ما إن أعلن عن حل مجلس الأمة الكويتي في نهاية منتصف أكتوبر الماضي وتحديد يوم 26 نوفمبر الجاري لإجراء الانتخابات، حتى شهدنا حالة غير مسبوقة من التردد والضبابية في تنفيذ استطلاعات رأي الناخبين حول انتخابات مجلس 2016 في ضوء واقع جديد وتطورات متلاحقة مع تطبيق قانون النشر الالكتروني، وما بدا أنه تدخل من وزارة الإعلام في هذا الشأن، بالإضافة إلى ترقب دور الإدارة المركزية للإحصاء التي تعتبر الجهة المخولة بإصدار موافقات تنفيذ استطلاعات الرأي في الكويت.
صاحب هذا الجدل انتشار تغريدات بعض من ارتبط اسمهم باستطلاعات الرأي في الانتخابات الكويتية مثل صلاح الجاسم بتحديات رسمية، وطلبه تصريحا من وزارة الإعلام لتنفيذ استطلاعات رأي عامة للناخبين، ثم اعتذاره عن تنفيذ استطلاعات عامة، وبعدها أعلنت وزارة الإعلام بعدم شرط الحصول على الموافقة المسبقة، وألغت الفقرة الأخيرة من المادة رقم 6 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 8 لسنة 2016 حول تنظيم الإعلام الالكتروني، والتي كانت تنص على أنه “لا يجوز إجراء استطلاعات رأي تتعلق بانتخابات مجلس الأمة 2016، إلا بعد الحصول على موافقة الجهات المعنية ووفقا للقوانين والأحكام المنظمة لذلك“.
وينسجم إلغاء هذا البند مع الممارسات العالمية المتقدمة في هذا الشأن التي تضمن حرية تنفيذ استطلاعات الرأي في الانتخابات مع منع بعض الدول هذا العمل قبل الانتخابات بأيام، وهو مبين تفصيلاً في تقرير الرابطة العالمية لبحوث الرأي العام بعنوان: “حرية نشر استطلاعات الرأي العام” The Freedom to Publish Opinion Poll Results”.
وبعد السماح الرسمي بتنفيذ استطلاعات رأي في الشأن الانتخابي، تجدد الطلب عليها من قبل المرشحين، وبرزت في الساحة بعض الشركات المتخصصة، منها أنظمة صلاح الجاسم وقياس ومركز الآراء الخليجية ومركز اتجاهات وربما غيرهم.
ورغم المسيرة الطويلة لنشر نتائج استطلاعات الرأي لدى بعض الجهات، إلا أن عدم نشر النتائج الخاصة بفرص نجاح المرشحين لعامة الناس -إلا من جهة استطلاعية واحدة- كان من أبرز ملامح انتخابات هذه المرة ولاعتبارات متنوعة مقابل نشر نتائج غير دقيقة في الفضاء الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي.
ورغم أن استطلاعات الرأي في الانتخابات لها عدة مراحل تبدأ من قبل ترشح الترشح، ومروراً بفترة الترشح والحملة الانتخابية، ثم تنتهي بعد فوزه بالمقعد، إلا أن استطلاعات الرأي في الانتخابات الكويتية تتركز أثناء الحملة الانتخابية فقط، حيث عادة ما يطلب المرشح الاستطلاع على مرحليتين أو ثلاثة وتكتسب النتائج الأخيرة أهمية أكثر.
تتنوع الأسئلة التي نطرحها على الناخبين لقياس نسبة المشاركة وطبيعة مشاركة الفئات، والتي أصبح بعضها معروفا في توجهات الناخبين الكويتيين، مثل إقبال الرجال أكثر على التصويت من النساء وغيرها، ولكن السؤال الأهم للمرشح أثناء حملته الانتخابية هو معرفة حجم شعبيته في الدائرة الانتخابية، وهو ما نسأل عنه بطريقة غير مباشرة: “من المرشح الجدير بثقتك، وترغب بفوزه في انتخابات مجلس الأمة القادمة؟“.
