من أخلاق المسلم.. الإعراض عن الجاهلين

نحن في زمن قد انتشرت فيه الفتن، والجهالات، وفي أشد الحاجة لحفظ الخلق والحفاظ على العلاقة بين العبد وربه في أعلى درجات الصلاح، ومن مظاهر ذلك الصلاح الإعراض عن كل دافع للخطأ أو رد الفعل الغاضب والمؤدي للوقوع في جهالة أخرى.

وقد أولى الشرع اهتماماً خاصاً بالإعراض عن الجاهلين وعدم التصدي لهم ومجاراتهم في جهالتهم.

والإعراض عن السفهاء والجاهلين من الأخلاق الرفيعة التي أكدها الله عز وجل، فالمسلم يترفع بأخلاقه، ويربأ بنفسه عن مجاراة الجهلاء والسفهاء أو أن يتساوى بهم في أخلاقهم وأفعالهم، فقال تعالى حاثاً نبيه صلى الله عليه وسلم على الإعراض عن الجاهلين: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف: 199)، وقال تعالى في مدح أهم صفات عباد الرحمن، ومنها التجاوز عن الجاهلين: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً) (الفرقان: 63).

وقال تعالى في وصف عباده المؤمنين: (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) (القصص: 54)، وقال تعالى واصفاً عباده المحسنين الذين يحبهم: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 134)، وقال تعالى واصفا أثر مواجهة الجهالة بالإحسان: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34)، وقال تعالى: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) (الفرقان: 72).

وعن أبي ذر، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» (أخرجه الترمذي).

ومن الخلق الحسن: أن تعامل كل أحد بما يليق به، ويناسب حاله من صغير وكبير، وعاقل وأحمق، وعالم وجاهل، فمن اتقى الله، وحقق تقواه، وخالق الناس على اختلاف طبقاتهم بالخلق الحسن؛ فقد حاز الخير كله؛ لأنه قام بحق الله وحقوق العباد، ولأنه كان من المحسنين في عبادة الله، المحسنين إلى عباد الله(1).

وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً» (أخرجه الترمذي)، وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه» (أخرجه مسلم).

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (أخرجه البخاري، ومسلم)؛ قال ابن بطال: الصرعة: الذي يصرع الناس ويكثر منه ذلك، كما يقال للكثير النوم: نومة، وللكثير الحفظ: حفظة، فأراد عليه السلام أن الذي يقوى على ملك نفسه عند الغضب ويردها عنه هو القوي الشديد والنهاية في الشدة؛ لغلبته هواه المردي الذي زينه له الشيطان المغوي، فدل هذا أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو؛ لأن النبي عليه السلام جعل للذي يملك نفسه عند الغضب من القوة والشدة ما ليس للذي يغلب الناس ويصرعهم(2).

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» (أخرجه ابن ماجه). 

مظاهر الإعراض عن الجاهلين

1- التقليل من التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم الاصطدام بالفئات الجاهلة.

2- تجنب مجالستهم أو توطيد العلاقات بهم ليظلوا محاصرين في نطاق ضيق فلا يؤذوا المسلمين بألسنتهم.

3- تجنب الرد على إساءاتهم بمثلها، فمن يرد عليهم يتشبه بهم.

4- التعامل معهم بحلم وصبر، وعدم مؤاخذتهم، وتحمل أذاهم.

فوائد الإعراض عن الجاهلين على الفرد والمجتمع

1- تنفيذ لأمر الله تعالى بالتحلي بمكارم الأخلاق.

2- التحلي بخلق الإعراض عن الجاهلين هو تشبه بالأنبياء والصالحين.

3- به يكتسب المسلم احترام الناس وتقديرهم، حيث إنه لا يقلل من شأن نفسه بين السفهاء والجاهلين.

4- قد يكون فيه هداية لآخرين وتأليف قلوبهم حين يترفع المسلم عن الرد على السفيه.

الوسائل المعينة لاكتساب خلق الإعراض عن الجاهلين

الإعراض عن خلق سلبي يحتاج لقوة إرادة، وعلاقة وطيدة بالله عز وجل واستعانة به سبحانه، خاصة تلك الأخلاق التي تتعلق بالتعامل مع الناس وتستلزم الصبر عليهم، ومما يعين على اكتساب الخلق:

1- أن يعلم المسلم أن هذا الخلق من الرفق، والله عز وجل يحب الرفق في كل شيء، فليكن ممن يحبهم الله تعالى.

2- أن يعلم أن المشقة التي يلاقيها في نفي الغضب عنه، إنما هي تشبه بالأنبياء، والاقتداء بهم.

3- أن أقصر طريق لكسب القلوب الدفع بالتي هي أحسن.

4- أن يعلم أن اجتهاده في إصلاح أمره في تلك الأيام المباركة فيها قربى لله وأجر مضاعف.

5- أن يعلم أنه بإعراضه عن الجاهل إنما هو إكرام لنفسه عن إهانتها من هؤلاء السفهاء.






_______________________

(1) بهجة قلوب الأبرار، ص 51

(2) شرح صحيح البخاري (9/ 296).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة