مع إسدال الستار على عام 2016 بات مشهد الحل السياسي في سورية أكثر تعقيدا، في ظل هيمنة روسية على القرار، يقابلها عجز دولي عن مواجهة عراقيل موسكو دعما لحليفها بشار الأسد، بل وصل الأمر حد تراجع دول غربية عن أولوية إسقاط النظام السوري مقابل “محاربة الإرهاب”.
وظهر التفوق الروسي جليا باستخدام حق النقض (فيتو) مرتين في مجلس الأمن الدولي، بل تعداه إلى المبادرة بالإعلان عن مفاوضات سورية جديدة ترعاها موسكو وأنقرة في عاصمة كزاخستان دون تحديد موعد لها.
بدأ العام 2016 بحراك سياسي ودبلوماسي مكثف أعقب تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية أواخر 2015 في الرياض، بيد أن عجلة هذا التحرك تثاقلت مع الإعلان عن مفاوضات غير مباشرة ترعاها الأمم المتحدة في جنيف بين وفدي المعارضة والنظام يوم 25 يناير، ثم تأجلت لاحقا إلى 29 من نفس الشهر بسبب الخلافات.
فبعد شد وجذب على خلفية اشتراط المعارضة تهيئة أجواء المفاوضات بمبادرات حسن نية من جانب النظام تتعلق بوقف القصف وفك الحصار وإطلاق المعتقلين، وتمسك النظام بموقفه بالحوار دون شروط تارة، ورفضه أطرافا من وفد المعارضة تارة أخرى، انطلقت المفاوضات في ظل آمال ضعيفة في نتائجها.
ولم تمض عدة أيام حتى عُلقت تلك المفاوضات وأعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستفان دي ميستورا عن موعد جديد لاستئنافها قبل نهاية فبراير بعد تهيئة الظروف المناسبة بإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار. ورغم التوصل إلى هدنة يوم 26 فبراير فإن الانتهاكات المستمرة لها حالت دون استئناف المفاوضات حتى 14 مارس.
وقد تزامنت جولة المفاوضات السورية الجديدة في جنيف مع إعلان روسيا عن انسحاب جزئي لقواتها من سوريا مما دفع الأطراف إلى التفاؤل بالمفاوضات، لكن هذه النظرة الإيجابية لم تستمر طويلا بعدما طلب دي ميستورا من وفدي المعارضة والنظام تقديم رؤية لمرحلة الانتقال السياسي وعرضه في ختام الجولة ما سماها وثيقة مبادئ الحل السياسي، رحبت بها المعارضة ورفضها النظام.
فدرالية الأكراد
وفي خضم أجواء المفاوضات ظهرت تعقيدات جديدة في المشهد السياسي السوري تمثلت بإعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي مع حلفائه يوم 18 مارس إنشاء نظام فدرالي في مناطق سيطرته شمال سورية تحت اسم “روج آفا”، وهو ما رفضته الأطراف السورية الأخرى: النظام والمعارضة وحتى حلفاء للأكراد.
وحاول النظام السوري الالتفاف على مفاوضات جنيف-3 بإعلان رئيسه بشار الأسد في مقابلة مع وكالة روسية أن هدف المفاوضات الاتفاق على شكل حكومة وحدة يشارك فيها النظام والمعارضة. وفي تصرف لإفشال هذه المفاوضات والتقليل من أهميتها، أعلن النظام السوري عن إجراء انتخابات برلمانية يوم 13 أبريل في يوم استئنافها.
وكسابقتها انتهت جولة المحادثات غير المباشرة دون إحراز أي تقدم، كما علق وفد الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة مشاركته قبل انتهائها بسبب تصاعد الغارات الجوية على المدنيين، واستمرار الحصار على مدن وبلدات سورية، وعدم إحراز أي تقدم بشأن إطلاق المعتقلين.
الفشل والفيتو
ومنذ ذلك الوقت لم تفلح التحركات الدبلوماسية للحل في سورية، التي جرت بين وزيري الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف. ولم يحصل أي تقدم عن مؤتمرات ما يعرف بمجموعة أصدقاء الشعب السوري ولا حتى اجتماعات مجموعة دعم سورية التي عقدت في باريس وبرلين ولندن وموسكو وجنيف.
وفي محاولة لإخراج الأزمة السورية من الزاوية، نقل المجتمع الدولي الصراع إلى أروقة مجلس الأمن، لكن ذلك أحدث انقساما جديدا إذ عمدت روسيا يوم 8 أكتوبر إلى استخدام حق النقض (فيتو) ضد مشروع يتضمن وقف القتال في حلب وهدنة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مختلف المناطق في سورية.
ولجأت موسكو إلى الفيتو مجددا يوم 5 ديسمبر عندما استخدمته مع الصين ضد مشروع قرار يطالب بهدنة لسبعة أيام في حلب، وإنهاء القتال في أنحاء سورية. وبررت روسيا رفضها أن مشروع القرار لا يشير صراحة إلى خروج المقاتلين من شرق حلب.
ودفعت هذه المواقف الروسية الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة إلى اعتبار روسيا وإيران دولتي احتلال، ودعت إلى حلول للأزمة السورية من خارج مجلس الأمن.
وإزاء هذه التطورات تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 9 ديسمبر قرارا -دون صلاحيات تنفيذية- يطالب بهدنة فورية في سوريا، والسماح بوصول المساعدات، وإنهاء حصار جميع المناطق، ومنها حلب.
ولكن روسيا سمحت في النهاية بتمرير قرار دولي لصالح حليفها في دمشق يوم 19 من نفس الشهر، يسمح بمراقبة الأمم المتحدة لعمليات الإجلاء من شرق حلب.
جهود روسية جديدة
وتجاوزت الهيمنة الروسية ذلك بإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقه مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على إجراء مفاوضات سلام جديدة بين أطراف النزاع السوري في أستانا عاصمة كزاخستان.
وقد تبع ذلك “إعلان موسكو” يوم 20 ديسمبر بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، الذي اتفقوا فيه على إطلاق تسوية للأزمة السورية تعطي الأولوية لمكافحة الإرهاب لا لإسقاط النظام.
وفي ظل التطورات الأخيرة من موسكو وردة فعل المعارضة الحذرة إزاءها، وترقب استلام دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة، هل سيشهد العام المقبل حلا سياسيا تفصله روسيا في سورية، أم ستظهر مفاجآت تخلط الأوراق من جديد؟