لماذا لم نعد نرى الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟

الصلاة التي هي
صلة بين العبد وربه، لم يشرعها الله لتكون مجرد حركات وسكنات، بل لتكون روحًا وحياةً تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، وترفعه في مدارج التقوى والصفاء، غير أنّ
واقعنا اليوم يثير تساؤلًا مُرًّا: كم من مصلٍّ نراه يركع ويسجد، ثم يخرج من مسجده
ليغتاب أو ليظلم أو ليغش أو ليقسو قلبه على الناس؟
الجواب المؤلم
أن كثيرًا من الناس اختزلوا الصلاة في شكلها الظاهري فقط، فقد تحولت عند البعض إلى
عادة تُؤدى في وقتها، بلا حضور قلب ولا خشوع ولا استشعار للوقوف بين يدي الله، وهنا
تضيع الثمرة، لأن الصلاة بلا روح تشبه جسدًا بلا حياة، تؤدى كواجب اجتماعي أو
روتين يومي، لا كعبادة تنقّي الروح وتطهر القلب.
ثم إننا في زمن
غلبت فيه المظاهر على الحقائق، وانشغل الناس بالدنيا أكثر مما انشغلوا بمعناها، فكيف
تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر إذا كان عقل المصلي وقلبه غارقًا في الأسواق، أو
مشغولًا بالمصالح الشخصية، أو أسيرًا للشهوات؟! لقد صار الخشوع من أندر الغائبين
في بيوت الله، مع أنه لبّ الصلاة وروحها.
ولعل من أعظم
الأسباب أيضًا أن الصلاة لم تعد مرتبطة بمنظومة حياتية كاملة، فالمصلي قد يتوضأ
ويقف، لكنه لا يربط صلاته بسلوكه في البيت والعمل والسوق، بينما الصلاة الحقيقية
تمتد آثارها إلى الأخلاق والمعاملات، وتغدو جدارًا يمنع الإنسان من أن يسقط في
الفحشاء والمنكر.
ومع ذلك، فإن
وعد الله لا يتخلف: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء
وَالْمُنكَرِ) (العنكبوت: 45)، لكنها تنهى من أقامها بحقها، لا من أداها عادة، تنهى
من دخلها بقلب خاشع ولسان ذاكر وجوارح متواضعة، تنهى من جعلها ميزانًا يراجع به
نفسه، لا ورقة حضور يُسلّمها 5 مرات في اليوم ثم يمضي.
إذن، فالمشكلة
ليست في الصلاة، بل في المصلين، والصلاة ستبقى نورًا لمن فهم حقيقتها، وستبقى
شفاءً لمن عاشها روحًا قبل أن تكون حركات، وإن أردنا أن نعود لنرى أثرها في
واقعنا، فعلينا أن نعيد لها معناها، وأن نخرج من الصلاة ونحن نحمل معنا خشوعها
وأخلاقها، لا أن نتركها عند عتبات المساجد.