ترجمة: محمد داغر عن “ذا أتلانتك”.
– يرى الجمهوريون أن تجنب أوباما ذكر مصطلح “الإسلام الراديكالي” سبب فشله في تقييم ومعالجة التهديد بشكل صحيح
– يرى عدد من أعضاء فريق ترامب أن التهديد يتزايد بشكل صارخ وأنهم في حرب عالمية ضد حركة جماهيرية تبشيرية من أهل الشر
– يرى جيف سيشنز الذي اختاره ترامب لمنصب النائب العام أنه لا يمكن أن يكون هناك حل وسط مع هذا النوع من الإسلام الراديكالي
– يرون أن الأمر أكثر من مجرد دين لأن هذه الأيديولوجية تشتمل على نظام عقائدي سياسي يريد السيطرة على جميع الأشياء
– دعا فلين لحملات إعلامية تشبه الحرب الباردة التي تعزز القيم الغربية وتفضح “فشل” الإسلام الراديكالي
– العديد من الذين عيَّنهم ترامب يؤيدون تبني مواقف متشددة ضد إيران التي وصفتها الحكومة الأمريكية بأنها أكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم
إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنتَخَب مؤخراً قد يقود الحكومة قريباً نحو اتجاه مختلف.. ففي خريف عام 1990م وصلت القوات الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية، وهو ما أثار حفيظة أسامة بن لادن، وطبقاً للمؤرخ برنارد لويس فإنه دق جرس الإنذار في المحيط الأطلسي حول اختمار العداء للولايات المتحدة في العالم الإسلامي، حيث أفاد قائلاً: “نحن نواجه حالة مزاجية وحراكاً يفوق إلى حد كبير مستوى القضايا والسياسات التي تسعى الحكومات إلى تحقيقها، وكان هذا ليس أقل من صراع بين الحضارات، وربما هذا رد فعل غير عقلاني، ولكن تاريخي بالتأكيد لمنافسه القديم ضد تراثنا اليهودي المسيحي، وحاضرنا العلماني، ومن هنا كان التوسع في جميع أنحاء العالم على حد سواء، ومن المهم للغاية أننا من جانبنا لا ينبغي أن نُدفع إلى رد فعل تاريخي مماثل، ولكن أيضاً غير منطقي على حد سواء ضد هذا المنافس”.
إن أمريكا ما بعد 11 سبتمبر في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، حاولت جاهدة التوازن بين مكافحة الإرهاب وتجنب خلق انطباع بأن العالمين الغربي والإسلامي يوجد بينهما أي شكل من أشكال الصِدام الحضاري التي وصفها لويس.
أما الرئيس دونالد ترامب المنتخب مؤخراً فقد يقود الحكومة قريباً نحو اتجاه مختلف، حيث أعرب العديد من المعينين في فريقه الأمن القومي أن الولايات المتحدة في حالة حرب مع “الإرهاب”، أو “الإسلام الراديكالي”، أو شيءٍ ما أعم من ذلك مثل “الأسلمة”، كما أنهم وصفوا هذه الحرب بأنها صراع أيديولوجي في المقام الأول للحفاظ على الحضارة الغربية، مثلها مثل الحروب التي دارت رحاها ضد النازية والشيوعية، وأن هذه الحرب ليست مقصورة على المسلمين المتطرفين السُّنة أو المتطرفين الشيعة، كما أنه ينظر إلى “تنظيم الدولة” وجمهورية إيران الإسلامية على أنهما وجهان لعملة واحدة. وقد صاغ هؤلاء المعينون الجدد هذه الرؤية الشاملة قبل توليهم مسؤولية أمن البلاد، بل وقبل أن يقع أي هجوم إرهابي أثناء ولايتهم.
