– وهي التي تعني إصدار حكمين متناقضين في قضية واحدة على طرفين مختلفين.
– أو اتخاذ موقفين متناقضين من قضية واحدة وبمعطيات واحدة بحق جهتين مختلفتين.
– أو تحكيم المبادئ على الآخر والتملص منها على النفس أو على الصديق أو الحليف أو الشريك.
– أو النظر إلى تصرف واحد يصدر من شخصين، بنظرتين مختلفتين متباينتين.
– كما تعني: الكيل بمكيالين حيال حالة سياسية، أو ثقافية، أو اجتماعية، أو اقتصادية ينظر إليها بوصفها مقبولة إن جاءت من فريق ما، ومرفوضةٌ ومن المحرمات إذا لجأ إليها الفريق الآخر.
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
وهذه حالة قد لا يسلم منها الكثيرون دولاً أو منظمات أو أفراداً مهما كانت اتجاهاتهم ومرجعياتهم، وجاء القرآن العظيم ليهذب النفس الإنسانية تجاه هذه القضية الحساسة حيث قال: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ {1} الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ {2} وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ {3}) (المطففين)، ومع ذلك يبقى التطفيف والكيل بمكيالين سيد الموقف إلا من رحم ربك.
وفي الغالب فإن غطرسة القوة والمصالح الخاصة هي التي تؤدي إلى ازدواجية المعايير.
ولا يخفى أنَّ النظام الدولي غذّى ازدواجية المعايير وكرسها وخدمها، فهو يمارس احتكار السلاح، والخامات الرئيسة (بترول + قمح)، واحتكار الشرعية الدولية، ويفرض العقوبات الدولية، ويحتكر عولمة الإعلام والتعليم.
ومن نماذج الكيل بمكيالين أو ازدواجية المعايير في المواقف والممارسات على المستوى العالمي:
1- غياب الإرادة السياسية الجامعة في أوروبا لدعم استقلال فلسطين أو عودة اللاجئين إلى بلادهم، فضلاً عن إنهاء الاحتلال، بما يعني أن أوروبا عاجزة أو غير راغبة في التحرك الحقيقي نحو تحكيم مبادئها الإنسانية المعلنة، والقرارات الدولية خارج حدود بلادها ومصالحها الخاصة.
2- في أدبيات السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي والبلاغات والتصريحات برامج لدعم مؤسسات المجتمع المدني، إلا أن ذلك لا يمنعها من إقامة علاقات وطيدة مع أنظمتها الاستبدادية!
3- تعاملها مع اللاجئين السوريين الهاربين من الموت إلى أوروبا، وتصنيفهم على أساس ديانتهم ومعتقداتهم فتسمح للمسيحيين فقط!
4- استعمرت فرنسا معظم الدول الأفريقية واستولت على ثرواتها جرى ذلك كله تحت ظلال مبادئ الثورة الفرنسية !
5- نجد الموقف الغربي والأمريكي من الربيع العربي بدأ بترحيب خجول، ثم مر بمرحلة فتور باعتبار نجاح بعض الثورات عبارة عن صراع أيديولوجي أو ثقافي، وأقصى ما طالبت به بعض الدول الأوروبية الإفراج عن د. محمد مرسي، وليس تحقيق الديمقراطية واحترامها، فقد أقرت بالتجاوز على المؤسسات الشرعية المنتخبة ديمقراطياً، ولم يطلقوا أي تحذير إزاء سفك دماء المعتصمين في ميادين القاهرة ومصادرة الحقوق المدنية، ثم توطدت العلاقات مع النظام الانقلابي وكأن شيئاً لم يكن!
6- التعامل مع القضية الفلسطينية التي هي من أكثر القضايا الدولية وضوحاً، حيث أثبتت انحياز الدول الكبرى إلى العدو “الإسرائيلي”، وعدم تطبيق القانون الدولي عليها، بالرغم من مجازرها، وكذلك موقفها من حرب الإبادة “الإسرائيلية” على غزة.
7- التعامل مع الملف النووي “الإسرائيلي” وتجاهله دولياً، والعجز حتى عن رقابته وتفتيشه، بينما تم غزو العراق وحصار الشعب العراقي، بكذبة امتلاك السلاح النووي، وادعاء نشر الديمقراطية في المنطقة.
8- إطلاق اليد الإيرانية في العراق وسورية بعد موافقتها على عدم التعرض للمصالح الأمريكية و”الإسرائيلية”، وعلى حساب الشعبين السوري والعراقي.
9- أنهت أمريكا الترسانة الكيماوية السورية لصالح أمن “إسرائيل” التي تمتلك ترسانة من الأسلحة النووية بالاتفاق مع روسيا، وتركت الشعب السوري والأرض السورية فريسة للطائفية والاستبداد، وللفكر المنحرف والداعشية المدمرة.
من المعايير المزودجة أو الكيل بمكيالين أيضاً منذ بدايات القرن الماضي:
1- اتفاقية “سايكس بيكو” عام 1916م بتقسيم العالم العربي والإسلامي واستعماره وكأنما هي بلاد بلا شعوب وبلا حقوق إنسانية.
2- “وعد بلفور” البريطاني لليهود عام 1917م لإقامة وطن قومي لهم، ممن لا يملك لمن لا يستحق من شتى أنحاء العالم، وطرد سكانها العرب من آلاف السنين.
3- قول الجنرال اللينبي عام 1917م عندما عبر نهر الأردن إلى القدس: الآن انتهت الحروب الصليبية، وادعاء خدمة الشعب الفلسطيني، وإن كانت مهمته تنفيذ “وعد بلفور”.
4- قرار عصبة الأمم عام 1922م بشرعية الاحتلال الفرنسي لسورية.
5- عدم الاعتراف بحقوق الإنسان العربي والمسلم رغم قيام هيئة الأمم المتحدة ومحكمة لاهاي ومجلس الأمن، وأبرزها القرار (242) الذي يقضي بانسحاب “إسرائيل” من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م.
6- النظر إلى مظاهر المسلمين في الغرب (الحجاب) على أنّها إرهابية، أما مظاهر اليهود والمسيحيين المشابهة تماماً فلا اعتراض عليها.
7- قول بوش الابن (عام 2003م): إنها حرب صليبية طويلة المدى، بعد هجومه على العراق، بينما قال في خطابه في العام نفسه: منذ 60 عاماً والدول الغربية تغض الطرف عن غياب الحريات في الشرق الأوسط، ولكن هذا لم يجلب لها الأمن، لأنه لا يمكن تحقيق الاستقرار على حساب الحرية.
وللحديث بقية.