ـ مع كل ما كنت أبذله من أجلهم كانت دائماً تؤنبني لبعدي عنها وعن الأولاد وكان ردي: أينقصك شيء؟ إن كل ما أفعله من أجلكم
ـ ماذا يمكن أن تقدم زوجة لزوجها منتظرة تشريفه حتى ساعات متأخرة من الليل؟!
ـ قرارك بالزواج الثاني سيكرر نفس التجربة الفاشلة لأنك أفشلت الزواج الأول
أستاذي الكريم، أكتب إليك وقد اتخذت قراري بأن أتزوج بزوجة ثانية، وحتى أُعلمك كيف تكون الزوجة الأولى هي التي تدفع زوجها للزواج الثاني، ولتوجيه رسالة إلى كل واحدة على شاكلة زوجتي وتعذرنا نحن الرجال.
أنا رجل في منتصف الأربعينيات من عمري، متزوج منذ حوالي 15 عاماً، وزوجتي تصغرني بحوالي 5 سنوات، وعندي من الأبناء ثلاثة، أكبرهم على أعتاب سن المراهقة، لقد سئمت هذه الزوجة التي كانت جميلة رشيقة متحدثة لبقة.. ولكنها أصحبت.. حتى أضحت.. دعني أعود بك للبداية.
كانت زوجة تبذل جل جهدها لإسعادي، أرق الكلمات، عناية فائقة بنفسها وبيتنا، كان كل يوم في السنة الأولى جديداً مبهجاً، ورغم أنها كانت تعمل في وظيفة متميزة فإنها استجابت لطلبي بعد حملها الأول واستقالت، ورزقنا الله بطفلنا الأول، لاحظت أنها بدأت تهمل نفسها، حقيقة لم أهتم كثيراً، بل لعل ذلك وافق ظروفي؛ حيث كنت أعد لدراسة عدة شهادات مهنية، وأطمح لفتح مكتب استشاري خاص بي، وكان ذلك يقتضي مني العمل منذ الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من الليل، ولم أقصر في بناء مستقبل الأسرة على حساب راحتي الأسبوعية، وحتى أتفرغ لمراجعة أداء الأسبوع ورسم خطة عمل الأسبوع التالي وتعويض ما لم أنجزه، كنت أحجز لها وللأولاد للترفيه عن أعباء الأسبوع في فندق لقضاء عطلة الأسبوع، أما الصيف فكانوا يقضون معظمه في الشاليه، وكنت أحاول زيارتهم كلما تمكنت من ذلك، وكنت أستمد سعادتي من بهجتهم وسعادتهم، ومع كل ما كنت أبذله من أجلهم كانت دائماً ما تؤنبني لبعدي عنها وعن الأولاد، وكان ردي: أينقصك شيء؟ إن كل ما أفعله من أجلكم!
وفعلاً بعد 5 سنوات تقريباً أسست مكتبي الاستشاري، وكنت قد قررت أن أعود لممارسة حياتي الطبيعية، إلا أنه كما تعلم فإن النجاح يدفع إلى نجاحات، والمنافسة بين مكتبي الحديث والمكاتب ذات الشهرة، دفعني ذلك إلى بذل جهد أكبر ومجهود مضاعف حتى حققت بفضل الله مكانة متميزة بين الاستشاريين، وبدأت أشعر ببعض الإعياء، وبعد الفحوصات نصحني بل أمرني الطبيب بإعادة ترتيب منظومة حياتي، وفعلاً أوكلت كثيراً من المهام للمساعدين بعد أن أحسست بسنين عمري تتفلت بين يدي، وأن المكتب يسرق مني حياتي، فقررت أن ينتهي عملي عصر كل يوم لأعود لبيتي وزوجتي، ولكنني حقاً صدمت! مَنْ هذه السيدة التي تبدو أكبر مني؟ ولكني تذكرت بل أيقنت أنها زوجتي، آسف بل أم أولادي، وأرجعت ذلك إلى اهتمامها وانغماسها في تربية ورعاية الأولاد، حيث تضع كل همها في شؤون الأولاد والمطبخ والبيت وفقط، ومع نمو الأولاد وزيادة مشكلاتهم زاد إهمالها في العناية بنفسها على كل المستويات؛ ثقافياً، وصحياً، وجسدياً.
كان حديثها معي لا يخرج عن نطاق الأولاد والبيت، ومشكلاتهم والخادمة وإزعاجها، وكأن هذه هي الحياة، حتى مللتها وحديثها والحياة معها، وحتى أستريح من طلباتها التي لا تنتهي تركت لها كارت البنك.
