وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أيامه الأولى من توليه الرئاسة على ثلاثة مراسيم تنفيذية غرد النص عبر تويتربشأن الأمن العام وأمن الحدود الأميركية، يقضي الأول ببناء جدار على طول الحدود مع المكسيك، ويتعلق الآخر بالتطبيق الصارم لقوانين الهجرة، أما الثالث فخاص بوقف تدفق اللاجئين السوريين.
ووقع ترمب يوم 25 يناير/كانون الثاني 2017 على قرارين تنفيذيين حول الجدار مع المكسيك والهجرة، وأصدرأمرا بـ”تشييد جدار فعلي فورا على الحدود الجنوبية تحت إشراف طاقم مؤهل، من أجل منع الهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات والناس والأعمال الإرهابية”.
ويحدد المرسوم الجدار بأنه “جدار متواصل ومادي، أو أي حاجز مادي متواصل مشابه لا يمكن اجتيازه”.
وطالب ترمب وزير الأمن الداخلي الجنرال المتقاعد جون كيلي بالبدء “فورا” في تخطيط الجدار وبنائه، غير أن كيلي أمامه مهلة 180 يوما لإجراء دراسة حول الوضع الحالي للحدود الجنوبية والإستراتيجية الضرورية من أجل التوصل إلى “الرقابة العملية التامة” على الحدود التي يحتوي قسم منها على حواجز وجدران.
وبشأن تمويل بناء الجدار مع المكسيك، أمر ترمب بتخصيص أموال فدرالية، لكنه لم يحدد الطريقة التي يعتزم بها إعادة تحصيل هذه المبالغ من المكسيك، باعتبار أنه قال عند توقيع القرار إنه سيطالب المكسيك بتحمل تكلفة بناء الجدار.
وتقدر تكلفة الجدار بنحو عشرين مليار دولار، وهو يمتد على طول ألفي كيلومتر، علما بأن الكونغرس الأميركي أعطى موافقته لتشييد الجدار منذ عام 2006.
من جهة أخرى، اقترح ترمب إقامة خمسة آلاف مركز إضافي للشرطة المكلفة بمراقبة الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، والتي يبلغ عدد عناصرها المنتشرين 21 ألفا.
طرد غير النظاميين
وبشأن ملف الهجرة الذي كان قد أثاره خلال حملته الانتخابية، يريد ترمب وإدارته تسريع عمليات طرد المهاجرين غير النظاميين الذين أوقفوا خلال محاولة عبورهم إلى الولايات المتحدة.
ويكون هذا الإجراء من خلال الحد من إمكان طلب هؤلاء المهاجرين اللجوء، وتخصيص عدد أكبر من القضاة لشؤون الهجرة حتى يكون بإمكانهم إصدار أحكامهم في المكان وبسرعة.
ولتنفيذ العملية، يقترح ترمب تخصيص عشرة آلاف عميل إضافي لشؤون الهجرة، بالإضافة إلى عشرين ألفا من التابعين لهيئة الهجرة والجمارك.
كما ينص المرسوم الذي وقعه الرئيس الأميركي على أن تكون الأولوية لطرد المدانين بارتكاب جرائم أو الملاحقين بتهمة ارتكاب جنح أو جرائم، والذين قاموا بالتزوير للحصول على مخصصات، والذين صدر أمر بترحيلهم، أو أي شخص آخر يشكل تهديدا للأمن القومي.
في حين لم يأت المرسوم على ذكر المهاجرين غير النظاميين الذين لا ملف قضائيا لهم.
يذكر أن عدد المهاجرين الذين لا يحملون أوراقا ثبوتية في الولايات المتحدة يبلغ 11 مليونا.
تشجع الحكومة الفدرالية من خلال هذا المرسوم الشرطيين المحليين على صعيد الولايات والمدن على “القيام بمهام مسؤولي الهجرة”، في حين أن عدة هيئات قضائية ترفض أو لا تتمتع بحق -بحسب القوانين المحلية- بأن تطلب من الموقوفين إبراز أوراقهم الثبوتية.
كما ترفض مدن كبرى مثل لوس أنجلوس إبلاغ السلطات الفدرالية بوضع الموقوفين لديها إذا كانوا من المهاجرين، وذلك حتى لا يتردد السكان المحليون الذين لا أوراق لديهم في طلب مساعدة الشرطة في حال تعرضهم لمشاكل.
