– اغتصب 7 جنود في ميانمار ياسمين في منزلها واحداً تلو الآخر وهي تكتم صرخاتها خوفاً من القتل
يمكث مختار، الرجل المسن في كوخه الصغير يضمَد الجروح الناجمة عن إصابته بطلق ناري في فخذه، إثر قيام الجيش بشن هجوم على قريته منذ 16 يوماً.
وأنور الذي لم يتجاوز عمره عامين، يربط إصبعين في يده الصغيرة، بعدما أصيب بحروق عندما أشعل الجنود النار في المنازل.
ليست هذه سوى بعض من القصص القليلة التي تقاسمها أفراد من الأقلية العرقية المسلمة في ميانمار، الروهينجيا، الذين فروا عبر الحدود إلى بنجلاديش خلال الأشهر القليلة الماضية، مع “شبكة الأنباء الإنسانية” (إيرين)، عندما نفّذت قوات الجيش عمليات تطهير ضد المتمردين.
وعلى الجانب الآخر، تحاول الحكومة والجيش في ميانمار إقناع الآخرين بأن هذه الروايات محض أكاذيب.
وفي هذا الصدد، قالت آيي آيي سوي، المتحدثة باسم وزارة الخارجية: إن معظمها قصص مختلقة ومُبالغ فيها، لم تحدث الأشياء التي يتهموننا بها على الإطلاق.
وتتوافق تعليقاتها هذه مع سيل مستمر من التصريحات الحكومية منذ بدء العمليات العسكرية، التي جرت في أعقاب الهجمات على مراكز الشرطة الحدودية في بلدة منجدو الحدودية في 9 أكتوبر، وقد ذهبت مقالة بتاريخ 3 نوفمبر في صحيفة “جلوبال نيو لايت أوف ميانمار”، المملوكة للدولة، إلى حد اتهام جماعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام بنشر حوادث “تم فبركتها عن عمد بالتواطؤ مع الجماعات الإرهابية”، مع ذلك، يرفض الجيش السماح للصحفيين أو المحققين بالدخول إلى المنطقة لتأكيد روايات إساءة المعاملة أو دحضها.
وعلى الرغم من عدم القدرة على الوصول إلى المنطقة، تتراكم الأدلة التي تؤكد حدوث هذه الفظائع. وقد جمعت المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة روايات عن الاغتصاب والقتل وحالات الاختفاء. ونشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة “العفو” الدولية أيضاً تقارير تتضمن تحليلات مستقلة لصور أقمار صناعية توضح بقوة وجود قرى أضرمت فيها النيران من قبل الجيش، مما يشكل تحدياً مباشراً لادعاءات الحكومة بأن الروهينجيا هم الذين أحرقوا بيوتهم من أجل “التشكيك في قوات الأمن”.
وفي 20 ديسمبر، قالت المنظمة الدولية للهجرة: إن 34 ألف شخص على الأقل من الروهينجيا قد عبروا الحدود إلى بنجلاديش منذ شهر أكتوبر.
من جانبها، شككت آيي آيي في مثل هذا العدد الكبير وقالت في مقابلة عبر الهاتف: “أنا متأكدة من أن هناك أشخاصاً يتوجهون إلى الحدود، وأنا أقبل ذلك، لكن لا أعرف إذا كان يمكن أن يصل العدد إلى 20 أو 30 ألف شخص، هذا مُبالغ فيه”.
وأردفت آي أي سوي أنه قد تم تنفيذ العمليات العسكرية “بقدر كبير جداً من ضبط النفس، وفيما يتعلق بالاغتصاب، والتطهير العرقي، فهي روايات كاذبة تماماً”.
ومن الصعب أن يتسق مثل هذا الإنكار مع الشهادات المقدمة إلى “شبكة الأنباء الإنسانية” (إيرين)، فضلاً عن منظمات أخرى مثل منظمة فورتيفاي رايتس Fortify Rights التي قامت مؤخراً برحلة بحثية إلى بنجلاديش، حيث أجرى أعضاء الفريق البحثي مقابلات مع العشرات من الضحايا وقاموا بمقارنة ومضاهاة روايات شهود العيان ببعضها البعض، علاوة على ذلك، توجد إصابات جسدية، بما في ذلك طلقات نارية وعلامات اغتصاب على بعض الوافدين حديثاً.
وفي هذا الصدد، قال مات سميث، المسؤول التنفيذي الأول للفريق، لـ”شبكة الأنباء الإنسانية” (إيرين): “رفض الحكومة القاسي وصل إلى مستوى السخافة، ادعاء الحكومة بأن هذه الروايات قد تكون ملفقة مثير للاشمئزاز”.
