معايير الصلاح عند الموظف الأمين
من السمات
العامة للإسلام كدين أنه خاتم رسالة السماء للبشرية، وأنه دين عملي تطبيقي وليس
ديناً نظرياً ينحصر بين جدران المساجد أو المعابد، يقول تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ
عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا
وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب:
72).
وتأدية الأمانات في العمل وأمور الحياة أمر رباني للمسلمين وليس خياراً يفعله من يشاء ويعرض عنه من يشاء، فيقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء: 58)، فالأمانة في العمل أمر عظيم في الإسلام، وأمر من أوامره الأساسية، وخلق من أخلاق الصالحين، وهو أداء لحق الله عز وجل، ثم حق العباد من المسلمين وغير المسلمين.
الأمانة
في الوظائف العامة ووسائل التكسب
المسلم مأمور
بالسعي على رزقه، وبذل الأسباب ليتقوت من الحلال ويعف نفسه عن سؤال الناس، ومأمور
بالعمل والخروج من دائرة الكسل، يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:
15)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن
يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده» (رواه
البخاري)، وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لأن
يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً، فيسأله أعطاه، أو منعه»
(رواه البخاري).
والموظف يتقاضى
أجراً على وظيفته، وقد وافق على شروطها يوم تسلمها، فعليه أن يؤديها بشروطها، حتى
لو رأى بعد ذلك أن الأجر الذي يتقاضاه لا يعادل حجم ما يقوم به من عمل، فليس ذلك
مسوغاً أن يقصر في عمله، أو يتهاون فيه بحجة أنه مظلوم في الأجر، وعليه في ذات
الوقت أن يطالب بحقوقه وله أن يقبل أو لا يقبل.
والإنسان يقضي
في عمله اليومي ساعات طويلة، ربما ما يقرب من ثلث أو نصف عمره، فليس من المعقول أن
يمر هذا الزمن دون أن يستحضر فيه نية، ودون أن يحيل تلك الساعات لوقت يحصد فيه
الحسنات ويبتغي فيه مرضاة الله عز وجل كأوقات العبادة المحدودة في يومه وليلته،
فعليه أولاً أن يكون بين أمرين مهمين:
أولاً: الإخلاص؛
فالإخلاص في كل عمل ديدن المسلم حتى لو كان عملاً يبتغي به الكسب؛ (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ
أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ) (الزمر: 11)، وقال أيضاً: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا
لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة: 6).
وقال عمر بن
الخطاب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل
امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما
هاجر إليه» (رواه البخاري، ومسلم).
ثانياً: الأمانة؛
فيستحضر المسلم أنه يؤدي أمانة التكليف التي أبت السماوات والأرض والجبال أن
يحملنها خوفاً وشفقة على حملها بحقها، وأنه في تحد مع نفسه أولاً، والشيطان ثانياً
في تأدية تلك الأمانة التي حذره الله عز وجل من خيانتها في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ
تَعْلَمُونَ) (الأنفال: 27).
ومن مقتضيات
الأمانة في سلوك الموظف المسلم:
1-
تجنب الرشوة:
والرشوة محرمة
تحريماً قاطعاً بنصوص القرآن والسُّنة، يقول تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ
النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 188).
وعن أبي حميد
الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد على صدقات بني
سليم يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه وقال: هذا مالكم وهذا هدية، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً؟»،
ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على
العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت
أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله
يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرة لها
خوار، أو شاة تيعر»، ثم رفع يده حتى رؤي بياض إبطيه يقول: «اللهم هل بلغت ثلاثاً»
(متفق عليه).
2-
تجنب السرقة:
والسرقة سواء من
المال العام أو الخاص محرمة كذلك تحريماً قاطعاً، يقول تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة: 38)، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني
حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق
وهو مؤمن» (رواه البخاري، ومسلم).
3-
وقف التحايل:
وقد يتحايل بعض
الموظفين على إداراتهم ومؤسساتهم للحصول على البدلات والحوافز والمكافآت بغير وجه
حق، ظناً منهم أنها نوع الذكاء، وهو محرم شرعاً ويدخل في إطار قوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ).
4-
اجتناب التعدي على المال العام:
والتعدي على
المال العام من الكبائر، فعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
وصف المال بأنه «حلوة»؛ أي: مستحب ومحبوب للنفس، و«من أخذه بحقه»؛ أي: من وجهه
الشرعي، فإنه «يكون عوناً له في الدنيا والآخرة»، أما «من أخذه بغير حقه، فإنه
يكون كالذي يأكل ولا يشبع»؛ أي: لا يجد القناعة والبركة في ماله، و«يكون هذا المال
عليه شهيداً يوم القيامة بما أخذه من حرام أو أساء في إنفاقه» (رواه البخاري،
ومسلم).
وهناك صفات أخرى
يجب أن يتحلى بها الموظف في عمله، مثل أن يلقى الناس بوجه باش، ويتعامل معهم بصدق
وحلم واحترام وتقدير لكبار السن الذين هم في حاجة لتلقي الخدمات، فهو عامل لديهم
وليس العكس.
مقومات
الموظف الناجح في ضوء كتاب الله
ذكر القرآن
الكريم مقومات الموظف الناجح في سورة «القصص» من خلال قصة موسى عليه السلام، فيقول
تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا
يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)
(القصص: 26).
فالقوة والأمانة
هما الصفتان الأساسيتان التي يجب توافرهما في أي عامل حتى يؤدي عمله على خير ما
يكون، وليست القوة البدنية وحدها هي المقصودة في الآية الكريمة، فيوسف عليه السلام
حين تولى خزائن الأرض كما طلب هو بنفسه من الملك، لم تكن قوة بدنية، وإنما كانت
قدرة نفسية وإدارية تؤهله عليه السلام للقيام بمهمته الصعبة في الحفاظ على مقدرات البلاد؛
قال تعالى: (قَالَ اجْعَلْنِي
عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف: 55).
من
صور الأمانة في العمل
1- الاكتفاء
بالدخل المحدد داخل العقد وما دون ذلك فهو حرام.
2- الحفاظ على
أدوات العمل مثل الأوراق والكهرباء وممتلكات الشركة أو المؤسسة.
3- معاملة
الجماهير بعدل، فلا محاباة للأهل والمعارف.
4- المحافظة على
وقت العمل من حضور وانصراف وعدم الغياب بدون عذر.