يترقب العالم مصير السكان المحاصرين في أحياء حلب الشرقية، الذين ضاق عليهم الخناق والحصار حتى بلغ أشده مع تقدم قوات النظام والميليشيات الطائفية الموالية له بدعم روسي إيراني في تلك الأحياء، وانحسار سيطرة قوات المعارضة إلى مساحة ضيقة جمع فيها أكثر من 70 ألفاً من المدنيين.
ومن الشخصيات الكثيرة التي يترقب العالم معرفة مصيرها الطفل الحلبي الصغير الذي ظهر في مقطع فيديو قبل أسابيع ليشرح حاله وحال عائلته التي قتل معظم أفرادها ومع ذلك أصر أنه لا يريد الخروج من المدينة وباقٍ فيها إلى الأبد.
فالطفل الذي لم يعلن عن اسمه شرح في المقطع الذي بث على تناقله ناشطون على “يوتيوب” أنه فقد 3 من أخوته الأطفال بقصف لقوات النظام، وكيف أن شقيقته قتلت لأنها لم تسمع نصيحته بالجلوس بقربه ما أدى إلى مقتلها مع أخويه الآخرين، في حين أنه نجا بعد أن أصيب بشظية برأسه..
وفي كل مرة يؤكد الطفل خلال حديثه بثقة أن “هذه إرادة رب العالمين، وأن الله يكتب من الذي سيموت ومن الذي سيعيش”.
وفي نهاية حديثه أكد الطفل بلهجته الحلبية بالقول “صامدون إلى الأبد هون(هنا).. حلب إلنا إلنا وليست لبشار” و”بشار تحت قدمي”.
وتوصلت المعارضة السورية وقوات النظام المدعومة من قبل روسيا وإيران، مساء الثلاثاء، لاتفاق وقف إطلاق النار وإجلاء المدنيين من شرقي حلب وذلك بوساطة تركية.
إلا أن هذا الاتفاق تعرض لخروقات من قبل النظام السوري والميليشيات الشيعية الموالية لها ما عطل تنفيذه عدة مرات.
ياسمين وأخوتها الـ47
“مرحبا.. أنا اسمي ياسمين.. عمري عشر سنين.. يمكن هاي اخر مرة تسمعوني وتشوفوني.. صار لي سنتين في دار الأيتام فاقدة بابا وماما بسبب ضرب الطيران.. أنادي كل منظمات حقوق الانسان والطفل انها تطلعني انا و47 طفل كلهم اخواتي.. طلعونا من حلب”.
هي إحدى رسائل الوداع التي أطلقها عدد من أطفال وناشطي وسكان حلب الشرقية بمقاطع فيديو بثوها على الانترنت، بعدما اشتد حصار النظام وميليشياته عليهم خلال الأيام الماضية، وباتت فرص مماتهم أكثر من الحياة.
فبعد أن أحكمت قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية والطائفية حصار أكثر من 70 ألف مدني من سكان حلب الشرقية في مساحة لا تتعدى الثلاثة كيلو مترات، أخذ أهالي تلك الأحياء المحاصرة منذ أسابيع يوجهون نداءات استغاثة مخلوطة برسائل وداع مع يأسهم بأن أحداً سيلبي تلك النداءات.
طفلة التخدير
مشاهد رسائل الوداع وغيرها من المشاهد التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي احتلت الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، وأبكت الكثيرين في منازلهم كما أبكت مذيعي النشرات الإخبارية أثناء بثها وحتى بعض من استضافوهم للحديث عن سيناريوهات مصير حلب.
فمشهد الطفلة الحلبية الجريحة ذات الأربع سنوات وهي تتلو آياتٍ من القرآن الكريم مستعينة بالله على عملية استخراج شظية من رأسها بدون مخدّر، كانت قد أصيبت بها في الرأس عقب قصف نظام الأسد، أدمى قلوب الملايين كما أبكى مذيع قناة تركية وضيفه بحرقة خلال عرض هذا المشهد.
وخلال الأسابيع الماضية حرص طيران النظام السوري والطيران الروسي على قصف المستشفيات والمراكز الطبية التي كانت ما تزال تعمل في أحياء حلب الشرقية ما أخرجها جميعا عن العمل، كما أن الحصار المفروض على الأحياء الشرقية منذ أشهر جعل جميع المواد الطبية والإسعافية تنفذ.
“أيقونة حلب”
من حي القاطرجي المحاصر شرقي حلب، دأبت الطفلة الحلبية الشهيرة بانا العابد ذات السبع سنوات، بمساعدة والدتها فاطمة، مدرّسة اللغة الإنجليزية، على توجيه دعوات من أجل أن يتحرك العالم لإنهاء المجازر في المدينة على يد قوات النظام السوري وروسيا والميليشيات الموالية له، من خلال تغريدات باللغة الانجليزية عبر حساب على “تويتر” تم إنشاؤه قبل نحو ثلاثة أشهر، ووصل عدد متابعيه أكثر من مئتي ألف شخص
وتعرض منزل الطفلة السورية للقصف في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكنها نجت ووالدتها.
وكتبت بانا قبل أيام على تويتر “اسمي بانا عمري سبع سنوات أتحدث إليكم في شرق حلب هذه آخر لحظاتي إن كنت قد أموت أو أبقى على قيد الحياة”.
ومن آخر الرسائل التي وجهتها العابد تغريدة عبر تويتر قبل يومين طلبت فيها من وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو “المساعدة” في إخراج المدنيين من أحياء حلب المحاصرة، قبل أن يرد عليها الوزير بتغريدة “حافظي على الأمل أختي، تركيا تُصغي لندائك، نعمل كثيراً من أجل إنهاء الكوابيس التي عايشتيها أنت والكثير من الأطفال السوريين”.
عمران
ومن الذين ينتظر العالم رؤيتهم خارج الحصار الطفل عمران دقنيش الذي لقيت صورته وهو مغطى بالدماء والغبار الناجم عن غارة على حي القاطرجي بحلب، وحظي مقطع الفيديو الذي صوره ناشط إعلامي له هو وشقيقه مع مجموعة من الأطفال المصابين تغطية إعلامية عالمية.
عمران ذو الخمسة أعوام ظهر في مقطع الفيديو وهو في سيارة إسعاف بعد انتشاله من تحت الأنقاض وبدت علامات الذهول على وجهه الملطخ بالتراب والدماء ومع ذلك لم يصرخ أو يبكي.
وبعد أيام توفي شقيق عمران الأكبر علي(10 سنوات) متأثرا بجراحه التي أصيب بها خلال نفس الغارة.
هي نماذج قليلة من عشرات أو مئات حالات الأطفال الموجودين في أحياء حلب الشرقية الذين فرضت عليهم ظروف الحرب التي عاشوها منذ أكثر من أربع سنوات في مدينتهم التعامل والتعايش مع تلك الظروف.
وانقسمت حلب عام 2012، إلى أحياء شرقية تحت سيطرة المعارضة، وأخرى غربية تحت سيطرة قوات النظام.
ومنذ ذلك التاريخ تقوم قوات النظام المدعومة روسياً بقصف تلك الأحياء ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. قبل أن يفرض حصار خانق عليها قبل 5 أشهر عقبته عملية عسكرية انضمت إليها ميليشيات شيعية تقاتل إلى جانب النظام السوري وارتكبت تلك القوى المتحالفة عمليات إعدام وتصفية ميدانية لعشرات المدنيين في الأحياء التي تمكنت من دخولها خلال الأيام القليلة الماضية، بحسب شهادات شهود عيان وتقارير أممية.