قصة ياسمين
قالت ياسمين: إن الجنود دخلوا قريتها قبيل الفجر، وبدؤوا يطلقون النار في الهواء.
وأوضحت في مقابلة أجريت معها في هازي بارا، وهي قرية تقع على بعد حوالي 80 كيلومتراً داخل بنجلاديش: “لا أستطيع وصف الشعور بالخوف الذي يعم المنطقة”.
وياسمين هو اسم مستعار، مثل غيره من أسماء الروهينجيا الآخرين الواردة في هذه القصة ذلك أن استخدام أسمائهم الحقيقية يمكن أن يُعرّضهم وأسرهم إلى خطر الانتقام من قوات الأمن في ميانمار.
وقد أجبر الجنود الأشخاص المقيمين على الخروج إلى الطريق وبدؤوا في البحث عن الرجال، الذين كان معظمهم قد فرّ بالفعل. وأخيراً غادر الجنود، ولكن كابوس القرويين لم ينته. فقد عادوا في وقت لاحق من ذلك اليوم وبعضهم “كان في حالة سُكر شديد”، حسبما قالت ياسمين.
أخذوا النساء إلى منازلهم، وطلبوا أموالهن وأشيائهن الثمينة، ثم اغتصبوهن. وبعدما اغتصبوا ياسمين، أشعلوا النار في منزلها، إضافة إلى مسجد القرية ومنازل أخرى. وقتلوا زعيم ديني، واعتقلوا العديد من الرجال كبار السن، بما في ذلك والدها.
وعقب ذلك، اقتاد الجنود قرابة 400 من النساء والأطفال في ساحة كبيرة تقع بين منزلين حيث أبقوهم تحت الحراسة.
وتتسق تواريخ الهجوم وتفاصيله التي روتها ياسمين مع البيانات المقدمة من زعماء قرى للروهينجيا إلى لجنة شكلتها الحكومة للتحقيق في أعمال العنف وتقاسمتها مع “شبكة الأنباء الإنسانية” (إيرين)، كما تتطابق الروايات التي قصّها الروهينجيا، الذين لجؤوا إلى إحدى قرى ومخيمات اللاجئين غير الرسمية في بنجلاديش مع الشهادات التي جمعتها المنظمات الحقوقية. وتشير الأدلة التراكمية إلى وجود نمط واسع الانتشار من الانتهاكات العسكرية.
وقالت ياسمين: إن الجنود صادروا جميع الهواتف النقالة، غير أن سيدة “ذكية” قد تمكنت من إخفاء هاتفها.
في تلك الفترة، كان محمد، زوج ياسمين في بنجلاديش، حيث كان يعمل باليوميّة في مدينة شيتاجونج، وكانت ياسمين تحفظ رقمه عن ظهر قلب، فاتصلت به لتبلغه عن الهجوم والقبض على والده.
من جانبه، قال محمد: عندما سمعت صوت زوجتي، لم أستطع تصديقه، حزنت حزناً شديداً عندما سمعت أن الجيش اعتقل والدي.
وأضاف أن القلق يتملكه الآن ويستنفد قواه لدرجة تجعله غير قادر على البحث عن عمل.
وبعد ثلاثة أيام من احتجازها من دون طعام، تمكنت ياسمين من الهروب. فرّت إلى منطقة ريفية هي وأطفالها الأربعة، وشقت طريقها إلى نهر ناف، الذي يشكل الحدود مع بنجلاديش.
أمضت ياسمين وأولادها ثلاثة أيام في الجانب الميانماري من النهر، كان حرس الحدود البنجال يمنعون الروهينجيا من دخول الدولة، ولم يكن لديها أموال تدفعها لمن يساعدها على الهرب، وأخيراً، استطاع زوجها تحويل المبلغ المطلوب إلى مهرب باستخدام “بكاش”، خدمة تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، ومن ثم تمكنت من عبور النهر في قارب صغير ليلاً.
في الوقت نفسه، سافر محمد إلى هازي بارا، وهي قرية يسكن فيها صديق له كان قد التقى به أثناء العمل في شيتاجونج، ووفرت سيدة هناك المأوى له ولأسرته.
حواجز تعرقل وصول المعونة
وعلى الرغم من أنه لا أحد يعرف على وجه التحديد عدد الروهينجيا الذين فرّوا إلى بنجلاديش حتى الآن، لكن العدد يفوق بالتأكيد 34 ألف شخص، الرقم الذي ذكرته المنظمة الدولية للهجرة، الذي يتضمن فقط من يقيمون في المخيمات الرسمية وغير الرسمية، فضلاً عن هاتين البلدتين. ويقيم عدد أكبر في قرى أخرى مثل هازي بارا، حيث قال السكان إن أسرة ياسمين هي واحدة من قرابة 45 أسرة تحتمي هناك. وقد زارت منظمة “فورتيفاي رايتس” العديد من مخيمات الروهينجيا في الغابات والحقول الواقعة على امتداد الحدود.
