كيف نحمي أنفسنا من الابتزاز العاطفي الإلكتروني؟

أسامة الهتيمي

23 يوليو 2025

197

على الرغم من أنه لا توجد أرقام أو إحصاءات دقيقة بشأن عدد بلاغات أو قضايا الابتزاز الإلكتروني خاصة العاطفي منها، فإن بعض الأرقام المتداولة حول هذه الظاهرة في عدد من بلداننا العربية والإسلامية تنذر بكارثة خطيرة.

ولعلنا نكتفي هنا بذكر بعض هذه الأرقام للتدليل على أن الأمر جد لا هزل فيه، إذ في تقرير لفريق «قاوم» الذي أطلق مبادرة إلكترونية بهدف مساعدة ضحايا الابتزاز الإلكتروني والتحرش الرقمي في مصر، خاصة النساء والفتيات، قال الفريق: إنه يتلقى نحو 500 بلاغ يومي، فيما تفاعل مع حوالي 2000 حالة أسبوعيًا.

التقرير أشار في الوقت ذاته إلى أن عدد البلاغات قد يرتفع إلى 700–1000 حالة يوميًا بحسب بعض الفترات.

وفي دول الخليج وبحسب دراسة بحثية، فإن هناك ارتفاعاً في معدلات جرائم الابتزاز الإلكتروني في دول الخليج بشكل خاص، حيث يتم تسجيل 30 ألف جريمة ابتزاز إلكتروني بدول الخليج سنوياً؛ 80% من ضحاياها نساء، وأغلبهن يتم استهدافهن بمحتوى جنسي، وفق ما أوردته صحيفة «البيان» الإماراتية.

قمة جبل الجليد

الحقيقة أن ما تشير إليه الأرقام هو فقط قمة جبل الجليد التي تطفو فوق السطح فيما أن الكارثة أكبر بكثير، إذ إن الكثيرين ممن يقعون في فخاخ هذا الابتزاز يرون أنها فضيحة يحرصون على إخفائها أو الصمت حيالها حتى لو اضطروا وبكل أسف إلى أن يخضعوا لابتزاز المبتزين.

هذا الأمر يفاقم من المشكلة ولا يحلها، خاصة أن غالب المبتزين لا يقنعون بما تحصلوا عليه، فيتمادون في إخضاع ضحاياهم لتحقيق المزيد من مآربهم الدنيئة؛ الأمر الذي ربما يودي ببعض الضحايا في نهاية الأمر إلى الانهيار النفسي أو الانتحار هرباً من الابتزاز والمبتزين.


تربويون: 3 حلول عاجلة لوقف استغلال الأطفال على الإنترنت |  Mugtama
تربويون: 3 حلول عاجلة لوقف استغلال الأطفال على الإنترنت | Mugtama
في الوقت الذي يحرص فيه الآباء والأمهات على تنشئة ف...
mugtama.com
×


الابتزاز العاطفي الإلكتروني

الابتزاز العاطفي شكل من أشكال التلاعب النفسي الذي يستخدمه طرف بحق طرف آخر من أجل ممارسة ضغط عليه للتحكم فيه أو إجباره على فعل شيء ما، وهو ظاهرة قديمة مارسها البعض ولم يزل على أرض الواقع، غير أنها ظلت في عمومها لا تشكل خطراً مجتمعياً كبيراً يهدد أمنه وسلامه النفسي.

لكن ومع الطفرة الهائلة التي أحدثتها ثورة الاتصالات واستحداث ما بات يعرف بمواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية وما لحقها من آثار وتداعيات إيجابية وسلبية طالت كل أشكال العلاقات الاجتماعية والأسرية بما فيها ظاهرة الابتزاز العاطفي الذي أصبح يوصف بالرقمي أو الإلكتروني، اتخذت الظاهرة منحى مختلفاً أوسع انتشاراً وأكثر خطراً.

ومن ثم يمكن أن نعرف الابتزاز العاطفي الإلكتروني أو الرقمي بأنه قيام شخص بتهديد آخر بنشر رسائل أو صور أو أسرار شخصية حصل عليها خلال علاقة عاطفية، أو تواصل إلكتروني بهدف التحكم فيه أو إجباره على تنفيذ طلبات مختلفة، منها مثلاً إرسال صور أو دفع مبالغ مالية أو استمرار العلاقة أو حتى القيام بأعمال غير مشروعة وما إلى ذلك.

حيل الابتزاز الرقمي

ولا تنحصر خطورة الابتزاز الرقمي في كونه أكثر انتشاراً فحسب، ولكن في تعدد أدواته التي تفوق كثيراً أدوات الابتزاز الواقعي، فالمبتزون عاطفيًا على مواقع التواصل الاجتماعي لديهم المساحة الزمنية والفرصة الذهبية لمراقبة الضحية ودراسته بشكل دقيق؛ ومن ثم القدرة بعد ذلك على اختراقه، واستخدام الحيل النفسية المدروسة للإيقاع به والسيطرة عليه.

