على الرغم من توق الشعوب إلى تحقيق ثوراتها للنتائج التي خرجت تصدح بحناجرها معبرة عنها، إلا أن قطف ثمارها لايزال حلماً بعيد المنال، بعدما خطفت الثورات المضادة الثورات الأم، ولم يتحقق لها نجاحاً في أي من بلدانها، علاوة على تسيد الثورات المضادة، ووضع الاحتياطات اللازمة لمنع تكرار ثورات ضدها.
هذه الاحتياطات أخذت أشكالاً عدة، منها إعادة الانقلاب على الشرعية، أو إثارة النعرات الطائفية، أو تزكية الخلافات المسلحة، أو إعادة الحرس القديم، وإن اختلفت أشكال وأساليب حكمه، ما يجعل الثورات العربية يطاردها حلم بأن مستقبلها أفضل من ماضيها.
وفي هذا السياق، نظم مركز الجزيرة للدراسات في مقره بالدوحة ندوة بعنوان “ست سنوات على الثورات العربية: لماذا نجحت تونس وأخفق الآخرون؟”، شارك فيها د.رفيق عبد السلام، وزير الخارجية التونسي الأسبق، د.العربي صديقي، الأستاذ بجامعة قطر، ود.طارق الزمر، رئيس حزب البناء والتنمية في مصر.
ووفق ما رأى المشاركون، فإن الثورة التونسية تميزت عن غيرها من الثورات، بأن حققت أهدافها، حسب وجهة نظر بعض المشاركين.. محددين هذه النجاحات في الاستقرار السياسي النسبي الذي أصبحت تحظى به تونس، نتيجة للتوافق السياسي على حد أدنى من التناغم والعمل المشترك.
ورأوا أن تونس شهدت تجربة ائتلافية أولى جمعت بين حركة النهضة ذات الخلفية الإسلامية وحزبين علمانيين هما: التكتل من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية، إلى أن جاءت التجربة الائتلافية الثانية بقاعدة سياسية أوسع ضمت أربعة أحزاب على رأسها نداء تونس وحركة النهضة.
واعتبر هذا الرأي أن التجربة عكست نضجاً في التعاطي مع الشأن العام وواقعية سياسية جنبت تونس هزات مدمرة، غير أنهم لم يغفلوا حالة التدهور الاقتصادي في البلاد، على خلاف حلم التونسيين في مستهل ثورتهم بتحقيق إصلاح اقتصادي، ما أدى إلى تداعيات اجتماعية تهدد الاستقرار السياسي، المشار إليه.
د.رفيق عبدالسلام، رأى أن أحد أسباب الاستقرار السياسي في تونس، تجنب الجيش عن الدخول بالمعادلة السياسية، “ويلاحظ أن دور المؤسسة العسكرية كانت أحد المعطيات لنجاح الثورة في تونس، بجانب معطيات أخرى”.
ويرجع ذلك إلى أن الجيش ليست لديه معطيات التدخل في الشؤون السياسية منذ زمن الحبيب بورقيبة، الذي كان يتوجس خيفة من العسكريين، حيث لم يرد تكرار النموذجين الناصري ولا البعثي السوري، ما يعني أن تقاليد حركات الاحتجاج التونسية ظلت حراكاً مدنياً سياسياً، فيما كانت مصر ومنذ حكم محمد علي، وكذلك في النموذجين السوري والعراقي، يظهر فيها التدخل العسكري الملحوظ في الأمور السياسية”.
ورغم ذلك، فإن د.عبد السلام، يعتبر أن المشهد التونسي مركب ومتداخل، فيقول: “ورغم ما تحقق من نجاحات، إلا أن هناك صعوبات مازالت قائمة، ومن المبكر الحكم على تجربة الثورات بعد خمس أو ست سنوات، فالمنطقة مازالت تعيش مسار تحول قاسي ومؤلم، والعرب في مختلف أماكنهم، طموحاتهم تتجاوز واقعهم”.
ومن جانبه، أجرى د.العربي صديقي، مقارنة بين النجاح والاخفاق في الثورات العربية، والطريق الصحيح بالنسبة للتجربة التونسية.داعياً إلى عدم التعمق في هذه المسألة، والوقوف على مقاييس النجاح والإخفاق.
ولفت إلى وجود مشهد مركب في التجربة التونسية، “بينما الحالة بالنسبة للمشهد المصري، تشبه إلى حد كبير ما مرت به التجربة التركية من انقلاب عسكري عام 1993م، وعلى أية حال، فإن أكبر إشكالية تواجه الدول العربية هي الأرضية القانونية، والوصول إلى الدولة القانونية التي تتسم بالعقلانية”.
أما د.طارق الزمر، فرأى أن كلمة السر في نجاح الثورة التونسية، يكمن في توافق النخبة السياسية، “وهذا ما افتقدته الحالة المصرية، كما ينبغي النظر إلى أثر التعليم في تونس، مقارنة بما عليه الحال في مصر، من تجهيل للناس، وتجربة نضج المجتمع المدني في تونس، ودور الرباعية الحيوي، من أجل استكمال المسار الثوري، مع غياب للتحالفات بين العلمانيين وقوى الاستبداد أو العسكر، وعدم استخدام آلة إعلامية لتضليل الرأي العام”، على حد تعبيره.
واعتبر أن الثورة المصرية لم تفشل، “إذ قدمت العديد من النجاحات في مقدمتها قيام ثورة شعبية جارفة، أطاحت بنظام تمترس في الحكم لنحو ثلاثة عقود”، لافتاً إلى أنه لا مستقبل للعالم العربي بدون العمل على إنجاح ثوراته، “خاصة في ظل عدم صمود الثورات المضادة، بفعل متغيرات عديدة، أبرزها أن الشعوب عرفت طريقها إلى الحرية، بالإضافة إلى تعثر أنظمة الثورات المضادة في إحكام قبضتها على جموع الناس، الذين تتسع فيما بينهم دائرة المعارضين والرافضين لهذه الأنظمة”.