8 ثمرات للوحدة الإسلامية

لما أشرف المهلب
بن أبي صفرة على الوفاة، استدعى أبناءه السبعة، ثم أمرهم بإحضار رماحهم مجتمعة،
وطلب منهم أن يكسروها، فلم يقدر أحد منهم على كسرها مجتمعة، فقال لهم: فرّقوها،
وليتناول كل واحد رمحه ويكسره، فكسروها دون عناء كبير، فعند ذلك قال لهم: اعلموا
أن مثلكم مثل هذه الرماح، فما دمتم مجتمعين ومؤتلفين يعضد بعضكم بعضاً، لا ينال
منكم أعداؤكم غرضاً، أما إذا اختلفتم وتفرقتم، فإنه يضعف أمركم، ويتمكن منكم
أعداؤكم، ويصيبكم ما أصاب الرماح.
كونوا جميعاً يا
بَني إذا اعترى خطب
ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا
اجتمعن تكسرا وإذا
افترقن تكسرت أفرادا(1)
لقد أصبحت هذه
القصة مثالاً لكل من يحرص على غرس قيم الوحدة والاتفاق، والتخلي عن النزاع
والشقاق، وما أحوج الأمة الإسلامية إلى الوحدة والتلاقي، من أجل مواجهة التحديات
وتخطي العقبات وتحقيق الآمال والطموحات!
وفيما يأتي بيان
أهم الثمرات للوحدة الإسلامية.
1-
الاستجابة لله ورسوله:
وصف الله تعالى
أمة الإسلام بالوحدة، وحث المسلمين على إقامتها، حيث قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 92)، وقال عز وجل:
(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون: 52)، وقال سبحانه
وتعالى: (وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103).
وروى البخاري
ومسلم في صحيحيهما عن أَبِي مُوسَى الأشعري عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ
بَعْضُهُ بَعْضًا، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ»، وفي الصحيحين أيضاً عَنِ النُّعْمَانِ
بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ
الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ
بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
2-
شكر نعمة الله في تهيئة أسباب الوحدة:
إن الله تعالى
أنعم على المسلمين بتهيئة أسباب الوحدة الإسلامية بعد أن عاشت البيئة العربية في
نزاع وشقاق، حيث قال تعالى: (وَاذْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا
حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 103).
ومن أسباب تهيئة
هذه الوحدة أن جعل العقيدة الإسلامية داعية إلى الوحدة، من خلال التوجه إلى رب
واحد، وعدم التشتت بين أرباب كثيرين، وكذلك الإيمان برسل الله أجمعين، وعدم
التفرقة بين أحد منهم، أما العبادات الإسلامية ففيها دعوة إلى الجماعية والوحدة
القوية، وكذلك الأخلاق الإسلامية، فهي داعية إلى التعاون والتساند والتناصر
والتواصل والتسامح وغيرها من الأخلاق التي تسهم في تحقيق الوحدة.
3-
مواجهة الشيطان:
من أكبر
اهتمامات الشيطان أن يوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين ويفرق بينهم، حيث قال
تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) (المائدة:
91)، وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ
يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً، أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً،
يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ
شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى
فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ:
نِعْمَ أَنْتَ قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: فَيَلْتَزِمُهُ»، وروى أحمد في
حديث خطبة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ
قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَكُمْ».
وقد وجه النبي
صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى الحذر من الشيطان الذي يحرص على تفريق الناس، ففي
سنن أبي داود عن عمرو قال: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي
هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلَمْ
يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلًا إِلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى
يُقَالَ: لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ».
4-
نزول الرحمة:
روى ابن أبي
عاصم بسند حسنه الألباني عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ،
وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ».
5-
تحصيل البركة:
روى أحمد في
مسنده وابن حبان في صحيحه عَنْ وَحْشِيٍّ بن حرب، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ
اللهِ، إِنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ، قَالَ: «تَجْتَمِعُونَ عَلَى طَعَامِكُمْ،
أَوْ تَتَفَرَّقُونَ؟»، قَالُوا: نَتَفَرَّقُ، قَالَ: «اجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ،
وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فيه».
6-
جلب المعونة من الله عز وجل:
روى مسلم في
صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ
اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى
مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ
مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ
مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»، وروى الترمذي بسند صححه الألباني عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَدُ اللَّهِ مَعَ الجَمَاعَةِ».
7-
تحقيق محبة الله:
حث الله تعالى
على الوحدة عموماً، وفي ميدان القتال ومواجهة الأعداء خصوصاً، فهي تعين على تحقيق
الانتصار، وأوضح سبحانه أنه يحب ذلك، حيث قال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف: 4).
8-
تحصيل القوة والحماية:
في القرآن
الكريم تأكيد على أن النزاع والشقاق يذهبان القوة ويضعفانها، حيث قال تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال: 46)، وفي موقف المهلب بن أبي صفرة الذي
بدأ به المقال تأكيد على أن الوحدة تسهم في تحصيل القوة والحماية من الوقوع فريسة
للآخرين.
__________________
(1) المفرد
العلم في رسم القلم، السيد الهاشمي، ص 116.