الحرب على الإرهاب بين بوش وأوباما
لقد وصف الرئيس السابق بوش حربه على الإرهاب بطرق أحدثت صراعاً حضارياً، كما أنها ألَّبت عشاق الحرية ضد خلفاء الشمولية من النازيين والشيوعيين، إلا أنه شدد على أن الإسلام ليس ضمن طرفي الصراع، وأن الإرهابيين غير ملتزمين بـ”التعاليم الإسلام السلمية”، كما أفاد قائلاً في عام 2005م: “يطلق البعض على هذا الشر اسم “الراديكالية الإسلامية”، في حين أن هناك فريقاً آخر يطلق عليه اسم “الجهادية المتشددة”، إلا أن هناك فريقاً ثالثاً يطلق عليه اسم “الفاشية الإسلامية”، فأيًا كان ما يُطلق عليه من مسميات فإن هذه الأيديولوجية مختلفة تماماً عن الدين الإسلامي”.
لقد قلل الرئيس باراك أوباما أيضاً من أهمية حرب بوش على أنها مجرد معركة، وأن الخطر من الإرهاب ما هو إلا مجرد جماعات إرهابية محددة، كما أنه رفض فكرة صراع الحضارات، وذلك لأنه كان يعتقد أنه يجب عدم تضخيم الخطر الذي يمثله الإرهاب على الولايات المتحدة، كما أنه لا يريد أن يؤكد أن الجهاديين إنما ظهروا كنتاج للصراع بين الإسلام والكفار في الغرب.
وقد صرح أوباما لجيفري جولدبرج الصحفي بجريدة “The Atlantic” قائلاً: “عندما يستخدم الرئيس الأمريكي لغة فضفاضة تظهر الصراع الحضاري بين الغرب والإسلام، أو العالم الحديث والإسلام؛ فإنه يجعل الأمر أكثر صعوبة على أصدقائنا وحلفائنا بل والناس العاديين مقاومة ودحر دوافع التطرف داخل العالم الإسلامي”.
لقد أفرز نهج أوباما هذا رد فعل عنيفا في صياغة سياسة إدارة ترامب، فعلى مر سنوات وحتى الآن فإن الجمهوريين يلقون باللوم على تجنب أوباما ذكر مصطلح “الإسلام الراديكالي”، معتبرين أنه يمثل فشل الرئيس في تقييم ومعالجة التهديد بشكل صحيح، فمصطلح الإسلام الراديكالي كما يراه منتقدو أوباما يعني أن التطرف ضارب بجذوره في الدين الإسلامي، فبينما يرى أوباما الأمر على أنه “تطرف عنيف”، يراه منتقده “التدين المتشدد”، وفي الوقت الذي يرى فيه أوباما أن هناك صراعاً داخل الحضارة الإسلامية بين فصيل صغير من المتعصبين والغالبية العظمى من المسلمين، فإن منتقديه يرون أن الصراع بين الحضارة الغربية وجزء كبير من العالم الإسلامي، وبخلاف أوباما الذي يرى أن الإرهاب عدو ضعيف، فإن منتقديه يرون أنه العدو القوي الذي تزداد قوته يوماً بعد يوم.
وفي الوقت الذي يرى فيه أوباما حدوداً لما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة من تلقاء نفسها للقضاء على التفسيرات المتطرفة للإسلام، فإن منتقديه يرون نقصا مروعا من الجهود المبذولة من قبل حكومة الولايات المتحدة، وفي الوقت الذي يرى فيه أوباما أن هذا يشكل تهديداً خطيراً للأمن وطني إلا أنه يمكن السيطرة عليه، فإن منتقديه يرونه تحدياً أيديولوجياً وحضارياً للعالم الحر.
ترامب: الإسلام يكرهنا
إلا أن ترامب ذهب أبعد من ذلك مع العديد من القادة الجمهوريين الآخرين في انتقاد أوباما، ليس فقط في السياسات المقترحة مثل حظر أو تقييد هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة، ولكن أيضاً في خطابه، كما ذكر في وقت سابق من هذا العام: “أعتقد أن الإسلام يكرهنا”، وأضاف قائلاً رداً على سؤال حول مصطلح الإسلام الراديكالي، فأجاب: إنه جذري، ولكن من الصعب جداً تحديد هويته.