وقال علي حسين، المفوض بالإنابة لمنطقة كوكس بازار الحدودية: “ليس لدينا أي إحصاءات على الإطلاق”.
ويعكس إحجام حكومة بلده عن جمع المعلومات المتعلقة بالوافدين الجدد الموقف الصعب الذي تجد بنغلاديش نفسها فيه.
فقبل هذا التدفق الأخير للاجئين، كانت الدولة الفقيرة والمكتظة بالسكان تستضيف زهاء 32 ألف لاجئ مسجل وما يصل إلى 500 ألف من الروهينجيا غير المسجلين الذين قد تدفقوا عبر الحدود في أوقات مختلفة منذ فترة السبعينيات، بالأساس خلال نوبات العنف التي قادها الغوغاء والعمليات العسكرية في ميانمار المشابهة لتلك التي تجري في الوقت الراهن. وفي الوقت الحاضر، تتردد بنغلاديش في فتح حدودها رسمياً أو السماح لمنظمات المعونة بتوسيع استجابتها للأزمة خشية أن يؤدي هذا إلى تشجيع مزيد من الروهينجيا على الفرار إليها. في الوقت نفسه، غالباً ما يغض حرس الحدود الطرف عن عمليات العبور تلك، في حين تقوم وكالات المعونة بزيادة دعمها في هدوء.
ولكن هذا لا يكفي، إذ يقول الروهينجيا الذين يقيمون في مخيمات مؤقتة: إن الوافدين الجدد يتسولون من الناس الذين لا يجدون هم أنفسهم ما يسد رمقهم. وهناك آخرون يعانون من المرض أو الإصابة، ولكنهم لا يجدون الرعاية الطبية.
وحول وضع اللاجئين في بنجلاديش، قال طبيب يعمل في المخيمات مع منظمة “فورتيفاي رايتس”: إنه عالج بمفرده خلال الشهرين الماضيين 13 امرأة وقعن ضحية للاغتصاب، من بينهن امرأة تعرضت لاغتصاب جماعي من الجنود وظلت تنزف لمدة أسبوعين.
وقالت امرأة أخرى لـ”شبكة الأنباء الإنسانية” (إيرين): إنها ظلت تنزف بعد أن اغتصبها الجنود، لكنها كانت تخشى الذهاب إلى مستشفى حكومي خوفاً من إعادتها إلى ميانمار، ونظراً لوجود 5 نقاط تفتيش أمنية تفصل بينها وبين العيادة التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود، لم تستطيع الذهاب إلى هناك أيضاً. وقد اعتُقل زوجها أثناء الهجوم على قريتها، ولا تعرف ما إذا كان لا يزال على قيد الحياة أم لا.
وأضافت السيدة التي لديها ثلاثة أطفال: “أتسول هنا وهناك للعيش…ليس لدىّ أي أقارب هنا”.
معارك العلاقات العامة
ولا تكترث حكومة ميانمار على ما يبدو بهذه الشهادات، على الرغم من أنها تحت رئاسة أونغ سان سو كي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام تقديراً لنضالها المؤيد للديمقراطية ضد المجلس العسكري السابق.
وبدلاً من ذلك، تواصل الحكومة نشر بيانات مثل المقال الذي نشر في 19 ديسمبر على موقع وزارة الإعلام، الذي يتهم المجتمع الدولي بأنه “يمارس الضغط علينا” ظلماً بناء على “أخبار كاذبة”.
ويضيف البيان: “على الرغم من أننا كنا ضحية لهجمات عنيفة، فقد تعاملت ميانمار مع هذه المشكلة بما يراعي الاعتبارات الإنسانية كاملة ويتعاطى مع هذه الأعمال الإجرامية بطريقة مخففة وتصرفنا وفقاً للقانون”.
ويرى النقاد أن وابل التصريحات الذي ينكر التجاوزات يوفر غطاء للجيش للقيام بعمليات حذرت منظمة العفو الدولية أنها “ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي” لمجتمعات الروهينجيا، وقد دعت الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية إلى إجراء تحقيق مستقل في الادعاءات المتعلقة بالأعمال الوحشية، وأثارت منظمة العفو الدولية إمكانية أن ترقى هذه التجاوزات إلى درجة جرائم ضد الإنسانية.