التخلي عن نصرة المسلمين من الكبائر
حالة من الجدال العقيم سرت في الأمة عن نصرة المجاهدين وقت المحن، وادعى بعض المرجفين أنه ليس لزاماً على الجميع أن يقوم بعملية الدعم اللازم لنصرة هؤلاء المجاهدين في مخالفات صريحة لكتاب الله، بل ومن يُقْدم عليها يعتبر قد وقع في كبيرة من الكبائر بصريح النصوص القرآنية وصحيح السُّنة المطهرة.
فالمسلم في الأساس مأمور بنصرة أخيه المسلم، وهذا أدنى حق من حقوقه، فيقول
النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله»
(رواه البخاري، ومسلم)، فالتخلي عنه وقت الشدة وتسليمه لأعدائه وخذلانه في تلك
المواقف يعد خروجاً على الشريعة ومخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
والمجاهد إنما يدافع عن أرض المسلمين ومقدساتهم وشريعتهم، وتلك مهمة كل
مسلم، وإنما خرج المجاهد ليكفي الآخرين، فقد وجب على الجميع نصرته طالما أنه لا
يستطيع وحده.
نصرة المسلم في القرآن والسُّنة
وطالما أن نصرة المسلم أمر من أوامر القرآن والسُّنة، فهي علامة من علامات
صدق الإيمان، ويجب على المسلم أن يختبر إيمانه بموقفه من محن الأمة التي تعيشها
اليوم وتحتاج لتضافر جهود الجميع كي تخرج منها، ومن ذلك موالاة المؤمنين بعضهم
بعضاً من دون الكافرين؛ أي عقيدة الولاء والبراء.
يقول الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 71)، فالتعلل بالاتفاقات والمواثيق مع
العدو لا يجوز في هذه الحالة، فإما أنت مؤمن توالي دينك وإخوانك، أو غير ذلك
فتوالي الكافرين المعتدين على أراضي المسلمين وأرواحهم، ويقول تعالى: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ
أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ
نَصِيرًا) (النساء: 75).
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو
مظلوماً»، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تأخذ
فوق يديه» (رواه البخاري)، وقال عليه الصلاة والسلام: «من فرج عن مسلم كربة، فرج
عنه كربة كم كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً، ستره الله يوم القيامة» (رواه البخاري،
ومسلم).
والنصرة في حق المظلوم واجبة حتى ولو كان غير مسلم، فما بالنا بالمسلمين
الذين يدافعون عن قضايا الأمة وبالنيابة عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان ينصر
المظلوم حتى قبل أن يبعث؛ فقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم «حلف الفضول» وقد جاوز
العشرين، وقال بعد البعثة المباركة: «حضرت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما يسرني
به حمر النعم، ولو دعيت إليه اليوم لأجبت»(1).
وعن أبي موسى الأشعري، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن للمؤمن
كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، ثم شبك بين أصابعه، وعن البراء بن عازب قال: «أمرنا
النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع
الجنازة، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونصر المظلوم، وإبرار
المقسم» (رواه البخاري، ومسلم).
خذلان المسلم من صفات المنافقين
وكما حض النبي صلى الله عليه وسلم على نصرة المسلمين لبعضهم بعضاً، فقد حذر
من خذلان المسلم لأخيه المسلم، فيقول الله تعالى: (وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ
لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ
نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ
مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ
وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ {167} الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ
وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ
الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (آل عمران).
وعن جابر بن عَبْدِاللَّهِ، وأبي طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّ، قالا:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً
مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ
عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا
مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ،
وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ
يُحِبُّ نُصْرَتَهُ» (رواه أحمد، وأبو داود).
وسائل نصرة المسلم
وفي ظل ما يدور اليوم في فلسطين المحتلة عامة وفي غزة على وجه الخصوص، يقف
بعض المسلمين حائرين متسائلين: كيف ينصرون غزة وأهلها والحدود مغلقة ولا نملك
مساندتهم بالجهاد معهم؟ فكيف السبيل إلى مناصرتهم في تلك الظروف المعقدة؟ والحقيقة
أنه هناك العديد من الوسائل التي يمكن من خلالها إبراء الذمة من خذلان المسلمين،
ومن هذه الوسائل:
- المؤازرة بالمال:
الجهاد بالمال، حيث إخلاف المجاهدين في أهليهم وأبنائهم، ولتوفير الطعام
اللازم لهم ليكملوا مهمتهم على خير ما يكون.
- الدعاء:
الدعاء من أهم العبادات، بل هو العبادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم،
وكما فعلها نوح عليه السلام حين قال رب العالمين: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ
فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ {9} فَدَعَا رَبَّهُ
أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ {10} فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء
مُّنْهَمِرٍ {11} وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ
قَدْ قُدِرَ) (القمر).
- التعريف بقضيتهم أمام العالم:
الكثير من دول العالم لا يعرف أبعاد القضية حتى اليوم، وباسم معاداة
السامية يخاف الكثيرون الخوف من الخوض في معرفة حقيقتها أو مجرد تقديم النقد
للكيان المحتل، ولذلك فقد وجب على المسلمين التعريف بالقضية على كافة المستويات
عربياً وعالمياً، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والصحف العالمية والتظاهرات
الداعمة للمجاهدين، ودحض مزاعم الاحتلال وتفنيد مزاعمهم
_____________________
(1) اليعقوبي في تاريخه.