ضرب أحد الأساتذة طفلاً في مقرأة القرآن على ظهره ضرباً خفيفاً، ففوجئ بالطفل يصرخ ويقول: قتلت أولادي.. قتلت أولادي!
وصدق الله إذ يقول: (وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ) (النساء:23).
يجري في لغة الناس اليوم تسمية الرجل بـ”آدم”، وتسمية المرأة بـ”حواء” على سبيل الترميز والاختصار.
لغة القرآن: “يَا بَنِي آدَمَ”، وهي شاملة للذكور والإناث، وحين حزنت عائشة لعدم تمكنها من الاعتمار بسبب الحيض قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ».
تجوّزاً يسمي بعضهم الأنثى بـ”بنت حواء”؛ تذكيراً باتحاد الجنس وتشابه الطباع، على أن الأصل نسبة الأولاد ذكوراً وإناثاً إلى أبيهم.
سمعت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ” والجارية تمشطها فهمّت بالقيام، فقالت الجارية: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقالت: إليك عني فإني من الناس!
سمي الإنسان الأول “آدم”؛ لأنه خلق من أديم الأرض، أي من ظاهرها، من التراب، ويسمى الجلد بـ”الأديم”، والآدم من الناس: الأسمر أو الأسود.
وفي اسمه سر لطيف، ففي العربية تقول: آدم الله بين المتخاصمين، أي: أصلح ووفّق وألّف، ومنه حديث طلب النظر إلى المخطوبة وتعليله بأنه “أحرى أن يُؤدم بينهما”، فالآدمي مزيج متجانس من عناصر شتى، وتواؤم وتلاؤم بين المادة والروح.
أبناء آدم هم البشر وفيهم بيوت النبوة “آل إبراهيم”، “آل عمران”، “آل داود”، “آل محمد”، وبيوت الحكمة وبيوت الزهد، تجانس بين الآباء والأبناء مبناه على الاصطفاء الإلهي، وحسن التربية، وصدق النية، وطيب المطعم، وإخلاص الدعاء: (رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء {38}) (آل عمران).
كما فيهم بيوت المال وبيوت السُّلطة والجاه.
هذا مجد الدنيا، وذاك مجد الدنيا والآخرة.
تقول امرأة لزوجها: ولدك فعل وفعل.. فيرغي الأب ويزبد ويقول: ليس ولدي، هذا ولد إبليس!
مسبّة لنفسه تملأ الفم!
نغضب على المعتدين فنسميهم: “أبناء القردة والخنازير”، وإنما هم أبناء آدم وحواء! وعليهم جرم أنفسهم: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (فاطر:18)، ومن صح نسبه منهم فجده كان إسحاق وهو نبي مرسل.
كل البشر المؤمنين والكافرين، والمظلومين والظالمين، والأتقياء والمجرمين؛ هم ذرية ذينك الوالدين الصالحين الطيبين، أبوهم كان نبياً، وأمهم كانت صِدِّيقَة!
الأصل بينهم المساواة، من الأرض خرجوا وإليها يعودون، ولا فضل لأحد منهم إلا بالعلم والخير والإحسان والتقوى.
وهم إخوة يجمعهم التراب والطين، إن لم تجمعهم العقيدة والدين: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً) (الأعراف:65)، (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً) (الأعراف:73)، ووصف تعالى المقتول بأنه أخو القاتل، وهي الأخوّة العامة بين الناس، الأخوّة الإنسانية.
أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، ما معنى هذا؟
معناه التناسل والتوالد من جيل إلى جيل، وغرس الفطرة السوية في الخلق، وظهور الآيات الكونية الدالة على الله، وبعثة النبيين مبشرين ومنذرين.
ويحتمل المعنى ما نقل عن ابن عباس وأُبيّ بن كعب: أن الله تعالى أخرج من صلب آدم ذريته مثل الذّر ثم كلمهم وقررهم فأقروا بالربوبية، ثم بعث الرسل للتذكير بالعهد، فلا أحد يحاسب على العهد الأول الذي لا يتذكره.
آدم كان في السماء الأولى ليلة المعراج، وأبناؤه فوقه ومنهم أولو العزم، فمن الذرية من يتفوق على والده، ومن التلاميذ من يتفوق على شيخه.
الجمال ميزة ومطلب، وقد أعطي يوسف شطر الحسن، وكان داود وضيئاً فسرّ به آدم حين رآه، وآدم نفسه كان جميلاً طويلاً.
كم عدد أولاد آدم؟ لم يستوعبهم كتاب جامع، ولم يأت فيهم نص قاطع، هل هم 240؟ أو 40؟ أو 25؟
عاش آدم مئات السنين على الأرض وشاهد الأولاد والأحفاد ومن بعدهم.
خلّد الله آدم بذريته، فهو معروف في كل الثقافات والأديان ولدى كل الشعوب.
كيف تم التكاثر بينهم؟
هل كانت حواء تلد توائم (ذكراً وأنثى)؟ ثم يزوجون الذكر من التوأم الأنثى من التوأم الآخر؛ نظراً لضرورة الحياة وعدم وجود غيرهم؟ وقبل أن تنزل الكتب السماوية بتحريم ذلك: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ) (النساء:23).
والحضارات القديمة المصرية وغيرها كان الأخ فيها يتزوج أخته، وكما تكتمل التشريعات مرحلة بعد أخرى بتطور الحياة البشرية، فكذلك الفطرة تأخذ جاهزيتها واكتمالها مع الزمن وتستقر مفرداتها، فتعافُ بعض ما كانت تقبله من قبل!
والجينات البشرية كانت نقية ولا توجد فيها أمراض وراثية.
وكان كل توأم يختلف عن الآخر في النشأة والطعام والعادات.
أم كان الله تعالى يخلق لهم ما يناسبهم بقدرته، كما خلق عيسى من أم بلا أب؟
تلك قضية موغلة في القدم ولم يأت فيها نص هادٍ، فلتبق إذاً متروكة للمزيد من الأدلة؛ خاصة وهي قضية لا ينبني عليها عمل.
في أبناء آدم لصلبه الطيب والخبيث؛ فيهم قابيل القاتل، وفيهم “شيث”؛ النبي الصالح الذي ورث والده وحفظ عهده وأحيا سنته، وبعضهم يعده أبا البشر الثاني.
مؤرخون يضربون في التِّيه بلا هادٍ ولا دليل حين يتكلمون عن تاريخ العالم، ومدة الكون من آدم إلى قيام الساعة، ويسردون روايات بلا زمام ولا خطام عن الأرض وخلقها والسماوات ووقت الخلق والدخان، وما بين آدم ونوح، بينما القرآن يقول: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ) (إبراهيم:9).
الأخوّة الإنسانية قائمة على النسب الواحد لآدم وحواء، وعلى الفطرة والطبيعة الواحدة حيث يسهل فهم الآخر لأنه نظيرك في الخلق، وقد يكون المرء أخاك لأمك وأبيك ولكنه على غير دينك، فتسميه أخاً، وأخوّة الدين أخص: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10).
علينا ألا نتنكّر للنسب الواحد، ولا نتجاهل الفطرة المشتركة، وعلينا ألا نجور على حقوق الأخوّة الإسلامية؛ التي تجمعنا بشركائنا في التوحيد لله، والإيمان برسله وبخاتمهم صلى الله عليه وسلم.