نعمة جليلة من نعم الله المنعم الوهاب، ولكنه سبحانه قال في محكم التنزيل: (لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) (الأنعام:165) سيسألنا الله عن كل نعمة ابتلانا بها وعظم السؤال بعظم النعمة
إن كنز نعمة المال وعدم استخدامه بإنفاقه في الخير أو تنميته طبقاً لشرع الله ذنب عظيم، ونعمة العقل أعظم وأجلّ من نعمة المال.
لذا كان إهمال تنمية العقل وكفاءة استخدامه من الذنوب العظيمة لما لها من آثار مدمرة على باقي النعم، لقد اهتم الإسلام بتنمية العقل عن طريق مده بالحقائق الكونية التي يمكنه إدراكها بحواسه؛ (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {20}) (العنكبوت)، ودله على تحليل ما يحصل من حقائق لاستنتاج المعلومات؛ (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ {18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ {20}) (الغاشية).
هنا تعدى التوجيه النظر وتحصيل حقيقة:
– خلق الإبل.
– ورفع السماء.
– نصب الجبال.
– وتسطيح الأرض.
إلى توجيه الإنسان إلى التفكر في كيفية فعل هذه الحقيقة وتحليل العلاقة السببية بين الحقيقة الشاهدة أمام الأعين، وعجز الإنسان أن يفعل ذلك بذاته، وحقيقة أن هذه الأشياء عاجزة عن أن تفعل ذلك بذاتيتها، إذن ليبحث العقل وليعمل قوة التحليل للبحث عن كيفية خلق هذه الحقائق التي يراها ليظل التساؤل: مَن الفاعل؟ ولا يجيب المولى هنا أنه سبحانه وتعالى هو الخالق المدبر القائم بهذا الكون العظيم، بل يوجه الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ {21}) (الغاشية)، إن عليك أن توجههم لإعمال عقولهم، عليهم أن يتدبروا أمورهم، لقد ابتلانا الله بالعقل والإرادة، وشاء وله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة أن نمتلك إرادتنا كاملة دون سيطرة حتى من الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ {22}) (الغاشية).
ثم بعد التحليل واستخلاص المعلومة تأتي البصيرة لتنبت المعرفة وهي ثمرة من توفيق الله لمن كان قلبه يقظاً بمراقبة الله ووجدانه، متفاعلاً بحب الله وعقله، ممعناً في استنباط واستقراء دلائل قدرته، متعايشاً مع أسمائه الحسنى وصفاته العلى.
وهذا ما سنتناوله في المقالة القادمة إن شاء الله.