9 مقومات للبناء الحضاري الإسلامي

تتفرد الحضارة
الإسلامية بمجموعة من القيم الإيمانية والأخلاقية والإنسانية إلى جانب الإمكانات
المادية عن غيرها من الحضارات الأخرى، وكان المشروع الحضاري الإسلامي انتقائياً
يهدف في أساسه لمصلحة الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة.
وهناك جملة من المقومات التي تمتلكها الأمة الإسلامية لجعل المشروع الحضاري الإسلامي قابلاً للتجديد، ويشهد التاريخ على كم من الحضارات لا حصر لها، أتت وأثرت في مسار التاريخ، ثم اندثرت تماماً ولم يتبق منها سوى بعض المنتجات المادية المطموسة بباطن الأرض، ولم نر حضارة منها تعود؛ لأنها لا تمتلك مقومات التجدد والتجديد حيث تفتقد للعامل الإنساني والروحي الفطري الصحيح للتوافق مع الاحتياجات الإنسانية دون صراع مع النفس أو تضارب مع فطرتها المجبولة عليها.
وأما الحضارة الإسلامية فلها شأن آخر، إنها الحضارة التي أتت لتبقى، وتحكم العالم، وتشهد عليه إلى قيام الساعة، حضارة الأمة الوسط؛ قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة: 143)، فما تلك المقومات التي تعطي الإسلام صلاحية القوامة إلى يوم الدين؟
أولاً:
عقيدة التوحيد:
لقد قامت
الحضارات السابقة على أساس من عقائد وثنية، لم تستطع معها مواجهة احتياجات الإنسان
الفطرية والروحية، فحدث شقاق كبير بينه وبين حضارته، وحين سقطت، انتهت مع التاريخ
وصارت مجرد آثار.
وفي الإسلام
كانت عقيدة التوحيد أساس بنائه الحضاري، وقاومت كافة مظاهر التبعية والانقياد
للهوى أو الآخر، يقول تعالى: (اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ
مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ) (الروم: 40).
ثانياً:
أمة اقرأ:
العلم من أهم
مقومات أي بناء حضاري قوي، وأول كلمة نزلت في كتاب الله كانت «اقرأ»؛ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
خَلَقَ) (العلق: 1)، وعشرات الآيات في كتاب الله تحض على البحث والعلم،
والتأمل، وتعلي من شأن العلماء والباحثين، فيقول تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9).
ثالثاً:
العدل والإحسان:
العدالة غاية
المجتمعات الإنسانية، وفي البناء الحضاري للأمة يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (النحل: 90)، وتلك طبيعة الإسلام كدين ونظام
اجتماعي حتى في تعامله مع العدو، فالعدل والإحسان لا خيار فيهما لحضارة تتصل
بالسماء، ويتعبد بها أهلها: (وَلَا
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى) (المائدة: 8).
رابعاً:
أمرهم شورى:
الشورى أصل من
أصول الحكم في الإسلام؛ (وَأَمْرُهُمْ
شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38)، فالاستبداد مؤذن بالخراب والغياب الحضاري.
خامساً:
ترسيخ قيمة العمل والإتقان والسعي:
لا حضارة بغير
عمل جاد وسعي حثيث؛ (هُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا
مِن رِّزْقِهِ) (الملك: 15)، وقد كان للأنبياء مهن يتقنونها، ويأكلون من
الكسب منها، فيقول تعالى في داود عليه السلام: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم
مِّن بَأْسِكُمْ) (الأنبياء: 80).
سادساً:
العامل الأخلاقي:
الأخلاق الحميدة عماد الحضارات، بها تقام وعليها تستمر؛ يقول الله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (آل عمران: 164)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (رواه أحمد)، فأخلاق مثل الصدق والرحمة والتكافل والأمانة كانت الأساس الحضاري لدولة الإسلام.
سابعاً: ممارسات اقتصادية أخلاقية:
المسلم من حقه
أن يعمل ويحوز الدنيا بين يديه ويصير من الأغنياء، لكن في حدود ما أحله الله من
تجنب الربا، وعدم الاحتكار، فيقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا
مُّضَاعَفَةً) (آل عمران: 130)، وقال سبحانه: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ)
(الحشر: 7).
ثامناً:
التكافل الاجتماعي:
تفرد المجتمع
الإسلامي بأنه مجتمع تكافلي، فلا غنى فاحش في مقابل فقر مدقع، وإنما هناك فقراء
لهم حق معلوم في أموال الأغنياء عن طريق الزكاة المفروضة، والصدقات التي يتقرب من
خلالها إلى الله؛ يقول تعالى: (خُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (التوبة: 103).
تاسعاً:
الاعتراف بالآخر:
المجتمع
الإسلامي يستوعب الآخرين طالما أنهم يحترمون ويقدرون المجتمع الذي يعيشون فيه ولا
يخرجون على تقاليده وأخلاقياته، يقول تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً
وَاحِدَةً) (هود: 118)، (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)
(الحجرات: 13)، فلا إقصاء، ولا تهميش في المجتمع الإسلامي، وإنما تعارف
وتكامل وقبول للآخر.