مقدمة
1- حينما أتكلم هنا أو في أي مكان عن الإخوان فلا يعني هذا أنني منتمٍ سياسياً للإخوان المسلمين، فأنا مازلت عروبي الهوى والهوية، ما لم تتقاطع العروبة مع الدين عندها يتقدم الدين على ما سواه.
2- وحينما أتكلم عن الإخوان فلا أقصد ذلك التنظيم الحركي السياسي الذي له مرشد وبيعه، إلخ، وإنما أقصد المنهج الوسطي العصري الذي تبناه الإخوان المسلمون وخدموا بموجبه الدين الإسلامي حينما قدموا الدين على أنه نظرية ومشروع ومنهج لبناء الإنسان والأوطان، وفرقوا بين التدين والتطوع الشخصي الذي يخص الشخص بذاته مثل المظاهر الشخصية، وبين الإسلام كنظام سياسي واقتصادي واجتماعي كنظرية مستقلة عملاقة توازن بل تتفوق على الرأسمالية التي انتصرت وعمرت الكون وأطلقت مجموعة مبادئ إنسانية وبنت مجتمعات راقيه.
ولأن الإخوان المسلمين أول من قلب في الكتب والمراجع القديمة واستخرج منها هذا المنهج، فقد أصبح يعرف بهم كمنهج إسلامي.
ولأنه عصري وفطري وإنساني فقد اكتسح شعوب الأمة الإسلامية.
وهذا المنهج ليس ابتداعاً في الدين لا من حيث العقيدة ولا من حيث أصول أهل السُّنة والجماعة، وهو مشعل الأمة الإسلامية وجذوة وجودها الذي يأبى الموت، ويأبى التهميش والتغييب والتحوير والذوبان، وهو التعبير عن منهج أهل السُّنة والجماعة الذي يعتمد على التوحيد الخالص من أي عبودية إلا لله وحده، هذا المنهج الذي تناقلته أجيال المسلمين بمختلف عصورهم مروراً بالإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب حتى وصل إلى الإخوان المسلمين.
وفي الموضوع
1- يمكننا القول: إن المملكة تواجه اليوم أعتى وأشرس حملة تحدٍّ في تاريخها ولأول مرة من نوعها، وهي حملة تستهدف تجريدها من مركز قيادة العالم الإسلامي، وعزلها مذهبياً عن أهل السُّنة والجماعة، وتحميلها بعد ذلك مسؤوليات “الدواعش” والإرهاب الدولي، وقد عبر مؤتمر الشيشان عن هذا الاتجاه الدولي وهذه المنهجية الخطيرة التي يجب أخذها بجدية تامة ومواجهتها بمنهجية مختلفة كلياً عن منهجية الدفاع الحالية، وهذا المؤتمر لن يكون الأخير، وهو أخطر بكثير من كل حملات إيران وأتباعها الصفويين.
2- وفي مواجهة صريحة مع الواقع يمكنني القول: إننا بسياستنا السابقة نحن من قدم أفضل الخدمات لمن يريدون اليوم عزلنا عن أهل السُّنة، وخطة هذا العزل قديمة بدأت منذ ابتلعنا طعم عداوة الإخوان، وسمحنا لأدعياء السلفية وأتباع الشيخ الجامي بتقديم طرح يشكك في عقائدهم ويحاول إسقاطهم، عند ذلك أقمنا أول سياج لعزلنا، ولم ننظر للجانب الإيجابي وهو أن الإخوان المسلمين ليسوا إلا امتداداً وتطويراً لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي ترتكز على التوحيد وتمثل منهج أهل السُّنة والجماعة؛ وبالتالي فنحن والإخوان شركاء عقيدة ومنهج، ولو دعمناهم دولياً لما نجحت الثورات المضادة لـ”الربيع العربي”، ولأصبحت كل دول “الربيع العربي” معنا قلباً وقالباً، ولأصبحت جامعة الدول العربية معنا ولأصبح لدينا قوة عالمية تفوق أعتى سلاح.
3- ابتلعنا الطعم مرة أخرى حينما أخذنا إشاعة رغبة الإخوان في الحكم بجدية وصدقناها، ثم بنينا موقفنا على هذا الأساس، مع أن هذا الزعم لا أساس له من الصحة لسبب بسيط وواضح وهو أنه لا يوجد لدينا مجال لذلك لعدم وجود أحزاب سياسية، ولأن نظامنا الأساسي للحكم – وهذا هو المهم – نص على “الكتاب والسُّنة وأنهما الحاكمان”، وأن تكون الأنظمة متفقة مع الكتاب والسُّنة، وهذا جوهر طلب الإسلام السياسي الوسطي الذي اختارته شعوب الأمة العربية، والذي تم حربه بوصفه منهج الإخوان المسلمين.
