1- ماذا لو كان أكثر مَن يتابعهم الناس في شبكات التواصل الاجتماعي هم أهل الحق؟
2- ما الذي يجعل العباد ينجذبون لهذا دون ذاك؟
3- كيف استطاع البعض – خلال فترة بسيطة – التأثيرَ ليس على المئات بل الملايين، وربما المليارات؟
4- أليس الدعاة والعلماء هم أَولى الناس بهذا المقام؟
5- ألا يكفي أن تَحمِلَ الحقَّ وتتحدَّث به بصدق وإخلاص؛ ليلتفَّ حولك الناسُ؟
أظن أن الإجابة عن هذه الأسئلة الخمسة هي المِفتاح لِما نسميه بـ”إكسير التأثير”، وهو المركب العجيب، الذي مَن استعمله بطريقة صحيحة فسيصبح من أكثر الناس تأثيرًا على العباد.
والمتأمِّل في واقع التأثير سيدرك جزمًا أن ليس صحة المعلومات ودقتها هو العامل الأهم، لكن الأهم هو كيف تُقدَّم هذه المعلومة، وكما يقولون: في كثير من الأحيان تكون طريقة تغليف وتقديم الهدية أهمَّ من قيمتها، ومَن جرَّب عَرَف.
إذًا “إكسير التأثير” هو الخلطة العجيبة المكوَّنة من المادة العلمية (معلومات)، وطريقة تقديمها (مهارات)، وبمعنى آخر:
إكسير التأثير = معلومات مفيدة + مهارات عديدة.
ومن الطبيعي أنك تسأل: أيهما أهم: المعلومات أم المهارات؟
الإجابة من خلال دراسة عُمِلت في جامعة هارفارد، والتي تشير إلى أن 93% من عملية الاتصال غير ملفوظ، فمَن يسع في التأثير فليركِّز على الأهم، وهو لغة الجسد والصوت، مع إعطاء المعلومة حقها من الصدق والأمانة والمناسبة.
وأظنك بشوق لتعرف ما مهارات لُغة الجسد والصوت؟
فأقول: مهارات لغة الجسد والصوت كثيرةٌ ومتنوعة، وسأشير إلى أهم ثلاثٍ منها:
1- إذا أردت لمستمعك أن ينام، فعليك الحديث بمستوى صوت واحد وبنغمة واحدة، والعكس صحيح، اقرأ معي: “كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرَّتْ عيناه، وعلا صوتُه واشتدَّ غضبُه، حتى كأنه مُنذِرُ جيشٍ” (مسلم 867).
يا تُرى كيف سيكون صوت مَن ينذر مِن قدوم جيش؟!
ومِن المتفق عليه أن “التناغم الصوتي” ليس عمليةً عشوائية، لكنها عملية مقنَّنة، هدفها زيادة التأثير وإيصال الرسالة إلى الأعماق.
2- تشير العديد من الدراسات إلى أن الإنسان يتحدَّث بسرعة 150 – 300 كلمة في الدقيقة، وأن العقل البشري يمكنه استيعاب 400 كلمة في الدقيقة، مما يعني وجود فراغ ذهني، وهذا يعبَّأ بلغة الجسد والصوت، ومِن أهم مهارات لغة الجسد: حركة اليدين “لغة الإشارة”؛ فهما البريد غير الملفوظ إلى قلب المقابل، استَمِع لهذه الكلمة “وشبَّك بين أصابعه”، لقد فعلها حبيبُنا صلى الله عليه وسلم في أكثر من 20 حديثًا، وكلمة “كهاتينِ” – يقصد أصبعيه – أكثر من 30 حديثًا، وغيرها كثير في أحاديثه صلى الله عليه وسلم.