علاوة على ذلك، يرى عدد من أعضاء فريق ترامب أن التهديد يتزايد بشكل صارخ، فقد أفاد مايكل فلين -الذي اختاره ترامب ليكون مستشار الأمن القومي- قائلاً: “نحن في حرب عالمية ضد حركة جماهيرية تبشيرية من أهل الشر، معظمهم ترعرع على أيديولوجية شمولية ألا وهي الإسلام الراديكالي، ليس مسموحاً لنا بكتابة هاتين الكلمتين أو حتى مجرد التحدث بهم، والتي بمثابة خطر محدق على ثقافتنا”، لقد أعرب فلين عن ذلك في كتاب نشره في الصيف الماضي مع الكاتب المحافظ مايكل ليدين.
ولقد أردف فيلن قائلاً: “لا أعتقد أن جميع الثقافات متساوية في الجوانب الأخلاقية، وأعتقد أن الغرب، ولا سيما أمريكا، أكثر تحضراً وأكثر أخلاقية من النظام الذي يريد أن يفرضه علينا أعداؤنا الرئيسيون”.
أيضاً أفادت كاثلين ماك فيلاند، النائبة القادمة لفلين قائلةً: ليس كل الـ1.6 مليار مسلم في العالم متطرفين أو إرهابيين، بالتأكيد ليس الأمر على إطلاقه، ولكن لو افترضنا أن عُشر الـ1% منهم متطرفون، فهذا بلا ريب أمر مذهل؛ أي أن 1.6 مليون شخص عازمون على تدمير الحضارة والقيم الغربية التي نعتز بها، لقد أراد الفاشيون السيطرة على العالم وكذلك فعل الشيوعيون، لكن الإسلاميين يسعون إلى قتل نسبة كبيرة من العالم بشكل وحشي، وهذا هو موقف أي شخص يرنو ببصره إلى خلافة نهاية الزمان”.
لقد استدعى جيف سيشنز الذي اختاره ترامب لمنصب النائب العام، إستراتيجية “الاحتواء” الأمريكية إبان الحرب الباردة، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك حل وسط مع هذا النوع من الإسلام الراديكالي.
لقد استضاف ستيف بانون، بصفته رئيساً لموقع “برايتبارت” (Breitbart News) الإخباري، برنامجاً إذاعياً يضم العديد من الضيوف الذين ادعوا أن المنظرين الإسلاميين المتطرفين يتسللون سراً إلى حكومة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنهم يحاولون توسيع نظام اعتقادهم في جميع أنحاء البلاد، (تماماً كما حذر فلين من أن الشريعة الإسلامية تعتدي على النظام القانوني في الولايات المتحدة)، علاوة على ذلك، وصف بانون -الذي سيكون كبير المخططين الإستراتيجيين لترامب في البيت الأبيض، في خطاب ألقاه في عام 2014م بمعهد الكرامة الإنسانية في الفاتيكان- الحرب الحالية ضد “الفاشية الإسلامية الجهادية” كآخر مرحلة من مراحل الصراع الوجودي منذ قرون بين الغرب اليهودي المسيحي والعالم الإسلامي: “إذا نظرنا إلى الوراء على مر تاريخ طويل من كفاح الغرب اليهودي المسيحي ضد الإسلام، فإنني أعتقد أن أجدادنا حافظوا على موقفهم، وأنا أعتقد أنهم فعلوا الشيء الصحيح، أعتقد أنهم نجحوا في إقصائه من الساحة العالمية، سواء كان ذلك في فيينا (معركة فيينا عام 1683م)، أم في مدينة تور (Tours) الفرنسية (معركة بلاط الشهداء عام 732م)، أو في أماكن أخرى، نحن بلا شك في حرب ذات أبعاد شاسعة.
إن اللعب على غرائزنا أمر من السهولة بمكان، ونحن لا نستطيع أن نفعل ذلك، ولكن أجدادنا لم يفعلوا ذلك أيضاً، لقد كانوا قادرين على إقصائه، بالإضافة إلى أنهم كانوا قادرين على إلحاق الهزيمة به، وأنهم كانوا قادرين على توريث لنا كنيسة وحضارة، وهذا بلا شك هو زهرة البشرية”.
أضف إلى ذلك أن مايك بومبيو، عضو الكونجرس عن ولاية كانساس والذي اختاره ترامب لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية، وصف الصراع بشيء أكثر دقة، مؤكداً أن الإسلام لا ينبغي أن يتساوى مع التطرف، لكنه مع ذلك يزعم أن أوباما قلل من خطر الجهادية الإسلامية، هذه الإدارة ستهوي في التاريخ لأنها وللمرة الأولى وضعت أمريكا في مكان، من منظور الأمن القومي، لم يكن يخطر ببال أحدٍ إطلاقاً.
لقد أعرب عن هذا في خطاب ألقاه عام 2015م لجمهوره في ويتشيتا والذي ضم العديد من الأشخاص الذين عاصروا سياسة حافة الهاوية النووية للحرب الباردة، إن الخط لم يرسم ليفصل بين الأديان، ولكن بين المتطرفين والذين يقبلون الحداثة والبرابرة، ينبغي علينا أن نفهم فحوى هذا الخط، ولا ينبغي أبداً أن نشعر بالخوف إذا ما رمنا الوصول لهذا الخط، علينا أن نصل إلى من هم على الجانب الآخر وسحقهم.
وفي السياق نفسه، يقول مستشارو ترامب: “إن سياسات أوباما مضللة؛ لأنه يسيء فهم جوهر التهديد الذي يمثله الفكر الجهادي”، وهذا هو السبب الذي جعل فلين -على سبيل المثال- يضع هذه الأهمية على عبارة “الإسلام الراديكالي”، إنهم يريدون الإشارة إلى أن العديد من قادة الجماعات المتطرفة مثل “تنظيم الدولة” و”القاعدة” ما هم إلا منظرون وأتباع حقيقيون للتيار السلفي الأصولي للإسلام، فلو تم النظر إلى هؤلاء القادة على أنهم مجرد عدميين وحشيين ومن ثم ينبغي قصفهم، ففي نهاية المطاف سيحل محلهم جيل من المؤمنين الحقيقيين، وأن الحرب لن تضع أوزارها أبداً.
لقد وصل فلين إلى هذه النتائج بعد استجواب العديد من المتهمين بالإرهاب في العراق وأفغانستان مثل ضابط استخبارات في قيادة العمليات الخاصة المشتركة، فكما أخبر جيمس كيتفيل في أكتوبر الماضي: “على مدار كل تلك الاستجوابات، استنتجت أن “جوهر القاعدة” لم تتكون في الواقع من البشر العاديين، وإنما كانت قائمة على أيديولوجية تعتمد على إصدار معين من الإسلام، إن الأمر أكثر من مجرد دين؛ لأن هذه الأيديولوجية تشتمل على نظام عقائدي سياسي؛ لأن أتباع هذه الأيديولوجية يريدون السيطرة على جميع الأشياء، سواء كان ذلك في قرية، أو مدينة، أو منطقة (الخلافة) بأسرها، ولتحقيق هذا الهدف، فهم على استعداد لاستخدام العنف الشديد، هذا بالإضافة إلى أن الطبيعة الدينية لهذا التهديد تجعل من الصعب جداً على الأمريكيين أن يستوعبوه، فتأطير المعركة باعتبارها مجرد صراع أيديولوجي إنما يجنح بنا إلى طمس التمييز بين الإسلام المتطرف، والحركة السياسية المعروفة باسم الأسلمة والدين الإسلامي”.
حوار محير
لننظر في هذا الحوار المحير بين فلين والصحفي مهدي حسن في يناير الماضي:
– فلين: نحن في حالة حرب مع الجناح الراديكالي من الإسلام، فالإسلام هو أيديولوجية سياسية قائمة على أساس ديني.
– حسن: أولاً ما هو الإسلام؟
– فلين: هذا ما أؤمن به وهذه هي الطريقة التي أحب.
– حسن: عفواً، هل تعني الأسلمة أم الإسلام؟ آسف، أنا فقط متحير.
– فلين: الأسملة.. نعم.. ربما تكون التسمية أفضل.