وينطلق المبتزون في سلوكهم من إدراكهم أن أغلب البشر يعانون من مشكلات عاطفية أو حياتية، أو حتى عقد نفسية تنعكس ملامحها على طبيعة مشاركاتهم وتفاعلاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يجعل من الضحايا كتاباً مفتوحاً أمام المبتزين.

هنا يقوم المبتزون بدورهم؛ إذ يبدون وكأنهم القلوب الحانية والرحيمة التي ستأخذ بأيدي هؤلاء الذين يعانون أو يتعطشون للعاطفة لبر الأمان، فتتولد ثقة الضحايا في المبتزين لتبدأ رحلة الابتزاز حتى يقع الضحايا في الفخاخ.

وحتى ينجح المبتزون في تحقيق أهدافهم، تبدأ عملية التواصل مع الضحية بمبررات تختلف من حالة لحالة، فمنها ما يكون عن طريق طلب الصداقة، ومنها ما يكون استفساراً عن شيء يتعلق بتخصص الضحية، ومنها ما يكون إبداء تعاطف وعرض مساعدة، ومنها ما يكون تعبيراً عن الإعجاب والانبهار بالضحية أو بما يقدمه من مشاركات، وغير ذلك.

وبالطبع، وفي حال استجابت الضحية؛ تأتي مرحلة التواصل المكثف عبر البريد الإلكتروني أو إحدى وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، كـ«فيس بوك» و«إكس» و«إنستغرام» و«تليجرام».. وهو التواصل الذي يتسم بالوقار لفترة زمنية طويلة أو قصيرة بحسب كل حالة، ينتقل بعدها لمرحلة مختلفة تماماً، فسيتدرج المبتز ضحيته كأن يتحصل على صور أو يقوم بتسجيل محادثة تحتوي ما يسيء للضحية.


علِّم أولادك مواجهة وحش التنمر والاستفادة منه |  Mugtama
علِّم أولادك مواجهة وحش التنمر والاستفادة منه | Mugtama
لاحظ الكندي }ديريك بريو» أن ابنه (8 سنوات) يخجل من...
www.mugtama.com
×


كيفية المواجهة

يجدر بنا في هذا الصدد أن نميز بين كيفية مواجهة الابتزاز والوقاية منه بالأساس، فغالب ضحايا الابتزاز وكما أشرنا يعانون بالفعل من مشكلات ربما كانت السبب الرئيس في الوقوع في فخ الابتزاز؛ وهو ما يعني أن نركز أولاً على تفادي حدوث هذه المشكلات.

البداية من تفعيل دور المؤسسات الرئيسة في حياتنا كالأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد ووسائل الإعلام؛ حيث الوعي والدعم والاحتواء والحزم وحل المشكلات، وهي خطوات وقائية تحمي من الوقوع في الفخ.

وفيما يخص الوقاية أيضاً، فثمة خطوات يجب أن نلتزمها جميعاً حتى لا نقع ضحايا لهؤلاء المجرمين، ومنها تجنب طلب صداقات أو قبول طلب صداقات من قبل أشخاص غير معروفين، وعدم الرد والتجاوب على أي محادثة ترد من مصدر غير معروف، وتجنب مشاركة المعلومات الشخصية على الإنترنت، والرفض التام لطلبات إقامة محادثات الفيديو مع أي شخص ما لم تكن تربطنا به صلة وثيقة، وعدم إرسال صور خاصة، وفي ذات الوقت عدم التفاعل مع صور مغرية من المرسلين، وتزويد الأجهزة الإلكترونية ببرامج مكافحة فيروسات أو حماية ضد الاختراقات.

وأما على مستوى ملاحقة المبتزين في حال وقع المحظور، فإنه وانطلاقاً من وعي المؤسسات الرسمية في كل دول العالم ومن بينها دولنا العربية والإسلامية بخطورة الظاهرة وانتشارها، فقد اتخذت الحكومات حزمة من الإجراءات القانونية للحد من الظاهرة ومعاقبة مرتكبيها، ومنها مثلاً وضع خطوط ساخنة مجانية لمتابعة قضايا الابتزاز وشرح كافة معالم القضية لدى الجهات المختصة، فضلاً عن خطوط أخرى للإبلاغ عن جرائم الابتزاز حتى تتحرك الجهات المعنية دون أن تتسبب في أي أذى للمشتكي أو فضحه، فيما يتم إحالة المبتز للمحاكمة التي تقضي وفق العديد من القوانين في بلادنا العربية والإسلامية بتغريمه بغرامات كبيرة والسجن لعدة سنوات بحسب نوع الابتزاز.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة