ماذا يجري في المغرب؟ «جيل زد» يطالب بالعدالة والمساءلة

المغرب، الذي ظل هادئًا نسبيًا خلال
سنوات «الربيع العربي»، يشهد الآن موجة احتجاجات شبابية عارمة لم يسبق لها مثيل في
تاريخه الحديث، انطلقت شرارة الاحتجاجات، التي دخلت يومها الخامس في 1 أكتوبر، من
غضب الشباب بسبب تردي الخدمات العامة وتفشي الفقر والتفاوت الاجتماعي، وانتشرت في
المدن الكبرى، جاذبةً مئات آلاف الشباب إلى الشوارع.
متأثرة بما حدث في نيبال، بدأت الحركة،
التي نظمتها مجموعة لا مركزية أسمت نفسها «جيل زد 212» عبر وسائل التواصل
الاجتماعي، بمسيرات سلمية تحولت بسبب خشونة الأمن إلى مواجهات عنيفة واعتقالات
جماعية، وطالب المحتجون بمحاسبة وطنية لمن تسبب في معاناة أجيال تواجه التهميش
بسبب الركود الاقتصادي والسياسي.
شرارة الغضب.. وفاة 8 نساء في مستشفى واحد
بدأت احتجاجات الشباب، في 27 سبتمبر 2025م،
بمظاهرات سلمية تطالب بتحسين الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل، وسرعان ما
اكتسبت زخمًا واسعًا بعد انتشار خبر وفاة 8 نساء حوامل في مستشفى حكومي بأكادير،
في وقت سابق من هذا الشهر، وقد أشعلت هذه المأساة، التي تُعتبر رمزًا لاهتراء نظام
الرعاية الصحية في المغرب بسبب الإهمال الطبي ونقص التجهيزات، غضبًا عارمًا على
أرض الواقع وفي العالم الافتراضي.
وردد المتظاهرون شعارات، مثل «توجد
ملاعب، لكن أين المستشفيات؟!»، في انتقاد مباشر لاستثمارات الحكومة بمليارات
الدولارات في البنية التحتية لكأس الأمم الأفريقية 2025م، وكأس العالم لكرة القدم
2030م، وقد استثمر المغرب أكثر من 9.5 مليارات درهم (حوالي 920 مليون دولار
أمريكي) في البنية التحتية الرياضية استعدادًا لهذين الحدثين.
من السلمية إلى العنف
وذكرت «الجزيرة» أن الاحتجاجات اندلعت في
مدن منها الرباط والدار البيضاء وإنزكان وآيت عميرة وتيزنيت ووجدة وتمارة، وفي بعض
المناطق، تحولت المظاهرات إلى العنف، حيث أضرم المحتجون الغاضبون النيران في بنوك
وقلبوا سيارات الشرطة، وفي مدينة وجدة، أصيب متظاهر بجروح خطيرة بعد أن صدمته
سيارة أمنية، في لحظة تم تصويرها وانتشرت على نطاق واسع عبر الإنترنت.
استجابة الحكومة.. قمع وحوار حذر
تميزت استجابة الحكومة المغربية بمزيج من
القمع والتعامل الحذر، في الرباط وحدها، أُلقي القبض على أكثر من 200 شاب، لكن
يُقال: إنه تم إطلاق سراح معظمهم لاحقًا، وقُدم 37 متظاهرًا للمحاكمة، ومن المقرر
أن تبدأ إجراءاتها في 7 أكتوبر.
أدانت منظمات حقوق الإنسان، مثل الجمعية
المغربية لحقوق الإنسان، الاعتقالات ووصفتها بغير الدستورية، متهمةً قوات الأمن
باستخدام القوة المفرطة، في المقابل، أصدر الائتلاف الحكومي بيانًا أشاد فيه برد
الفعل المتوازن لأجهزة إنفاذ القانون، وأعرب عن استعداده للحوار.
جذور الأزمة.. بطالة وفقر وخدمات مهترئة
لا يزال أغلب المتظاهرين متشككين في
استجابة الحكومة لمطالبهم، فالأزمة أعمق من مجرد مستشفيات أو مدارس؛ إنها تتعلق
بنظام فشل في الوفاء بوعوده لعقود، تبلغ نسبة البطالة بين الشباب في المغرب 35.8%،
مع عجز 19% من خريجي الجامعات عن العثور على عمل، وهي أرقام تعكس ضائقة اقتصادية
واسعة النطاق.
لماذا فشل الاحتواء هذه المرة؟
يبدو أن الطبيعة اللامركزية للحركة صعّبت
على السلطات احتواءها، فقد أصدرت حركة «جيل زد 212»، التي تعمل بشكل مجهول عبر
منصات مثل «إنستجرام»، و«تيك توك»، دعوات متكررة للاحتجاج السلمي، معربة عن أسفها
لأعمال التخريب التي قد «تقوض شرعية مطالبنا العادلة».
وأدت النساء دورًا بارزًا في الاحتجاجات،
سواء كمنظمات أو كرموز لمطالب الحركة، خاصة بعد مأساة أكادير، ومن الحوادث البارزة
اعتقال نجاة أنور، رئيسة جمعية لحماية الطفل، أثناء تحقيقها في تقارير عن اعتقالات
لقاصرين، التي وصفتها لاحقًا بأنها جزء من حملة قمع واسعة للمجتمع المدني.
«جيل زد» يغيِّر العالم.. حركة عالمية
تُنظر للاحتجاجات في المغرب كجزء من
اتجاه عالمي أوسع، حيث ظهرت حركات شبابية في نيبال وإندونيسيا والفلبين، يتحدى
فيها نشطاء «جيل زد» الفساد وعدم المساواة، وفي الجزائر المجاورة، أفادت التقارير
أن مجموعة موازية تُعرف باسم «جيل زد 213» تخطط لمظاهرات مستوحاة جزئيًا من
انتفاضة المغرب.
حتى اليوم، الأول من أكتوبر، لم تُظهر
الاحتجاجات أي نية للتراجع؛ ما بدأ كصرخة من أجل الكرامة تحول إلى مطالب جادة
بالمساءلة ووضع مستقبل شباب المغرب في بؤرة اهتمام الحكومة، لا يزال من غير المؤكد
ما إذا كانت الحركة ستؤدي إلى تغيير دائم، ولكنْ هناك شيء واحد أصبح الآن واضحاً؛
وهو أن «جيل زد» المغربي لم يعد على استعداد للبقاء صامتًا.