– حسن: حسناً، إذاً ألا تقول: إن الدين الإسلامي هو أيديولوجية سياسية؟
– فلين: إنما هو أيديولوجية سياسية قائمة على أساس ديني.
إن هذا الإطار الأيديولوجي بحاجة إلى استجابة غير هذه التكتيكات العسكرية مثل حرب الطائرات بدون طيار والغارات الجوية، التي كما يقول فلين: إن أوباما اعتمد عليها بشكل كبير جداً، ودعا فلين لحملات إعلامية تشبه الحرب الباردة التي تعزز القيم الغربية وتفضح “فشل” الإسلام الراديكالي.
لقد أفاد بومبيو – وهو مسيحي إنجيلي – قائلاً: إن كثيراً من قادة المسلمين بحاجة إلى التحدث علناً ضد الإرهاب الذي يستخدم الإسلام غطاءً له، مشيراً إلى أن زعماء البروتستانت أدانوا الأعمال البغيضة التي وقعت من كنيسة ويتسبورو (Westboro) المعمدانية في ولايته، كما أضاف أن هناك معركة بل وأزمة تفسير في الإسلام، لا يكفي مجرد نفي المسؤولية بالقول: إن هذا التفسير لا يدعم الإرهاب، لقد أصبح لزاماً على العلماء المسلمين المعتدلين أن يسعوا جاهدين لضمان عدم وجود مسلم يجد العزاء للإرهاب في القرآن.
لقد حث فلين أيضاً الحكومة الأمريكية على مساعدة دول الشرق الأوسط في إصلاح اقتصادها وتطوير مصادر أخرى للطاقة غير النفط، في محاولة للتخفيف من حدة المظالم الاجتماعية والاقتصادية التي في رأيه جعلت الجماعات الجهادية جاذبة للشباب، وفي حين أن الصحفي فريد زكريا أشار إلى أن هذا سيجعل لزاماً على الولايات المتحدة استثمار كمٍّ هائل من الوقت والموارد التي قد تكون غير متناسبة مع التهديد الفعلي، إلا أن فلين لا يتفق معه في هذه الرؤية قائلاً: كانت هناك تكلفة بعد الحرب العالمية الثانية تمثلت في خطة مارشال لأوروبا، وها هي أوروبا تبلي بلاءً حسناً في هذا الصدد.
إن التعامل مع الإسلام الراديكالي كأيديولوجية متجانسة سيعمل على زيادة أعداد مقاتلي العدو أيضاً، وفي خلال ظهوره ضيفاً في برنامج “ستيف مالزبرج” (The Steve Malzberg Show)، على سبيل المثال، عرض بومبيو تعريفاً موسعاً للتهديد الذي يواجه الولايات المتحدة في سورية: “لقد توصلنا إلى أنه يجب علينا فعل كل شيء، إن الأسد (الرئيس السوري) هو أداة لإيران، وذلك إلى حد لم نكن مستعدين للصد مرة أخرى عن إيران في شكل الأسد، ومن ثم فنحن نرتكب أخطاءً جسيمة، لا بد أن نفعل شيئاً، ولكن ليس فقط لمحاربة “الدولة الإسلامية” بل “جبهة النصرة” التابعة لـ”تنظيم القاعدة” أيضاً، فكلاهما وجهان لعملة الإرهاب الواحدة وعلينا أن نسحقهم جميعاً”.
حكومة ترامب وإيران
إن العديد من الذين عيَّنهم ترامب يؤيدون تبني المواقف المتشددة ضد إيران، التي كانت الحكومة الأمريكية قد وصفتها بأنها أكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم، وانتقدوا بشدة الاتفاق الذي توسطت فيه إدارة أوباما للحد من البرنامج النووي الإيراني، ولقد أشار بومبيو إلى أن التيار الراديكالي الشيعي السائد في إيران يمثل في الوقت الراهن تحدياً أكبر للولايات المتحدة من “تنظيم الدولة” النابع من الراديكالية السُّنية، كما أردف قائلاً: إن إيران هي السبب وراء معظم المشكلات التي نراها اليوم في الشرق الأوسط.