ونتيجة لذلك؛ بدأ الفتور وازدادت معاناتي مع الأيام وتفاقمت مع نمو الأولاد، حتى وصلنا إلى هذه الغربة.
وعليه؛ فقد قررت العودة، ولكن لمن؟ إنني لا أشعر بمتعة الحياة التي كنت أحلم بها معها، فلا هي تشبعني عاطفياً ولا عقلياً، وحتى جسدياً، وصار اللقاء بيننا فقط للتنفيس عن حاجتي الطبيعية وحتى لا أقع في خطأ، لقد مللت حياتي معها، إن أجمل ما كان يقدمه لي انشغالي بالعمل هو عدم الشعور بالجهد النفسي من التعامل معها والإحباط من وجودي بالمنزل.
لذا قررت أعتزلها نفسياً، وأنخرط في حياتي الاجتماعية بعيداً عنها، رغم عدم انفصالي الجسدي، وقلَّ وجودي في المنزل، وازدادت الفجوة بل والمشكلات، وأحس أنني أفقد رجولتي يوماً بعد يوم، لذا فقررت الزواج مع كل تقديري لجهودها في رعاية البيت والأولاد.. شكراً يا زوجتي.
الرد:
تحليل المشكلة:
لقد ذكرت أن زوجتك كانت جميلة وكانت تبذل جل جهدها لإسعادك، ولكنها أصحبت.. حتى أضحت.. أكبر منك، وحملتها هي كامل المسؤولية عن ذلك بإهمالها نفسها!
وخوفاً على رجولتك أو بمعنى أدق ذكوريتك قررت أن تتزوج!
وكأن المسافة الزمنية بين كانت وأصبحت وأضحت تمت بين عشية وضحاها، في غفلة منك ومفاجأة ألجمك تغيرها فلم تستطع أو حتى تحاول أي بذل في سبيل تنبيه زوجتك أو استعادتها، هذا بفرض أنك لم تساهم بل أن تكون أنت السبب الرئيس والمباشر فيما آلت إليه حالتكما.
إنك في سعيك الطيب للارتقاء بمستواك المهني كنت بعيداً عن زوجك والبيت منذ الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من الليل، فلم تهتم كثيراً بعدم عناية زوجك بنفسها، بل لعل ذلك وافق ظروفك! كما تبرر، ولم تنتبه إلى ما آلت إليه الأمور بينك وزوجك لأن اهتمامك بناء مستقبل مادي للأولاد – آسف.. أقصد بناء مستقبلك المهني – قد استغرق كل وجل جهودك، بل اعتبرت إهمالها لنفسها وانشغالها عنك يتوافق مع عدم وجود وقت لك لرعايتها بل ورعاية ذاتك.
ماذا يمكن أن تقدم زوجة لزوجها منتظرة تشريفه حتى ساعات متأخرة من الليل؟
وهي قائمة بدورها كأم ودوره كأب! هل تعد له قائمة بالمشكلات التربوية التي يجب عليه أن يقوم بها؟ والتي قد تعجز عن التعامل الأسلم معها وتتطلب مشاركته أو على الأقل استشارته.
أو تقول له: أنا زوجتك محتاجة لك! وماذا بقي منها يمكن أن تقدمه لك بعد منتصف الليل، وقد أرهقها القيام بكل أعباء الأسرة كلها بمفردها؟ وحتى لو بذلت وحاولت.. لمن؟ فماذا يمكن أن يقدم رجل ظل يعمل منذ الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من الليل لزوجته؟ كيف يأتي بعين ترى ما تزينت له به، أو أذن تسمع كلمات رقيقة تطربه بها أو الإحساس بمشاعر زوجة محرومة من شعور زوجها بها.
وكان هناك احتمالان لتصرف زوجتك تجاه إهمالك لها وللأولاد، إما أن تحاول أن تجذبك ولكنْ واضح أن تفاعلك معها لم يكن مناسباً فأصيبت بالإحباط، لفهمك الخاطئ لمفهوم رعاية الأسرة وتركيزك على الجانب المادي فقط، هذا إذا أحسنا الظن ولم يكن الدافع هو تحقيق ذاتك وتميزك المهني، ومن المؤكد أنني لا أنكر هذا عليك بل هو واجب على كل رب أسرة، ولكن وهذا هو المهم ما الثمن الذي يمكننا أن ندفعه في سبيل ذلك؟ وأن الحكمة تقتضي الموازنة.