4- ولأننا حينما اعتبرنا الإخوان خصوماً وأعداء لم نقدم بديلاً مقبولاً لدى شعوب العالم الإسلامي، بل ولا حتى مقبول داخل المملكة، وكل ما قدمناه هو اتجاه جديد سمى نفسه بالسلفية، أطلقه الشيخ الجامي ثم تبناه من أطلق الناس عليهم الجامية أو أدعياء السلفية، وهؤلاء يقدموننا على أننا في المملكة نحن الفرقة الناجية، ويضعون أكبر مكون سُني وهم الإخوان المسلمون في سلة واحده مع الصفويين والخوارج، دون أدنى دليل يحترمه المجتمع المحلي والإسلامي ونستطيع من خلاله رفع راية أهل السُّنة والجماعة.
وهذا المنهج هو أكبر كارثة بالنسبة لنا في المملكة كونه يقدم أكبر هدية لخصومنا لعزلنا عن محيطنا السُّني الواسع.
وهو أكبر كارثة من ناحية الأمن الفكري؛ لأنه يقدمنا في المملكة على أننا الفرقة الناجية مستبعداً الإخوان المسلمين الذين يتبنون الوسطية، وبذلك فهو يضع بذرة التكفير، وهو معيار “الفرقة الناجية” كهدف للشباب يبحثون عنه، فيأتي “داعش” و”القاعدة” وكل متطرف ليقنعوا هذا الشباب أنهم هم الفرقة الناجية، وهكذا.
وعلى هذا الأساس فهم يقدّمون الدليل تلو الدليل على عزلنا عن محيطنا الواسع، ويقدّمون الدليل كذلك على تحميلنا مسؤولية منهجية التكفير؛ ومن ثم الإرهاب الذي يقوم به “الدواعش” وغيرهم.
5- إن اتحاد واندماج المملكة مع الإخوان المسلمين ودعمهم واستقطابهم كمنهج إسلامي وسطي سيمكّن المملكة من مواجهة الاتجاه لعزلها، وسيمكّنها من التصدي لكل الحملات المغرضة ضدها خاصة تلك التي تقودها إيران، وسيمكنها من إقامة أكبر تجمع إسلامي سُني وسطي ذي منهج مقبول بل ومطلوب لشعوب الأمة الإسلامية، آخذين بالاعتبار ما يتميز به الكثيرون ممن ينتمون إلى هذا المنهج الوسطي من كفاءات في كافة المجالات.
6- التاريخ يعيد نفسه، ولكن هذه الكرة أشرس بكثير من سابقاتها، ففي عهد الملك فيصل رحمه الله واجهت المملكة تحدي وجود وبقاء على يد عبدالناصر، لكن الملك فيصل رحمه الله واجه هذا التحدي باحتضان الإخوان المسلمين، بعدها احتضنه العالم الإسلامي حينما دعاهم إلى مؤتمر مكة عام 1962م، فتنادوا استجابة للفيصل وأطلقوا رابطة العالم الإسلامي والتي خدمت الأمة الإسلامية بمنهجها الوسطي وأنشأت مؤسسات كبرى منها هيئة الإغاثة الإسلامية ومجمع الفقه، وغيره الكثير، وبإمكان المملكة دعم وإعادة الحياة إلى هذه المنشأة (رابطة العالم الإسلامي) لتكون نداً قوياً لهيئة الأمم المتحدة.
7- حينما احتضن الملك فيصل الإخوان المسلمين وأكرم علماءهم ودعاتهم وتبنى منهجهم لم يجرؤ عبدالناصر وقتها على استخدام الأزهر لعزلنا، رغم موقع الأزهر الشريف من الأمة الإسلامية، فنحن أهل السُّنة والجماعة ومعنا علماء الأمة.
8- حينما عادينا منهج الإخوان وحاربناهم فقدنا أفضل أوراقنا على طاولات المفاوضات، وخسرنا مواقع كثيرة وتأثيراً كبيراً في اليمن ولبنان وسورية ومصر، وفتحنا المجال واسعاً جداً للنشاط الإيراني والذي لا يقف في وجهه سوى الإخوان بفكرهم الوسطي العصري المعتدل، وإرثهم الثقافي العظيم، وأدبياتهم التي نشأ عليها ملايين المسلمين.
