أبراج غزة.. دقائق الرعب وإرادة البقاء!

كانت الحيرة عميقة لدرجة يصعب وصفها
بالكلمات، كادت مها أن تفقد عقلها حين وصلها تحذير إخلاء البرج بدقائق معدودة، وهي
تقف عاجزة أمام والدتها المقعدة على كرسي متحرك.
البرج الذي تسكنه مكون من 13 طابقًا،
ويحتوي كل طابق على 8 شقق، تسكن كل منها أسرتان على الأقل مع نازحيها، ليصبح عدد
السكان أكثر من 15 شخصًا يعيشون في حالة من الخوف والهلع والحيرة.
كيف يمكن إخراج كل هؤلاء من البرج في
دقائق معدودة، وسط توقف المصعد وانعدام الإنارة؟
وماذا يمكن أن يحمل كل شخص معه: نفسه،
أطفاله، أوراقه المهمة، أو ملابسه؟
دقائق الإخلاء
الأمر كان أصعب بالنسبة لمها، فكيف لها
أن تخرج والدتها من هذا الرعب، خاصة حين توسلت إليها الأم أن تسرع وتتركها؟
الابنة لم تترك مجالًا للتردد، وارتسم
على وجهها البكاء، مؤكدة: إما نستشهد معًا أو ننجو معًا.
لم تكن هذه مجرد دقائق للإخلاء، بل كانت
أطول من عمر طويل، حيث امتدت الدقيقة الواحدة وكأنها 60 سنة.
تدخل بعض الجيران لمساعدة مها ووالدتها،
رغم علمهم أن الأمر قد يكلفهم حياتهم، لكن من المستحيل ترك جارتهم المقعدة.
حملوها بلا كرسيها المتحرك، بلا دواء،
وبدون غطاء يدفئ جسدها المرتجف.
حارة داخل برج
الأبراج المستهدفة من الاحتلال كانت في
الأصل مقصوفة ومدمرة جزئيًا، لكن ساكنيها عادوا إليها، فلا مأوى آخر لهم، ورغم ذلك
تم قصفها مجددًا.
البرج الواحد كان بمثابة حارة تضم أكثر
من ألف ساكن ونازح.
مع كل ضربة، كانت قلوب السكان تخفق
رعبًا، ومعهم من حولهم من خيم النازحين.
الاحتلال يزعم في كل مرة أن الأبراج
تُستخدم لتحركات المقاومة، بينما المقاومة تؤكد مرارًا أنها أبراج مدنية تحمل
أغلبها نساء وأطفالًا.
في نظر الاحتلال، كل شيء أصبح «بنك أهداف»،
يُخترع له رواية لتجميل وجهه القبيح.
صمود رغم القصف
النوافذ المكسرة كانت أسرع الطرق للعديد
من السكان لرمي ملابسهم وأغطيتهم، إذ لا مجال لذلك عبر السلالم.
مئات العائلات افترشت الشوارع المقصوفة
بلا أدنى مقومات للحياة، ومع ذلك، رفض السكان النزوح من شمال غزة إلى جنوبها، ولا
يزالون حول ركام أبراجهم يكتبون بخط واضح: «مش طالعين»!