3- الحواسُّ الخمس هي النوافذ التي يطلُّ بها الإنسان على العالَم الخارجي، وتشير العديد من الدراسات إلى أن الإنسان يتعلَّم عن طريق هذه الحواس بنِسَبٍ مختلفة، لكنها تتَّفِق على أن أعلى درجاتِ التعلم، وبالتالي التأثير ورسوخ المعلومة – هو الجمع بين أكثر من حاسة، وخاصة حاستَي السمع والبصر، ومن هنا تأتي أهمية مهارة “توظيف الصور”، سواء كانت ثابتة أم متحركة، وكما يقول البعض: “رُبَّ صورة أبلغ من ألف كلمة”، وإليك هذا الموقف: خَطَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خَطًّا مُرَبَّعًا، وخَطَّ خَطًّا في الوَسَطِ خارِجًا منهُ، وخَطَّ خُطَطًا صِغارًا إلى هذا الذي في الوَسَطِ مِن جانِبِهِ الذي في الوَسَطِ، وقال: “هذا الإنسان، وهذا أجَلُهُ مُحيطٌ بهِ – أو: قَدْ أحاطَ بِهِ – وهذا الذي هو خارِجٌ: أمَلُهُ، وهذِهِ الخُطَطُ الصِّغارُ: الأعراضُ، فإن أخطَأهُ هذا نَهَشَهُ هذا، وإن أخطَأهُ هذا نَهَشَهُ هذا” (البخاري 6417).
وأَولى الناس باستخدام هذا الإكسير هم المسلمون عمومًا، وأهل الدعوة خصوصًا، والدعاة على وجه الخصوص، والعلماء بأخص الخصوص؛ وذلك لعدة أسباب، سأكتفي بذكر خمسةٍ فقط:
“كلنا”: المسلمون مطالَبون بالدعوة على بصيرة، كما دعا الرسولُ صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108]، ومِن المتفق عليه أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم هي “البلاغ المبين”، فقد ذكرها الله تعالى في سبعة مواضع من كتابه الكريم، ومن معاني المبين أن يكون بيِّنًا واضحًا محبَّبًا للمدعوِّ؛ فلعله أن يؤمن به، وهذا يستلزم (مهارات بالإضافة إلى المعلومات).
“الإتقان”: من أبجديات ديننا الإتقانُ في الأعمال؛ فقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحبُّ إذا عمِل أحدكم عملًا أن يتقنه))، والدعوة إلى الله من أفضل الأعمال وأجلِّها، وهذا بلا شك يتطلَّب مهارات وليس معلومات فقط.
“المقارعة”: حين جاء الحقُّ زَهَق الباطل، أما إذا غاب الحق، فلن يزهق الباطل، وتلك مِن سُنن الله، ومجيء الحقِّ يكون بوجود أتباعٍ وأفراد مؤمنين به، عاملين من أجله، والملاحظ أنه في أي ساحة إنما يعلو أهلُ الباطل حين يغيب أهلُ الحق، أو يكونون ضعفاء (غير متقنين)، وهذا يستدعي التدريب، لا التعليم فقط.
“الكافَّة”: يخاطب الله عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول له: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28]، ثم يتوفَّى الحبيب صلى الله عليه وسلم لتَحمِلَ الرايةَ أمَّتُه من بعده، فتسعى في دعوة الناس كافة، وستستمر كذلك، ولَمَّا كان الناس كُثرًا (أكثر من 7 مليارات)، ولغاتهم شتى، ومذاهبهم متنوعة، فإن الوصول إليهم ودعوتهم يتطلبان إتقان مهارات، وليس جمع معلومات فقط.
“القيادة”: فلنستمع لربِّنا سبحانه وهو يخاطبنا فيقول: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، فهذه الخيرية تشريفٌ وتكليف، وهي تُشير بوضوح إلى وجوب أن تكون قيادة العالم لـ”خير أمَّة”، ولا شك أن هذه القيادة تكون في كل مناحي الحياة، وهذا يضعنا أمام تحدٍّ كبير، يتطلب معلوماتٍ مدمجة بمهارات بدرجة عالية من الإتقان.
بقي سؤال أخير يدور في ذهنك: كيف يمكنني اكتساب تلك المهارات؟
الإجابة بسيطة جدًّا قولًا، وممكنة عملًا: إنه بالتدريب، ولَمَّا كانت مجالات التدريب كبيرة وواسعة، فعليك بـ “التدريب الدعوي”، وهو المرتبط بالدعوة إلى الله تأصيلًا وتنفيذًا؛ فلعلَّك تكون من المتقنين في أشرف عمل.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين، واجعلنا من أتباع سيد المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المصدر: “الألوكة”.