9- هذا الفكر الضيق السطحي الإقصائي الذي نتبناه اليوم، والذي يدّعي أصحابه أنهم هم السلفيون والذين لا هم لديهم ولا مشروع ولا قضية إلا الطعن وتهميش وإسقاط أكبر مكون سُني، هؤلاء يقدّمون كل يوم وفي كل مناسبة ومنبر الدليل والحجة لعزلنا، ولن يخدم هذا المنهج الضيق المملكة في سياستها الخارجية فضلاً عن كونه غير مقبول داخل المملكة.
10- إن قوة المملكة وسلاحها الناعم في مواجهة كل هذه التحديات ليس في البترول ولا في الاقتصاد أبداً، بل في نعمة وشرف خدمة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، وهذا الشرف يمنحها فرصة قيادتها للعالم الإسلامي، وهذه القيادة والريادة لن تتم طالما نستبعد أكبر مكون إسلامي سُني، ولنا عبرة بسياسة الملك فيصل رحمه الله.
11- إنه لا يمكن عقد مؤتمر ناجح وفعّال باسم أهل السُّنة والجماعة ويكون مقبولاً لدى الشعوب الإسلامية ويحظى باحترام دولي ما لم يُمثَّل فيه الإخوان المسلمون، ولا يمكننا ذلك ونحن نصنفهم إرهاباً.
12- نختم هذه الفقرة بالإشارة إلى ممن يساهم ويساعد الأعداء والخصوم على عزلنا، هم أولئك الذين لا هَمَّ لهم إلا شتيمة الإخوان في كل مناسبة، ولا مشروع فكرياً لديهم سوى إسقاط الإخوان، بعضهم صحفيون، وبعضهم كتَّاب أعمدة تحت مسمى كتَّاب رأي، وبعضهم يعرفون أنفسهم على أنهم خبراء في الجماعات الإسلامية ويكتبون في الصحف بكتابات فارغة المضمون تكرر فكرة واحدة وهي ربط الإخوان بـ”الدواعش” و”القاعدة” ويتسابقون إلى القنوات الفضائية بهذه الصفة ويكررون نفس الأفكار، هؤلاء كلهم يتصورون أنهم يسقطون منهج الإخوان في نظر الشعوب ومنهم شعب المملكة ويعزلونهم، ولكن الحقيقة التي لا تغطيها الشمس وأثبتتها الوقائع أنهم يعزلون أنفسهم ويعزلوننا معهم عن محيطنا السُّني الكبير، وهم ليسوا إلا خسارة صافية على المملكة.
من سيقاوم احتواء المملكة للإخوان؟
1- أول من سيقاوم هذا الاتجاه هم من سيفقدون أعمالهم التي يقومون بها بشكل وظيفي، وتعتمد على تحميل الإخوان المسلمين كل مشكلات العالم الإسلامي من إرهاب وحروب وتشريد، وتنسب لهم دون دليل كل الجماعات المتطرفة من “قاعدة” و”داعش” وحتى “بوكو حرام”.. إلخ، وعلى رأس هؤلاء من أطلقوا على أنفسهم خبراء في الجماعات الإسلامية أو باحثين في الجماعات الإسلامية، وما أكثر هؤلاء الخبراء والباحثين تجدهم بالعشرات حول كل جهة تتبنى عداوة الإخوان، كما تجدهم في الصحف والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكلهم يقومون بمهمة واحدة وهي تجريم الإخوان والطعن فيهم وربط التطرف و”الدعشنة” بهم، وهؤلاء الخبراء أو الباحثون لم يمنحهم أحد ذو قيمة هذا الوصف، بل هم منحوه لأنفسهم، وهو لا يحتاج إلى شهادات علمية أكاديمية، وكل ما يحتاجه ذمة واسعة جداً تستوعب الظلم، وصفاقة تساعده على ابتلاع احتقار الناس واستهجانهم لما يطرحه من اتهامات كبيرة بلا دليل.
هؤلاء سيقاومون التوجه حفاظاً على وظائفهم والمكافآت التي يحصلون عليها مع كل مقال أو مقابلة.
2- سيقاوم هذا الاتجاه إعلام كامل تقوده اليوم قنوات محسوبة على الدولة بطريق غير مباشر، وإعلاميون وقنوات فضائية.
3- وسيتضرر منه شياطين الإنس الذين يكسبون كل يوم تكون فيه المملكة خصماً للإخوان، فهذه الخصومة هي سلاحهم لعزل المملكة.
المصدر: بصائر تربوية