وينص المرسوم الجديد على حرمان هذه “المدن الملاذات” التي يندد بها اليمين -وخصوصا ترمب خلال حملته الانتخابية- من قسم من المخصصات الفدرالية.
سبع دول
وضمن سلسلة القرارات التي أصدرها الرئيس الأميركي بشأن المهاجرين، وقع ترمب يوم 27 يناير/كانون الثاني 2017 على قرار تنفيذي يوقف تدفق اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة لفترة محدودة، إلى أن تصوغ إدارته إجراءات تحرّ وفحص مشددة، إضافة إلى وقف منح تأشيرات دخول لمواطني سبع دول مسلمة لمنع دخول من وصفهم بإرهابيي الإسلام المتطرف إلى الولايات المتحدة.
ولم ينشر البيت الأبيض نص القرار التنفيذي، ولكن بحسب النسخة التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست فإنه ينص على تعليق العمل ببرنامج توطين اللاجئين لمدة 120 يوما على الأقل بانتظار إقرار قواعد جديدة.
وتضمن البند الثالث من المسودة القانون المسمى “قانون حماية البلاد من دخول الإرهابيين الأجانب”، وقف الجهات المعنية فورا إصدار تأشيرات دخول لمواطني الدول التي تشكل مصدر قلق للولايات المتحدة. وسيتم تحديد تلك الدول بالتشاور بين وزيري الخارجية والأمن الداخلي ومدير الاستخبارات القومية.
كما يفرض القرار حظرا على دخول اللاجئين السوريين تحديدا، وذلك إلى أجل غير مسمى، أو إلى أن يقرر الرئيس أن هؤلاء اللاجئين ما عادوا يشكلون خطرا على الولايات المتحدة. غير أن ترمب صرح بأنه ستعطى للمسيحيين السوريين الأسبقية في طلبات اللجوء.
وينص القرار -حسب النسخة غير الرسمية- على تعليق إصدار تأشيرات الدخول لأميركا لمدة شهر لمواطني سبع دول مسلمة هي العراق وإيران وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن.
وفي ذات السياق، نصت المسودة على أن تقدم تلك الدول خلال ثلاثين يوما من صدور القرار معلومات وافية عن كل من يتقدم بطلب تأشيرة لدخول الولايات المتحدة.
كما تضمن البند السادس من القرار تقديم وزيري الدفاع والخارجية بعد تسعين يوما خطة لإقامة مناطق آمنة للسوريين داخل سوريا وفي مناطق حدودية، إلى أن تتم إعادة توطينهم أو ترحيلهم إلى دولة ثالثة.
ويرى محللون أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يجازف من خلال إثارته غضب المكسيك بمعاداة شريك إستراتيجي للولايات المتحدة قد يتخذ إجراءات للرد من خلال إشعال حرب تجارية أو الحد من التعاون لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
وأثار ترمب غضب المكسيك بإصراره على أنها ستتحمل كلفة بناء جدار على طول الحدود بين البلدين والتي تقارب مليارات الدولارات في سجال أشعل أكبر أزمة دبلوماسية بين البلدين الجارين منذ عقود.
وبعد أن كان الرئيس المكسيكي إنريكي بينيا نييتو عبر عن تفاؤله بإمكانية إقامة علاقات جيدة بين البلدين عقب انتخاب ترمب، تلاشت هذه الآمال يوم الخميس مع إلغائه زيارة مقررة إلى واشنطن على خلفية الخلاف بشأن الجدار واتفاق التبادل الحر.
ويرى الخبير في العلاقات الأمريكية المكسيكية بجامعة تارلتون في تكساس، خيسوس فيلاسكو، أن آخر أزمة كبيرة بين البلدين كانت عام 1985م عندما قامت عصابة مخدرات بتعذيب وقتل عنصر في إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، مما دفع واشنطن إلى إغلاق الحدود لفترة وجيزة.
وقال فيلاسكو: إن الأزمة الآن أسوأ؛ حيث يحاصر ترمب إدارة بينيا نييتو دون ترك أي مجال للتفاوض.
وأضاف أن المكسيك يمكن أن ترد الرد عبر السماح للمهاجرين القادمين من أمريكا الوسطى بعبور الحدود، وأضاف أنه وبالرغم من انتقادات ترمب، فإن المكسيك والولايات المتحدة تتمتعان بأنجح تعاون على الحدود في العالم.
