لقد ظل الإسلام وسيظل أفضل حضارة قدمت للبشرية أسس الاجتماع الإنساني والبشري متجاوزة في ذلك أطر الحدود الضيقة وصراعات الحضارات القائمة وضعف رؤية أصحاب وأتباع الديانات والثقافات الآخرة ، لقد استطاع الإسلام أن يجمع أجناس وأعراق مختلفة تحت راية واحدة ليس لمجرد السيطرة والتفرد ولكن لنشر الخير وهداية البشرية فنظم العلاقات وقدم الشرائع الحاكمة وأصلح في نفوس البشر وفق شريعة الخالق الذي هو أعلم بهم .
ولقد مثل العمل الخيري بمختلف ألوانه وتعدد صوره سمة من سمات الحضارة الإسلامية ليس فقط بما خدم أتباعها بل تعدي ذلك إلي من هم ليسوا منتمين إلي الإسلام وقصص التاريخ ملئا بهذه الوقائع والأحداث ، فالإسلام في دعامته يقوم علي ( ادعوا إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) وأيضا هو في أصله دعوة الناس إلي تحقيق القيم والمثل العليا سواء في حركتهم علي المستوي الضيق كالبيت والحي والشارع أو علي المستوي الأوسع في المجتمع والكون .
الغرب يواجه
ومع وجود حركة غربية لفرض السيطرة ونشر الفكر الغربي المادي الأحادي الرافض للقيم كانت المنطقة تقاوم بما لديها من إمكانيات بسيطة هذه الحركة ، وأُعلنت الحرب علي الإسلام وأهله وأصبح الإسلام هو الخطر الذي يهدد الغرب -وفق ما يقولونه- إلا أنهم لم يستطيعوا أن يروجوا لهذا الأمر في بدايته فبدئوا في هدم الإسلام ومواجه حركة التصحيح والنهضة التي كانت سائدة خاصة في عقود الخمسينات -وانتشرت بعد ذلك- ومع فشل الوسائل العسكرية ( hard power ) كانت الوسائل السلمية ( soft power ) وفرغوا الإسلام من أهلة وأصبح الانحلال والضعف هو السائد وضعفت حركة الدعوة الإسلامية وتأثيرها لضعف أبنائها والقائمين عليها وانتشرت سطوة الكنيسة وسوطها في العالم مع اتساع مصادر تمويلها وقدرتها علي السيطرة علي العديد من الوسائل الإعلامية .
ثم جاءت أحداث 11سبتمبر لتعلن عن مرحلة جديدة ، شعارها الأساسي محاربة الإسلام ، وصفته هم المسلمون فلم يكن أنسب من ذلك وبدأ يحارب الإسلام في كل مكان وجففت منابع الدعم وصدرت الأموال ووضعت المؤسسات الخيرية التي كانت سفيرة للإسلام وأهله في ربوع العالم علي القوائم السوداء وحجِم عملها وأصبح العمل الخيري ليس فقط مطالبا بأن يقدم صورة الإسلام الصحيحة والعفيفة ولكن أيضا أن يدافع عن نفسه وأن يدفع عن نفسه الشبهات .
اهمية القطاع الخير
ولا يختلف أحد علي أهمية القطاع الخيري فالقطاع الخيري هو جزء مهم من المنظومة الاقتصادية وأحد المحركات المهمة للنهوض بالأمم، ولا نبالغ أنه القطاع الأكثر رحمة وشفافية والأقرب إلى قلوب الناس، لما له من أهداف نبيلة، ومساهمات عديدة في معالجة جروح الزمن، وما له من قيمة إيمانية تمثل الهدف لكثير من الناس ، وتشكل الجمعيات والمؤسسات والمنظمات الخيرية في العالم قوة اقتصادية لا يستهان بها، من منظور حجم إنفاقها على مشروعاتها، ومكونات الأنشطة، وعدد المستفيدين من خدماتها، وفرص العمل، الأمر الذي يؤكد أن القطاع الخيري أصبح قطاعاً متوسطا بين القطاعين العام (الحكومي) والخاص، أي أنه أصبح قطاعا ثالثا لا يُستهان به، ويظهر من خلال العمل الخيري سواء محليا أو عالميا آثارا اقتصادية إيجابية مباشرة، وغير مباشرة في مختلف جوانب الحياة.
الإعلام الخيري مطلوب
ومع وجود هذا الدور وهذه الأهمية بجانب اتساع دائرة الفعل والتأثير وتعدد مستويات الحركة كان لابد من وجود آليات فاعلة للتأثير والتواجد وقد خدمت العولمة فيما خلقته من آليات وعمليات ووسائل هذا الغرض في أنها وفرت طرق للتواصل والتأثير حيث جعلت العولمة من العالم قرية صغيرة حقا ، واستفاد من ذلك العديد من المؤسسات والحكومات والنظم وتضرر الكثيرين أيضا فالذي يؤثر ليس كمن يتأثر وللأسف كنا نحن المسلمين والعرب خاصة أكثر الدول تأثرا وأقلها تأثيرا في مجال استخدام الأعلام والاتصال بمختلف صوره وأشكاله ، وهو ما انعكس علي أبناء المؤسسات الخيرية والعاملين بها ولم يستطيعوا أن يواكبوا حركة التأثير وغفلوا لأسباب متعددة سنتعرض لها في هذه الورقة عن أن يؤسسوا لأعلام يخدم أهدافهم ويساعد في تبني خططهم ويسهل لهم حركة فعلهم .
واشتدت الأزمة علي العمل الخيري ومؤسساته وذلك مع ازدياد تأثير الأخر وهجمته التي لم تتوقف إلي اليوم بل أشدت وطأتها لأنهم استطاعوا أن يخلقوا ويصنعوا من يقوم مقامهم من بيننا فأصبحت دعواتهم لا تأتي من الغرب فقط بل من أبناء الإسلام والعرب ، ومن هنا جاءت الأصوات الداعية إلي تخصيص مساحة لتقديم الرؤية وتوضيح الصورة والدفاع عن العمل الخيري بل ونشر ثقافته بعد أن ضاعت بين ثقافة الانحلال والضعف وحب الدنيا ، وبالفعل قدمت العديد من الجهود في ذلك إلا أنها لم تتعدي كونها ورقة في مجلة أو خبر في صحيفة أو لقاء في إذاعة فلم تفي بالغرض ولم تستطع أن تقدم البديل والحل ووجدنا أنفسنا نبتعد عن الهدف وتزداد الأعباء ورغم توقع البعض لهذه التبعات وأضرب مثلا بتصريح للشيخ الداعية المجاهد العم عبد الله المطوع رحمه الله أحد رواد العمل الخيري بالكويت ورئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي سابقا في مقولة له للإعلام قبل وفاته 2006 ” إن العمل الخيري يتعرض لغزو فكري منظم لا يستهدف العمل الخيري فقط، بل حتى العمل الإسلامي، فهناك قوى أجنبية تعمل على حصار العمل الخيري والدعوي في المنطقة ككل، وعلى سبيل المثال انتشار فكر حزب البعث في المنطقة ما هو إلا دعوة لضرب العمل الإسلامي “.
من هنا جاءت الدعوات الأكثر قوة بالمطالبة ببناء إعلامي متكامل يخدم هذه الهدف وهذه المؤسسات ويليق بحركة فعلة وحركة وجوده ، وهي الدعوة التي فرضت التساؤل هل لدينا القدرة علي تقديم ذلك وكيف سنقدمه هل للإعلان عن ما نقوم به أم للتواصل من خلال ما نقوم به ؟ والفارق بينهم كبير ويحتاج الأمر إلى عناية ورعاية ودعم لنؤسس لذلك ونضع الأقدام في الطريق .