عندما يتم تفسير الإسلام الراديكالي على أنه معادٍ بشكل أساسي لأيديولوجية الولايات المتحدة، فإن صفوف العدو يمكن أن تنمو لتشمل كيانات أخرى معادية للولايات المتحدة، لقد كتب فلين في الصيف الماضي كتأكيد لصياغة جورج بوش الابن لـ”محور الشر” قائلاً: نحن في حرب عالمية في مواجهة تحالف العدو بداية من بيونج يانج بكوريا الشمالية إلى الهافانا بكوبا وكراكاس بفنزويلا.
وخلال هذه الفترة، يقوم تحالف العدو هذا باختيار الدول والمنظمات الإسلامية الراديكالية مثل إيران و”تنظيم القاعدة” و”حركة طالبان” و”تنظم الدولة الإسلامية”، فإذا كان قادتنا يرغبون في الفوز، فسيتعين عليهم صياغة إستراتيجية لتدمير هذا العدو العالمي، ولكنهم لا يبصرون هذه الحرب العالمية، فعوضاً عن ذلك، فإنهم يسيطرون على استحياء على حواف ساحات المعارك من أفريقيا إلى الشرق الأوسط، بل ويتصرفون كما لو أن كل معركة – سواء في سورية أو العراق أو نيجيريا أو ليبيا أو أفغانستان – يمكن أن تحل بشكل سلمي من خلال الجهود الدبلوماسية.
وعندما سأل إيلي ليك ببلومبرج: كيف أن “تنظيم الدولة” وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا يمكن أن يكونوا جميعاً في تحالف؟ أجاب فلين: هذه أبسط طريقة لشرح العلاقات.
إن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة هم أيضاً عرضة للتعديل؛ فترامب يصبو إلى تكوين شراكة مع روسيا من أجل محاربة “تنظيم الدولة”.
إن الحرب الأيديولوجية يمكن أن تحفز إدارة ترامب على زيادة صلاحيات مراقبة الحكومة، ولقد أعرب بومبيو في ويتشيتا قائلاً: في رأيي أننا بحاجة إلى أن نعي جيداً معنى التطرف العنيف، كما أضاف قائلاً: إذا كنت على اتصال أو تتحدث أو تسهل أو توفر الموارد والأموال لتعليم وتدريب ومساعدة ودعم، أو كنت جزءاً من شبكة “جهادية”، فأنت شخص يحق لأمريكا بل ويتعين عليها أن تسحقك في الشوارع، إننا لدينا التزامات دستورية عميقة فيما نسمح للناس القيام به، كلكم تريدون التحدث عن دينكم فأنا أتحدث عنه طوال الوقت، أريد أن يتاح لكل شخص أن يفعل ذلك، ولكن عند البدء في التعامل مع الشبكات في جميع أنحاء العالم التي هي جزء من التنظيمات الجهادية، فإنك لن تتمكن من الحديث عن دينك، بل ستضع الناس في الحي الذي تسكن فيه في خطر.
إن هذا يمكن أن يفضي أيضاً إلى مزيد من التدقيق المكثف للمهاجرين من دول إسلامية.
وفي هذا الصدد، صرح جيفرسون سيشنز لـموقع “American Thinker” في يونيو الماضي؛ أنه يمكن أن يطلب منهم مثل الأسئلة التالية: هل تؤمن بالحرية الدينية؟ هل تؤمن بالشريعة أم الدستور؟ وهل تحترم الأقليات مثل النساء والمثليين جنسياً؟ كما أردف قائلاً: إنه لا يتعين علينا أن نقبل بدخول أناس تتعارض فلسفاتهم أو مبادئهم مع الدستور، علينا أن نفهم أيضاً أن معظم المسلمين لا يلتزمون بهذه الأيديولوجية المتطرفة، ولكن لا ضير إطلاقاً في أن نسمح بدخول هؤلاء الذين ينأون بأنفسهم عن قيمنا.