وإثر ضغوطات قامت بها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عقب التزايد الكبير في عدد المهاجرين الأطفال غير المصحوبين ببالغين عام 2014م، شنت المكسيك حملة أمنية على الهجرة غير الشرعية على حدودها مع جواتيمالا.
ورحلت مكسيكو 147370 مهاجراً العام الماضي، مقارنة بـ80900 عام 2013م، وفقاً لأرقام أعلنتها وزارة الداخلية.
وفي الوقت الذي يطالب فيه ترمب المكسيك بتحمل كلفة تشييد الجدار، باتت عدد المكسيكيين العائدين إلى بلادهم أكبر من عدد المهاجرين إلى الولايات المتحدة.
اقترحت إدارة ترامب إمكانية فرض ضريبة بقيمة 20% على الصادرات المكسيكية كخيار لتمويل الجدار.
وقال الخبير الاقتصادي لويس دي لاكي، الذي كان ضمن المفاوضين بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) في التسعينيات لوكالة “فرانس برس”: إنه في حال فرضت الولايات المتحدة ضريبة من هذا النوع، فستفرض المكسيك من ناحيتها ضريبة مماثلة.
إلا أن دي لاكال شكك في إمكانية موافقة الكونجرس، حيث يدعم الكثير من النواب التبادل الحر، على خطوة كهذه.
وأضاف أن الولايات المتحدة مرت بفترات معقدة في السابق إلا أن ترمب شخص مختلف، وسيتوجب عليه ضمان بقاء العلاقات إيجابية.
واتفاقية التبادل الحر باتت مطروحة للمراجعة بطلب من ترمب، إلا أن وزير الاقتصاد المكسيكي حذر من خروج حكومته من الاتفاقية إذا لم تكن المفاوضات مرضية.
وتعد المكسيك شريكة للولايات المتحدة في مكافحة المخدرات حيث خصص الكونجرس 2.5 مليار دولار لمبادرة ميريدا، وهو برنامج مساعدات وقعه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في عام 2007م، يزود أجهزة تطبيق القانون المكسيكية بالمعدات والتدريب.
إلا أن ترمب أمر المسؤولين بالبحث خلال 30 يوماً في دوائر الحكومة الأمريكية عن أي مساعدات مباشرة وغير مباشرة مقدمة للحكومة المكسيكية في إطار بحثه عن مصادر تمويل للجدار.
من ناحيته، يرى دوكان وود، مدير معهد مكسيكو في مركز ويلسون للدراسات في واشنطن، أن على المكسيك القيام بالمزيد لإبراز أهميتها بالنسبة لأمن الولايات المتحدة.
وقال وود أن: إن التركيز في السابق كان كله على السبل التي يمكن من خلالها للولايات المتحدة أن تساعد المكسيك في محاربة الجريمة المنظمة، إلا أن على المكسيك الآن الإثبات لجارتها العظمى أنها محظوظة لأن لها صديقة على حدودها الجنوبية وأن هذا جدير بالتفكير.
وكمثال عن هذا التعاون بين البلدين، سلمت المكسيك الأسبوع الماضي تاجر المخدرات الشهير خواكين (إل تشابو) غوسمان المتهم بإدارة أنشطة أكبر كارتل مخدرات إلى الولايات المتحدة عشية تنصيب ترمب.
فيما دعا منافس بارز على الرئاسة المكسيكية حكومة بلاده لرفع دعوى ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمام الأمم المتحدة بسبب خططه بناء جدار على الحدود بين البلدين لمنع المهاجرين من التسلل عبر الحدود.
وقال زعيم المعارضة اليسارية أندريس مانويل لوبيز أوبرادور – الذي يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية للمرة الثانية – أن الإعلان إهانة لبلاده.
وأضاف المرشح الرئاسي أمام حشد من مؤيديه شمالي مكسيكو سيتي: بكل احترام أقترح أن ترفع حكومة المكسيك دعوى أمام الأمم المتحدة ضد حكومة الولايات المتحدة لانتهاك حقوق الإنسان والتمييز العرقي”.
وتصدر أوبرادور – وهو رئيس سابق لبلدية العاصمة – عدة استطلاعات رأي مبكرة أجريت بشأن الانتخابات الرئاسية المقررة في يوليو 2018م، وأعلن قبل أيام خططه للقيام بجولة في عدد من المدن الأمريكية الكبرى في فبراير القادم لحشد التأييد بين الأميركيين من أصل مكسيكي.