والاحتمال الآخر هو تفاعلها السلبي وفهمها الخاطئ لمفهوم رعاية الأولاد والأسرة والموازنة مع رعايتها لأنوثتها وحقوق زوجها، وأن تقف موقفاً حازماً معك، ورغم تأكيدي على خطأها في ذلك، لكن أين كنت؟ وماذا كان تصرفك تجاه قصورها؟
السلبية بل والرضا، واعتبرت ذلك توافقاً مع انشغالك، ثم عندما حذرك الطبيب من خطورة استمرار نمط حياتك المكتبي أفقت، وتريد إنعاش حياتك مرة أخرى من حالة التيبس التي أصابتها، فصدمتك حالة زوجتك، وللتعايش مع ذاتك وحتى تهرب من لومها، ألقيت بكل التبعية والمسؤولية عليها وللخروج من هذه المحبطة لك وبدلاً من البحث عن الأسباب في محاولة للعلاج آثرت الهروب؛ معللاً ذلك عسى أن امرأة جديدة تبعث الحياة بعد الموات دون أن تجاهر نفسك بذلك!
إن قصور زوجتك راجع إليك أنت شخصياً، إن انشغالك بمستقبلك المهني، وتوفير المتطلبات المادية للأسرة، وتأمين معيشتهم، جعلك تهمل زوجتك، وسرى الفتور دون أن تشعر إلى علاقتكما العاطفية، فأصبح الأداء في علاقتكما الخاصة روتينياً، وانعكس ذلك على زوجتك نتيجة عدم اهتمامك بها كأنثى، ولعل ذلك أيضاً قد يكون لعدم إبداء الإعجاب المناسب برداء خاص مثير ارتدته من أجلك، أو شكل جديد ابتكرته ليحرك عواطفك ويجدد حياتك؛ مما سبَّب الإحباط لها وكبت مشاعرها بل وأحرجها نفسياً.
وعلى الجانب الآخر، إن لم تبادر زوجتك، فهل بذلت أنت الجهد المناسب لتوليد الدوافع لديها على العناية بذاتها، وتشجيعها على هذا، ولكن بأسلوب لا يخدش حياءها، ولا يحرج مشاعرها؛ مثلاً كأن تهدي لها بعض أدوات الزينة والعطور وملابس النوم، تساؤل آخر: هل أنت تعتني بذاتك لعلك تكون أنت السبب في فتورها؟ هل عرفت تقييم زوجتك لك؟
ماذا عن أسلوبك في الممارسة؟ هل يتوافق معها أم يقززها منك؟ هل تفاجئها في كل لقاء بالجديد أم أصبح أداؤك روتينياً مما أصابها بالملل منك؟ أنت تقول: إنها تبدو أكبر من عمرها، فماذا عنك؟ لذا فأنت وأنت فقط المسؤول عن قصور زوجتك.
النتيجة:
إن قرارك بالزواج الثاني سيكرر نفس التجربة الفاشلة؛ لأنك أفشلت الزواج الأول!
إنك تكافئ زوجتك على تغطيتها قصورك كأب بزوجة ثانية! فأتوقع أن ينعكس ذلك سلباً على الأولاد، لأنهم ينتظرون منك أن تعوضهم سني الحرمان منك كأب، سيجدون على أفضل الأحوال نصف أب.
الحل:
لذا أرجو منك مراجعة علاقتك بزوجتك، وتقييم أدائك أنت أولاً كزوج، يشد ويجذب ويثير أحاسيس زوجته بعباراته الرقيقة وسلوكياته المهذبة، ولا حرج بل يجب على كل زوج مهما كانت خبراته الزوجية أن يتعلم تلك العلوم والفنون والمهارات الزوجية، وهناك المئات من الصفحات باللغة العربية التي تتناول العلاقة الزوجية بدءاً من الكلمة الرقيقة وحتى الإشباع العاطفي والحيوي بأسلوب علمي حيي، وإن فعلت ذلك كله، ولم تستجب، فلا بد من التأثير الإيجابي على زوجتك للعناية بذاتها، إما بإهدائها كتاباً، أو دعوتها إلى قراءة صفحة إلكترونية، أو حضور دورة، أو انتهاز الوقت المناسب الذي يمكن لك أن تحدثها بحبك إليها، وأنه من منطلق هذا الحب تريدها أن تعتني بذاتها، فإن تحسَّنت الأمور فلله الفضل والمنة، وإن لم تتحسن فيجب أن تجلس معها وتحدثها بكل صراحة برغبتك في الزواج مع بيان الأسباب التي دفعتك لهذا، ولا تغلق الباب أمامها بل افتح صفحة جديدة في علاقتكما لتتوافق علاقتكما. نسأل الله أن يهديك سواء السبيل، ويصلح لك نفسك أولاً فتصلح لك زوجك.