فبالنسبة للمحافظين الجدد في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، فإن ترامب ومستشاريه هم أقل ميلاً إلى الرؤى الكبرى لبناء الدولة والترويج للديمقراطية في الخارج، ولكنهم في الوقت نفسه يؤيدون استعراضات بوش للقوة العسكرية، كما كتب فلين يقول: لا بد من حرمان الإرهابيين من الملاذ الآمن، وإن الدول التي توفر لهم حماية لا بد أن يصدر ضدهم خيار وحشي؛ إما القضاء على الإسلاميين الراديكاليين، أو أن تضعوا أنفسكم في محل هجوم مباشر.
لقد أضاف أيضاً قائلاً: إن التحول الديني والسياسي لأوروبا الذي نسميه الإصلاح تطلب مئات السنين من القتال الدامي للغاية؛ فالعالم في حاجة ماسة إلى الإصلاح الإسلامي، وينبغي علينا ألا نفاجأ إذا كان الأمر سينطوي على العنف.
وأشار بومبيو في ويتشيتا، موجهاً حديثه لبوش: هل أنت معنا أم ضدنا؟ إذا كنت معنا بارك الرب فيكم، وبالتوفيق، دعنا نذهب للتخلص منهم، وإذا كنت ضدنا فبالتوفيق أيضاً ولكنك في مرمي صاروخي يبحث عنك.
ويرى فلين وبومبيو والآخرون أن أوباما لم يعترف بالإسلام الراديكالي وهو ما حال بينه وبين تنفيذ السياسات التي يشيرون إليها، ولكن المفارقة الكبرى التي غفلوا عنها أن أوباما نفذ العديد من تلك السياسات، فقد أطلق حملات إعلامية لتشويه سمعة “تنظيم الدولة”، بل وجنَّد دول الشرق الأوسط في المعركة ضد الجهاديين، علاوة على ذلك حض المسلمين على إدانة المتطرفين في وسطهم، وأخضع لاجئي سورية إلى ما يمكن أن يسميه ترامب “التدقيق الشديد”، لقد عوَّل بشكل كبير على مراقبة الحكومة لمحاربة الإرهاب، وعمل على تحييد الجانب الأكثر مدعاة للقلق من التهديد الذي تشكله إيران، وبنى سمعة على أنه صياد إرهابي هائل باستخدام القوة العسكرية ضد القادة الجهاديين والنشطاء في عدد من البلدان.
ولكن حتى لو لم تتغير سياسات مكافحة الإرهاب الأمريكية بشكل كبير خلال رئاسة ترامب، فإن أسلوب الخطاب سيتغير على الأرجح، ومن المحتمل أيضاً أن يصف المسؤولون في الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب بأنها الصراع الملحمي، بل وتتبع الجذور الفكرية لهذا الإرهاب في الإسلام على أنها حركة سياسية دينية تهدد الحضارة الغربية.
لقد بقي بوش وأوباما بمنأى عن هذا الخطاب، ويرجع ذلك -إلى حد ما- إلى تقييمهما للخطر الجهادي، لكنهما أيضاً تبنيا هذا النهج بسبب شعورهما بالقلق من أن تعزيز خطاب الصراع بين الحضارات من شأنه أن يقوض الجهود الرامية إلى القضاء على هذا التهديد، إلا أن ثَمَّ دلالات تشير حتى الآن إلى أن ترامب والعديد من مستشاريه، لا يساورهم هذا النوع من القلق.
———————-
(*) الراديكالية – كما جاء في معجم المعاني الجامع – اتّجاه سياسيّ يطالب بالإصلاح الجذريّ التامّ في إطار المجتمع القائم.
لكن الغرب صبغ المصطلح بمعنى آخر وهو التطرف، وأضاف إليه معنى العنف والإرهاب، وألصقه بالإسلام والمسلمين في العصر الحديث، ولهذا قال المستشرق البريطاني هومي بابا، أستاذ الأدب في إحدى الجامعات البريطانية: “الراديكالية كلمة ذات دلالات سلبية تلصق بالعالم الإسلامي، مع أن الظاهرة عالمية ولا تقتصر على ما كان يسمى دول العالم الثالث مثل الهند ومصر، بل وجدت طريقها إلى العالم الأول حيث الراديكالية الإنجيلية على أشدها في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً”.