كثيراً ما تلجأ إليّ الأمهات منزعجات من أحلام أطفالهن والكوابيس التي يتعرض لها الأطفالُ في بعض الليالي حيثُ يصحو الطفل وهو في حالة من الخوف والفزعِ ما يسبب الرعبَ للوالدين، وكانت أمهاتنا وجداتنا بحكمتهن الفطرية ومعرفتهن يرددن دائماً أن “الطفل يأخذ يومه معه في نومه“.
وهذا بالفعل ما يؤكده علماء النفس والأحلام، فصراخ وتعنيف الأهل للأطفال خلال اليوم، يترجمه عقل الطفل أغلب الأحيان إلى حلم به “وحش”.
وهذا ينطبق أيضاً علي أي معلم عنيف وقاس أو تلميذ مضطرب. ولا تشير هذه الأحلام بالضرورة إلى سوء المعاملة البدنية فقط، لَكنها قد تشير إلى أنّ الطفلَ يواجه موقفاً نفسياً غير صحي، يتعلق بشخص ما قريب منه مثلاً.
فإذا تكرر الحلم، يجب على من يتعامل مع الطفل أن ينتبه لحيثياته، ويحاولَ ربطه بالمواقف الحياتية اليومية للطفل، مثلاً خلال الأيام التي يحلم بها الطفل مثل هذه الأحلام المزعجة والتي تتكرر، أو التي يري فيها الكوابيس بكثرة، يجب أن ننتبه للنّاس الذين يراهم الطفل وللمواقف التي يمر بها.
ولا ننسي أنّ الأهل يلعبون دوراً في إخافة الطفل، فالعديد من الأمهات قد يلجأن إلى تخويف الطفل من الوحوش أو من الجنّ، أو الكلب الشرس أو الطبيب لإخافة الطفل وهذا بحدّ ذاته سبب كاف لإصابة الطفل بالكوابيس والأحلام المخيفة في الليل.
وقد تكون الأحلام تعبيراً عن رغبات للطفل وأمنيات ولكنها تقلق الأمهات لما تكون هناك من أفكار مسبقة عن الأحلام عند النّاس وتفسيرها، وقد سمعت عن هذه الرواية من أحد المعالجين النفسيين رواها عليّ أحد المواقع عن أحد الأمهات وحلم لطفلها الذي سبب لها القلق.
الطفل الذي جاءت به والدته للمعالج النفسي وعمره ست سنوات، استيقظ من النوم بعد الغداء بعد حلم مزعج بعد أن قام بحركات وكلام أثناء نومه.. وعندما استيقظ الطفل قال لأمه ” أريد أن أذهب إلي الجنة لأن فيها كل شيء أريد”، وكرر ذلك وأصر أنه يريد الذهاب إلى الجنة.
فانزعجت الأم وتشاءمت من هذا الكلام.. ومن تفسيراتها وأفكارها المسبقة بأن الأطفال قد ” كشف عنهم الحجاب ” وأنهم ” قد يعرفون الأشياء قبل حدوثها ” وأن كلام طفلها يعني “أنه سوف يموت ويذهب إلي الجنة قريباً”.. فارتعبت وازداد قلق الأم وتوترها وأصبحت خائفة مما يمكن أن يحدث لطفلها .. ما دفعها أن تستشير معالجاً نفسياً حول هذا الموضوع.
وتبين من الجلسات النفسية والمعلومات المتوفرة حول الطفل وأسرته، أنه طبيعي تماماً، كما تبين أنه قد بدأ منذ أسابيع في السنة الأولي الابتدائية، وهو يحب مدرسته والأطفال الآخرين ومدرسية، ويقوم بواجباته المدرسية بشكل متفوق. وفي دروس القرآن الكريم حفظ عدة سور وآيات وفيها ذكر الجنة ونعيمها وبأن فيها كل ما يتمني المرء.
وتبين أيضاً أن له أخاً يكبره بسنتين وأن هناك تنافساً بينه وبين أخيه الأكبر في اتقان الرسم وفي الألعاب المختلفة وبشكل اعتيادي ومقبول.
وفي نفس اليوم الذي حدث فيه الحلم وقال إنه “يريد من الله أن يأخذه إلي الجنة” كان الأب قد اشتري له ولأخيه سكيناً صغيرة لتقشير الفواكه كي يعلمهما تقشير التفاح .. وقد تعلم الأخ الأكبر ذلك بسرعة واستطاع تقشير جزء من التفاحة دون صعوبة .. أمّا الأخ الأصغر الطفل صاحب الحلم فقد وجد صعوبة في ذلك ولم ينجح في هذه المهمة الصعبة بالنسبة له .. وأبدي قليلاً من الانزعاج وحاول الالتفات إلى أمور أخرى وعندما طلب الطبيب النفسي من الطفل أن يحدثه عن الحلم وماذا يعني الذهاب إلى الجنة بالنسبة إليه .. أوضح الطفل ببراءة وعفوية أنّه في الجنة يستطيع أن يطلب أيّ شيء ويقوم بأيّ شيء، ويحصل على ما يريد دون تعبٍ أو انزعاج .. وسأله الطبيب ما الذي تريد أن تطلبه مثلاً .. فقال ” فواكه مقشرة “!
وعندها تبسمت الأم واندهشت مما حدث من حوار وانتهت المقابلة مع المعالج النفسي بالاطمئنان والراحة دون الحاجة إلى جلسات أخرى.
التفسير العلمي لما حدث للطفل أنه شعر بالإحباط والغيظ والقلق بسبب عدم قدرته على استعمال سكين الفواكه في التقشير وانزعج أيضاً من تفوق أخيه عليه في ذلك.. وقد استطاع أن يخفف من انزعاجاته وتوتره من خلال تفريغ ذلك في الحلم المرتبط بالجنة، والكلمات التي قالها لأمه تعويضاً وتعبيراً واضحاً وبسيطاً عن ذلك. ومما لاشك فيه أن تسرع الأم وقلقها حول عبارات الطفل وتفسيراتها السلبية الخطيرة والتي ليس لها أي أساس علمي إنما بنيت على أفكارٍ مسبقة كانت السبب وراء التعرّف على ما يجري في داخل الطفل وعقله وأحلامه وكلامه.. وهكذا معظم تخيلات الأطفال وأحلامهم..
وربّ ضارة نافعة .. أي أنّ قلق الأم ورعبها أدى إلى التعرف على أشياءَ مفيدةٍ نافعة.
أمنياتي بأحلام سعيدة لجميع الأطفال.
—-
* المصدر: مستشارك الخاص.