريم، وباسم الحضارة التي أمدَّت بها أمتنا وباسم النعمة التي منَّ الله بها على قريش حين أطعمهم من جوع، وكان سبيل تحقيقه عبر غزة في رحلة الصيف المذكورة في الذكر العزيز.
امنعوا الشيطان من أن يسكن غزة باسم كل أنبياء الله الكرام الذين دبوا على أرضها الطاهرة المباركة.
امنعوا الشيطان من أن يسكن غزة باسم الحياة الكريمة التي لن تتحقق أبدًا في ظل الشيطان إن تغلَّب عليها.
امنعوا الشيطان أن يسكن غزة بكل القوة التي تكرهون بها العبودية والعنصرية؛ لأن الشيطان يريد أن يستعبدكم من وراء تدميره غزة.
امنعوا الشيطان من أن يسكن غزة باسم العيون المتطلعة إلى الاكتمال بمرأى المسجد الأقصى؛ فهي السبيل إليه.
امنعوا الشيطان من أن يسكن غزة باسم مئات الصحابة وآلاف التابعين من عاشوا على أرضها ودفنوا في بطنها.
أرجوكم.. أعينوا المجاهدين هناك لكي يمنعوا الشيطان من أن يخرِّب حياتكم.
أرجوكم.. امنحوا المجاهدين المرابطين المقاومين بكل الذي يُعين على رجم الشيطان هناك واستئصال شأفته إلى الأبد.
أرجوكم.. مُدُّوا أياديَكم بكل ما يمنع تقدُّم الشيطان من حياض نبيكم وتهديد حياة منبع النور الذي شهد تنزل الوحي الكريم.
أرجوكم.. ارجموا الشيطان قبل أن يمحوَكم.
أرجوكم.. امنعوا غزة واحموها حتى لا تُعينوا على تكذيب الله تعالى.
المصدر: الصفحةالشخصية للكاتب على “الفيسبوك”.