وبالنظر لحساسية هذا السؤال وتحفظ المستجيبين عليه، ولا سيَما في بداية العمل بنظام الصوت الواحد، حيث يُختار مرشح واحد فقط، تزداد نسبة خطأ ضعف الاستجابة non-response error، إذ نضطر عادة لإجراء أكثر من ألفي اتصال للوصول إلى عينة 400 مستجيب يذكر أسم المرشح!، ولذا نعطي تعليمات لباحثي جمع البيانات بمحاولة التسلسل لعقلية المستجيب لسحب اسم المرشح المفضل لديه وكأنه صراع خفي بينهما.
من السهل في الكويت معرفة منطقية بعض نتائج استطلاعات الرأي، حينما يلقى المتابع نظرة على توزيع المناطق الجغرافية، حيث أصبح من المعروف تركز شعبية كل مرشح فيها.
يعاني مستطلعو الرأي في الانتخابات على مستوى الإعداد تحديات بشكل عام، ومنها الكويت بشكل خاص، مما يجعل هذا الميدان لا يخلو من مغامرة؛ فهناك تقلبات مستمرة في قائمة المرشحين لعدة أسباب، منها الانتخابات الفرعية (الاستباقية) غير القانونية، حيث تصوت بعض القبائل والكتل والتجمعات السياسية داخلياً لفرز اسم المرشح قبل يوم الانتخاب، وهناك التحالفات السرية، بالإضافة إلى تغيرات بقائمة المرشحين نتيجة منع بعضهم من الترشح قانونياً.
ولذا، تبين النتائج أثناء مرحلة جمع البيانات أسماء مرشحين متوقع فوزهم لا تبدو منطقتيها في كتابة التقرير لاحقا؛ لأنه ببساطة لم يعد من قائمة المرشحين رسمياً، مثل عبد الحميد دشتي وحالياً مع صفاء الهاشم، ثم أعادتها المحكمة الدستورية قبل يومين من يوم الانتخاب ورفضت طعون الحكومة على ترشحها بالإضافة إلى مرشحين آخرين: عبد الرحمن العتيبي، فرح صادق وخالد الخضر، مما يؤثر في نتائج استطلاعات الرأي حينما تتوزع أصوات ناخبيهم، ثم تعود بعضها فعلياً في نتائج الانتخابات، وكما أن هناك بعض الدوائر تعاني من ضعف الاستجابة، والرد على الباحثين أكثر من غيرها مثل الدائرة الثانية لاعتبارات ليس هنا مكان سردها.
وكما أن بيانات مجتمع الدراسة، أي الناخبين، تواجه إشكالية الوصول إليهم رغم احتفاظ أغلبية ساحقة من الكويتيين بهواتفهم الأرضية، وعدم هجرانها، مثل باقي أغلب دول العالم لاعتبارات معينة، ولكن الوصول إليهم من خلالها ليس بهذه السهولة.
ولذا، تلجأ بعض الجهات الاستطلاعية في بناء عينات من هواتف متحركة جنباً لجنب مع الهواتف الأرضية وتتدخل أحيانا في تحديد نسبة الطوائف المختلفة، لا سيَما في الدائرة الأولى والثانية والثالثة، حيث التنوع الطائفي والقبلي أكثر من الدائرتين الأخريين الرابعة والخامسة.
ورغم الاعتبارات والتحديات السابقة، ومن خلال خبرة عملية في عدة دول عربية، تبقى لاستطلاعات رأي انتخابات في الكويت ميزة تعكس بيئة خصبة وتجربة ثرية في قياس آراء الناخبين، ستسهم بلا شكل في تنمية هذا المجال معرفياً وعملياً على المستوى العربي.
مدير مركز الآراء الخليجية لاستطلاعات الرأي/ الكويت