حاجات أبناء الجالية العربية في اليونان تجاوزت دور العبادة والمؤسسات الثقافية لتصبح حاجاتٍ معيشية وتربوية
غياب المؤسسات التربوية والجمعيات الأهلية يمثل فجوة مهمة في بنية الجالية المسلمة
بدأت الجالية العربية في اليونان تزداد كمّاً ونوعاً منذ تسعينيات القرن الماضي، بعدما كان وجودها في البلد حتى ذلك الحين نخبوياً مقتصراً على الطلاّب ورجال الأعمال والدبلوماسيين.
منذ تسعينيات القرنِ الماضي بدأ أبناء الجالية في إنشاء أماكن للعبادة وجمعياتٍ غير ربحية، تمحورت أهدافها وعناوينها حول الصداقة العربية اليونانية وخدمة أبناء الجالية، لكن تلك الجمعيات بقيت داخل الجالية دون أن تنفتح بالشكل المطلوب على المجتمع اليوناني ومؤسساته، كما لم تستطع خدمة أبناء الجالية بالشكل المطلوب.
ولا يزال مسلمو اليونان بحاجةٍ إلى الكثير من الجهود للظهور بمظهر الجالية الموحدة، كما لا تزال الكثير من العقبات تعرقل تحقيق إنجازات ملموسة لهم.
انقسام وتفرق
ولعلّ أهمّ ما على مسلمي اليونان إنجازه هو حلّ مشكلة التمثيل، فالجالية المسلمة المنقسمة عرقياً بين العرب والأفارقة والآسيويين لا يجمعها أي اتحادٍ أو رابطة، وهذا ما جعل تأثيرها في البلد منعدماً تماماً، بل إن أموراً مثل بناء أول مسجد رسمي للمسلمين في البلد تجري بعيداً دون الأخذ برأيهم.
إضافة إلى ما سبق، هناك ضعفٌ واضحٌ في العلاقات بين الجالية الإسلامية المهاجرة وأبناء الأقلية المسلمة في شمال اليونان، حيث إنّ لكلّ جماعةٍ همومها وظروفها المعيشية التي ليست لدى الجماعة الأخرى.
غياب المؤسسات
ويمثل غياب المؤسسات التربوية والجمعيات الأهلية فجوة مهمة في بنية الجالية المسلمة؛ حيث إنّ الجيل الناشئ في البلد يحتاج إلى محاضن تربوية تعلمه اللغة العربية والأخلاق الإسلامية، وتحصّنه بالمعارف الحضارية الضرورية.
إن حاجات أبناء الجالية العربية في اليونان تجاوزت اليوم دور العبادة والمؤسسات الثقافية العادية، لتصبح حاجاتٍ معيشية مهنية وتربوية متقدمة، ومن المعروف كذلك أنّ الجالية العربية في اليونان تفتقد لشيئين آخرين غاية في الأهمية؛ وهما المدارس العربية، حيث إنه ليس من السهل القيام بهذه التجربة، ثم مقبرة لدفن موتى المسلمين، وذلك بدلاً من تسفيرهم إلى بلادهم أو دفنهم في مقابر في شمال اليونان، حيث مناطق الأقلية المسلمة، وكلتا العمليتين تكلف الكثير من الأموال والجهود والوقت.
كما يلاحظ أنّ ثمة فجوةً واضحةً بدأت بالظهور منذ سنوات بين أبناء الجيل الثاني الذين وُلدوا أو كبروا في البلد، وآبائهم الذين جاؤوا من البلاد العربية، هذه الحالة تصبح أسوأ بكثير في حالات الزواج المختلط، حيث يمكن الحديث عن أزمة هوية حادة.
ومع حلول الأزمة الاقتصادية على اليونان تأثر المهاجرون عموماً بها؛ ما أدى إلى هجرة آلاف الأسر الأجنبية إلى بلاد أوروبية أخرى، أو عودتها إلى بلادها، هذا الوضع أضعف المؤسسات الموجودة من مصليات ومؤسسات أهلية قليلة، حيث قلّ عدد المصلين والمتبرعين والنشطاء والجمهور المستهدف من الأنشطة.
لذلك، فالمطلوب من أيّ مؤسسة تعمل في أوساط الجالية العربية اليوم الاهتمام بما يلي:
– تعليم ونشر اللغة العربية لدى أبناء الزيجات المختلطة، والعمل على الترويج لها ضمن المجتمع اليوناني.
– العناية بالأسر التي ضربتها البطالة والفقر، والأولاد الذين اختلّت حياتهم بسبب الخلافات الزوجية والطلاق.
– الاهتمام بجمع شتات الشباب الموجود في البلاد، مع الاهتمام بمسألة الترفيه عن الأطفال والشباب.
– تنمية المواهب المهنية للشباب حتى يستطيعوا إيجاد عمل.
– التشجيع على المشاركة في الحياة العامة.
وفي المجال الإعلامي، تفتقد الجالية العربية في اليونان إلى صوت ينطق باسمها ويعمل على توعيتها، ولو كان صحيفة أو راديو إنترنت، أو موقع إلكتروني، هذا الغياب الإعلامي زاد من تشتت وتفرق الجالية الإسلامية، وزاد من ابتعادها عن الشعور بنفسها وبوحدتها.
اللاجئون والحاجة للتنسيق
إضافة إلى ما سبق، فقد فرض قدوم آلاف اللاجئين إلى اليونان خلال السنتين الماضيتين، الحاجة لتنسيق العمل الإغاثي، حيث إنّ هذا الملف يحتاج جهوداً كبيرةً وتنسيقاً عالي المستوى، وهذا ليس معناه أنّ الجالية العربية غير موجودة في عملية إغاثة اللاجئين، لكنّ جهودها لا تظهر بسبب العمل العفوي والفردي في هذا الملف.
إنّ الجالية العربية والمسلمة في اليونان بحاجة اليوم إلى جهد شبابي خالص ينهض بأبناء الجالية من خلال عملية تربوية منظمة، تقوم على أساس الدين والأخلاق والعلم، ولا تنعزل عن المجتمع المحيط بها، بل تمدّ له يد التبادل الثقافي والحضاري، وهو جهد لا يمكن أن يقوم به إلا شباب متدين مثقف يريد خدمة الجالية والمجتمع، لا يعير أيّ اهتمام لمسائل الخلاف والتفاصيل التي تعيق العمل.